من الأمور النادرة التي يكاد اللبنانيون يجمعون عليها اليوم، على الرغم من تنامي الاختلافات والانقسامات فيما بينهم، أن الموسم السياحي للعام الحالي كان الأسوء على الاطلاق منذ سنوات. سواء على صعيد الداخل أو ومقارنة بحركة الوافدين. تأزم الوضع السياسي وتوتر الحالة الأمنية، تداعيات الأزمة السورية، غليان المحيط، تضاف إلى أزمة إقتصادية متفاقمة، كلها عوامل أدت بأجماع أغلب المعنيين بهذا القطاع لاعتبار الموسم لهذا العام، كارثيا من الصعب تعويضه
لبنان بلد سياحي وخدماتي بإمتياز، ويعدّ قطاعهُ السياحيّ واحداً من أهمّ دعائم الإقتصاد الوطني، فوارداته تعبّر عن مردودٍ مقبول وتدفق مالي كبير يدخل إلى الخزينة اللبنانية موردا رئيسيا للعملة الصعبة. وقد حقّقَ القطاعُ السياحي معدلاتٍ مهمةٍ على صعيد مؤشرات النمو، غير أن الأحداث الأمنية والتفجيرات الأخيرة فرضت نفسها كلاعب أساسي في تغيير مجريات العائدات والأرباح المنشودة.
يتميّز لبنان تاريخيا بكونه واحدا من أهم الوجهات الجاذبة للسائحين لاسيما العرب من دول الخليج. ميزاته التفاضبية كثيرة، لذا فهو كان الواجهة المفضّلة لدى الكثير من الجنسيات العربية والأجنبية.
تعد السياحة أحد أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً في لبنان، لكنها اليوم في ظل غياب الأمن الإجتماعي الذي يسهم في تشجيع حركة الوافدين والمغتربين تبدو في حال حرجة .
في عام 2009 سجّل لبنان أعلى حركة سياحية بنسبة 29 في المئة مقارنة مع الأعوام التي سبقتها (منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة)، حيث حقّق نمواً ملحوظاً في عدد الوافدين.حيث بلغ العدد حوالي 2,700,000 سائح. وقدّرت نسبة النمو وقتها 45%. وشهدت مدينة بيروت افتتاح الكثير من المؤسسات السياحية.
في عام 2010 حقّق القطاع السياحي نمواً بنسبة 15% عن السنة السابقة، وكان للوافدين العرب والأوروبيين الحصة الأبرز من حجم السياح.
أما في عام 2011 فقد شهدت معدلات السياحة ذروتها بعد أن طرق تحسّن ملحوظ في الوضع السياسي والأمني اللبناني الذي تجلى عبر تشكيل حكومة نجيب ميقاتي التي أبشرت بجو اقتصادي أفضل من السنوات السابقة، اذ بلغ عدد الداخلين الى مطار بيروت ب1.7 مليون شخصاً أي بزيادة قدرت ب27 في المئة مقارنةً مع إحصاءات عام 2009. حيث شهدت كافة مناطق العاصمة بيروت زحمة كبيرة من الوافدين ورجال الأعمال.
عام 2012 كانت مرحلة الركود الإقتصادي إذ تراجع القطاع السياحي بنسبة 50 في المئة عن العام الذي سبقه، وذلك بعد سلسلة الإنفجارات الأمنية التي طالت بيروت وضواحيها والتي أدت الى تراجع في الحجوزات الفندقية وتذاكر السفر.
2013 هو عام الأخطر، أو ما يسمي بعام «الكارثة»، إذ تراجعت فيه المؤشرات الإقتصادية بشكل كبير أدت الى إرهاق الكثير المؤسسات والإستثمارات والمشاريع السياحية، فتراجعت الحركة السياحية بنسبة 6.6% عن عام 2012، وبخسائر قدرت جسامتها بثلاثة مليارات و500 مليون دولار امريكي.

انحسار حركة لخليجين

في العام 2012 سجل تراجع في نوعية السياح الوافدين حيث تراجع عدد السياح الخليجيين وخصوصاً السعوديين، وبات يدخل 4% من حجم السائحين السعوديين الذين كانوا يدخلون في أعوام سابقة، ويعود هذا التراجع بشكل واضح الى تردّي الاوضاع الامنية والتشنجات السياسية.
في 2013 تراجعت
الحركة السياحية بنسبة 6.6%
عن عام 2012


ويجب التنبه إلى أن التراجع الحالي في السياحة خلال عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤ يعود في المقام الاساسي الى تدهور الوضع الأمني الذي يلاحق البلاد، اما السبب الثانوي فيكمن في غياب خطة سياحية لاحتواء المشاكل الناجمة عن هذا الواقع المستجد، تكون على تنظيم وتطوير هذا القطاع المهم.

فرعون السياحة بخير!!

يستهل وزير السياحة ميشال فرعون كلامه لدى سؤاله عن الوضع العام للقطاع السياحي في البلد بتأكيد دعمه لهذا القطاع، ومثمناً جهود المغتربين ورجال الأعمال في تشجيعه، رغم الأوضاع السياسية الصعبة وانعكاسات أوضاع المنطقة.
ويرى فرعون على عكس ما يتصوره الكثيرون، «أن اللبنانيين كانوا على موعد مع حركة سياحية مقبولة نسبياً هذا العام وكان هناك رزمة كبيرة من المهرجانات والحفلات في جميع المناطق اللبنانية، ساهمت في دخول وفودٍ لا بأس بها وخاصة العربية منها الى المرافق اللبنانية، مقارنةً مع العام الماضي.»
ويضيف «السياحة تعني الأمن، والعكس صحيح. فهما توأمان لا يمكن فصلهما، غير أن أيدي الإرهاب والإضطراب الأمني أثرا بشكلٍ مباشر على النسب التي يسعى لبنان الى تحقيقها.»
ويشير فرعون إلى أن «موسم الصيف كان جيدا في شهر أيار، وكانت حركة الفنادق جيدة في شهر حزيران، وتجلت هذه الحركة مع دخول السائحين السعوديين والأوروبيين في شهري أيار وحزيران. ولكن لا شك أن الجسم السياحي تأثر بشكل مباشر بالوضع الأمني الحالي خصوصاً خلال شهري تموز وآب، ما أدى إلى هروب فئة من السائحيين العرب. أما في شهر أيلول فقد سجّلت حركة الوافدين أعلى نسبة مقارنةً بالأشهر السابقة.»
ويكشف فرعون أنه «في هذه الفترة تقوم الوزارة بإعداد دراسات تحليلية، والنتيجة التي تبيّنت حتى الآن هو الزيادة في عدد السائحين بنسبة تراوحت بين 20 و 30 في المئة في أشهر حزيران وتموز وآب.»
ويشير فرعون إلى أن «إعتماد القطاع السياحي في عام 2014 كان بشكل أساسي على حركة اللبنانيين الموجودين في الخليج ودول الإغتراب، الذين يقصدون مناطقهم إما من أجل الإصطياف أو من أجل الزيارة لفترات تتراوح بين أسبوع و أسبوعين.»
في عام 2011 شهدت
معدلات السياحة ذروتها بعد أن طرأ تحسّن ملحوظ


ويقول إلى أنه «تم إفتتاح خمسة فنادق جديدة في هذا الموسم الصيفي، وقطاع الفنادق مهم، إلا انه بالرغم من ذلك فقد تأثر أصحاب الفنادق بشكل ملحوظ نتيجة الأحداث الأخيرة وخاصةً في ما يتعلق بإنفجار الروشة ومسألة عرسال.»
ويختم فرعون بالتأكيد «أن القطاع السياحي في هذه السنة سجّل نمواً أفضل من السنتين السابقتين. وتعمل الوزارة حالياً على مواكبة الوضع العام للقطاع بشكل دقيق، وتتطلع الى تطوير السياحة الريفية، التي تعمل وزارة السياحة على إطلاقها قريباً.»

الفنادق: 40% الإقفال الجزئي

يصف نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر، حال القطاع السياحي في البلد هذه الأيام «بالغير السليم»، ويشير الى أن هناك اقفال للعديد من الفنادق الكبيرة (خاصة في جبل لبنان-بحمدون) أو تلك التي يمتلكها مستثمرون عرب وأجانب.
ويضيف «الوضع السياحي يتدهور تدريجيا مع تدهور الحالة الأمنية في البلاد، ولن يستطيع القطاع تكريس سلامة أدائه أمام ما يتعرض له المجتمع اللبناني من خضاتٍ وأزمات. فعلى سبيل المثال: فندق برمانا، وفندق غراند هيل هو من أضخم المشاريع السياحية الموجودة في لبنان والمنطقة. بحيث بينت النتائج المحقق عدم الجدوى من استمرار العمل في ظل هكذا ظروف، وبالتالي الاغلاق.»
من جهة أخرى، يرى الأشقر ان «هناك اقفالا جزئيا بلغت نسبته ٤٠% في معظم الفنادق في لبنان، أي أن صاحب الفندق الذي يمتلك ١٠٠ غرفة، وبسبب صعوبة الوضع المادي وتراجع عدد النزلاء قام باقفال ٤٠ غرفة ليستفيد من ٦٠ منها فقط، وذلك للحد من الخسائر التي يتكبدها. أما المستثمر العربي او الأجنبي الذي يملك ٣ مطاعم، فقام باغلاق مطعمين وذلك لتجنب الخسائر المتوقعة مع الوضع السياسي المتأزم في البلد.»

تعبّر هذه النسب عن مدى الخطورة التي وصل اليها هذا القطاع، وتقديراتها التي تلامس الارقام الواقعية بشكل فعلي. فالاقفال الجزئي لا يعني بالضرورة تدن في النوعية المقدمة، بل هي عملية تقليص في حجم التكاليف غير المشغلة.
ويؤكد النقيب أنه «عند أي دراسة اقتصادية لواقع القطاع السياحي، تقوم النقابة بمقارنة بين وضع القطاع خلال عامي ٢٠٠٩ - ٢٠١٠ والوضع الراهن. ذلك أن الفترة السابقة كانت «ذهبية» بالنسبة للقطاع. الفنادق اليوم أمام تراجع يقارب ال٤٠% بنسبة التشغيل وانخفاص في السعر الوسطي للغرفة الذي بلغت نسبته ٣٥%. يعود هذا التراجع في معياري التشغيل والسعر الوسطي للغرفة، الى المضاربات التي تنتج عن تخفيض في الأسعار.»
ويتابع «أما الإجراء والسبيل الوحيد لاعادة انعاش قطاع الفنادق فيكمن بإعادة الاستقرار للحياة السياسية. فبدون استقرار أمني وسياسي لا يمكن معالجة الموضوع. من جهة أخرى، تكمن الآلية المناسبة في دعم القطاع من قبل الدولة، ما يعني تأمين رواتب الموظفين، أو عبر تأمين المياه والتيار الكهربائي. فإن كلفة انقطاع الكهرباء ما بين ١٢ و ١٣ ساعة يومياً يكلف الفندق أكثر من ٥ مرات عبر استخدام المولدات الكهربائية. اضافة الى مشكلة المياه ( كل ٣ ايام تؤمن الدولة فقط ٤٠ متر مكعب من المياه ). لذلك نحن نطالب بتأمين الحد الأدنى من الدعم، لكننا نعلم ان النتيجة بعيدة عن متناول المسؤولين.»
مطاعم جديدة براساميل صغيرة
من جهته، يشدد رئيس نقابة أصحاب المقاهي والمطاعم والملاهي بولس عريس، أنه على الرغم من تردّي الأوضاع الأمنية والسياسية، وتراجع في عدد السائحين مقارنةً بالفترة السابقة، وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنينن ظهرت بصيص أمل تمثل بإفتتاح عدد من المطاعم والمقاهي ذات الرساميل الصغيرة أي تلك المحال التي يمتلكها مستثمرون لبنانيون.
وبحسب عريس، إن «هذه الخطوة إن دلّت على شيء فهي تدلّ على أن هناك إقتناعاً داخلياً بضرورة تخطّي الأزمات والمرحلة الراهنة. أي انه بات قطاع المطاعم والمقاهي والملاهي يعتمد بشكل أساسي على حركة المستثمرين والمغتربين اللبنانيين، والذين باتوا عصب الإقتصاد الوطني.»
ويختم «في الفترة السابقة أي قبل مرحلة الأزمة عام 2011 كان هناك افتتاح لأكثر من 2000 مؤسسة تعتمد على الطلب الداخلي والخارجي. ولكن بعد تدهور الوضع الأمني بشكل كبير عادت هذه المؤسسات الى الإقفال والتريّث في الإستثمار، ودخل قطاع المطاعم والمقاهي والملاهي موجة من الاقفال في مناطق عديدة في بيروت وخارجها: الحمرا – الأشرفية – الجميزة – الوسط التجاري – عاليه – بحمدون.