يقال إن للثورات سيرورة حتمية، لا يمكن إيقافها إن هي بدأت. هي فعل إندفاع، في المبدأ... نحو الامام، نحو التغيير.غيّر العرب هذا المفهوم. مع "ربيعهم" وتداعياته، كان الفعل عكسياً بطريقة غريبة. قد تكون من المرأت النادرة التي يكرر فيها التاريخ شخصياته بهذا التقارب في الزمن.
إذا كانت السياسات الاقتصادية الفاشلة على مدى عقود من الأسباب الرئيسة لاندلاع الثورات، فإن الرؤية الاقتصادية لما بعد الثورات، حكاية لم يسمع يشعر بها أحد مؤخراً.
غالباً ما يكون مؤشر نجاح الثورات مرتبطاً بمدى قدرتها على تغيير الانسان وليس انظمة الحكم فحسب. فهي في الأصل كانت لا لتطيح بالنظام الحاكم بقدر ما تطيح بعقلية وثقافة سلطويّة عمت.

■ ■ ■


للقطاع الخاص في العالم العربي خصوصية قد لا تجدها في مكان آخر.
إرتباط وثيق ومتداخل بين نشوء هذا القطاع وقيامه وإنجازاته، وبين علاقته بالسلطة السياسية الحاكمة.
في كل بلد هناك وجه آخر للعملة الواحدة. وجه سياسي وآخر اقتصادي.
من أحمد عز في مصر، وصخر المطيري في تونس، ولا تنتهي القصة بسيف الإسلام القذافي أو أحمد علي عبد الله صالح...
حتى في بلدان لم تطأها أقدام "الربيع العربي" كدول الخليج مثلا، لا يمكن أن تتصور قصة نجاح اقتصادية لشركة أو رجل أعمال أو حتى فكرة ذات جدوى من دون أن يكون لها جذر سياسي، تعود بالفائدة المادية والمعنوية عليه.

■ ■ ■


في لبنان اليوم لا تبدو الصورة مختلفة إلى حد كبير، رغم "الواحة المفترضة" لليبرالية الاقتصادية.
القطاع الخاص اللبناني الذي حقق على مدى سنوات بعضاً من الإنجازات في السوق المحلية كما العربية والعالمية، يعاني اليوم من "لعنة" التبعية السياسية السائدة في المحيط العربي، وإن بنسب متفاوتة. لعنة يبدو انها في تزايد لا انحسار.
ما إن يكون الحديث عن شركة أو مستثمر أو ثري أو مشروع، حتى يبدأ الكلام فورا عن "عرّاب" سياسي وراء المشهد، ومن دون "حصته" يصبح الحديث عن نجاح قد يحقق، أمراً مشككاً بحدوثه.
هذه القيود التي تشبك سلاسلها على أداء القطاع الخاص اللبناني، باتت من معوقات التطور والإنطلاق نحو الإنجاز. تماما كما كانت الحال في بعض الدول العربية قبل اندلاع الثورات...لكن في الحالة اللبنانية يبدو "التخدير" أقوى من النزول إلى الشارع... بعد.