تطلّب الأمر أكثر من خمسة عقود حتى يحدث ما يجري اليوم. «رأس العبد» الذي تغيّر اسمه منذ سنوات، لدواع عنصرية، الى «الطربوش»، واحد من أبرز المنتجات الصناعية الغذائية اللبنانية التي اشتهرت لأجيال باعتباره قصة نجاح في الاسواق المحلية والإقليمية، حتى وإن كانت الفكرة في الأصل مستوحاة من حلوى ألمانية.

الخبر اليوم أن «الطربوش» بات متوافراً للمستهلك بصيغة جديدة.
هل يحتاج الأمر فعلاً إلى خمسين عاماً حتى يتم إدخال نكهتين على الكريما بطعمها الأصلي؟
يشبه البعد الاقتصادي لمسيرة التطور الصناعي التي طرأت على «الطربوش» الحال الحقيقية للصناعة اللبنانية.
لا يحتاج الأمر كل هذا الوقت.

■ ■ ■


بين التوثيق الرسمي لأول إكتشاف أثري لسن صناعية من الذهب، وجد في إحدى الحفريات في مدينة صيدا، وبين تميز المدينة بصناعتها الحرفية اليوم «السمسية» و«البندقية»... أكثر من 0005 سنة. نعم.
تخيلوا، بين صيدا الفينيقية التي قدمت واحدة من أدق الصناعات الطبية في جسم الإنسان (بحسب سجل الموجودات في متحف اللوفر في باريس) وبين مدينة تعدّ فيها اليوم الحلويات من «الصناعات الثقيلة»، مسيرة آلاف السنين من التطور.... إلى الخلف.

■ ■ ■


ليست مشكلة الصناعة اللبنانية اليوم مجرد: إرتفاع كلفة الانتاج، وغياب السياسات الرسمية الداعمة، أو ضيق السوق المحلية، وكلفة التصدير، والمنافسة الخارجية، وضعف الرساميل والاستثمارات الموظفة في القطاع، أو ارتفاع كلفة اليد العاملة، وعدم وجود دعم لمادة الفيول لتشغيل المصانع، أو أي من المشكلات الكثيرة المحقة التي تعيق تطوير هذا القطاع.
المشكلة الفعلية للصناعة اللبنانية أنها لم تحدد مكانها في العالم الجديد. لم تقرأ جيداً المتغيرات المتسارعة في حلقة الانتاج المستجدة في هذا العصر. لم تحدد دورها الاستراتيجي بناء على معطيات واقعية.
بقيت تلعن الظلام واكتفت بأقل من إضاءة عود ثقاب.
صناعة تقليدية وكسولة ثقافياً، لم تعد تصلح للحاضر والمستقبل.
إذا كان البلد يفتقر للموارد الطبيعية والمواد الأولية والكثافة السكانية...فأين الإبداع اللبناني المتفجر دوما مما حققه مارك زوكربرغ، وجاك ما؟
أوليس «فايسبوك»، ومجموعة «علي بابا» من أكبر صناعات اليوم، من دون دعم للفيول، ومدن صناعية، وحاضنات أعمال.
الصناعة عملية فكرية بحتة، وهي موجودة لبنانياً. لكن يبقى أن نتخطى حاجز «الغباء»، ولا يتطلب الأمر 0005 سنة إضافية، أو 5 عقود لنكهة جديدة لـ «الطربوش». رجاء.