للمرة الأولى منذ أربع سنوات، تراجعت أسعار النفط الخام بشكل كبير في الأسابيع القليلة الماضية، ووصلت الى ما دون 70 دولاراً للبرميل بعد قرار منظمة أوبك الحفاظ على سقف الإنتاج البالغ 30 مليون برميل يومياً. وكانت أسعار النفط قد وصلت الى نحو 140 دولاراً للبرميل عام 2008، لتتراجع بعد ذلك وتستقر ما بين 100 و110 دولارات للبرميل في الأشهر القليلة الماضية. وبلغت نسبة تراجع الأسعار حوالى 30% منذ حزيران الماضي.

وكانت أغلب الدول المصدرة للنفط قد اعتمدت موازناتها المالية الحالية على اساس سعر 80 دولاراً للبرميل كحد أدنى، بينما اعتمد بعضها سعراً يزيد على 100 دولار لدى اعتماد موازناتها. وكان لتراجع النفط الخام أثر كبير في الأسواق العالمية التي ضاعفت خسائرها في الجلسات الأخيرة بعد بيان دول "أوبك" بعدم خفض الإنتاج من أجل الحفاظ على حصصها، رغم تراجع الأسعار.

أميركا تستفيد

وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية المستفيد الأول من تراجع أسعار النفط كونها المشتري الأول له في العالم، ما سيخفض أسعار استهلاك الطاقة وينعش الاقتصاد ويساعد في استقرار النمو بعد الانتهاء من برامج التسهيل الكمي ويساعد في الإسراع في رفع معدلات الفائدة.
لكن تراجع الأسعار بشكل حاد وعدم خفض "أوبك" للإنتاج وجّها ضربة حادة لاقتصادات دول أخرى مثل روسيا التي تضع ميزانيتها على تقدير سعر حول 90 دولاراً للبرميل، وفنزويلا (100 دولار) وإيران (140 دولاراً).
يرى بعض الخبراء أن دول
الخليج قد لا تواجه مشاكل مالية على المدى القصير

وستضطر هذه الدول لتجاوز هذه العقبة الى الاتجاه نحو خفض رواتب الموظفين وتقليص الإنفاق، ما قد يساهم في خلق أزمات جيوسياسية تعود بالذاكرة إلى حرب الخليج الثانية.
الى ذلك، تراجع سعر صرف الروبل الروسي الى مستوى قياسي جديد مقابل الدولار، متأثراً بالتراجع المستمر في أسعار النفط العالمية، وتداعيات الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد الروسي.
وهبط الروبل بأكثر من 3% حيث تم تداوله بسعر 52 روبلاً للدولار الواحد في افتتاح التداول، كما تراجع بنسبة 2% مقابل اليورو.
وفقدت العملة الروسية قرابة 42% من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام 2014. وكان البنك المركزي الروسي سمح بتعويم الروبل منذ أوائل تشرين الثاني الماضي، ولم يتدخل في سوق الصرف الأجنبي منذ ذلك الحين. وقال الكرملين، الذي دعم في السابق سعر صرف العملة عبر شراء الروبل، إنه يعتبر الضغوط التي تخضع لها العملة حالياً مرتبطة بممارسات المضاربين.
ويرى بنك "سيبر بنك" الاستثماري أن الأسواق الروسية ستظل على المديين القصير والمتوسط ضحية لقرار منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بعدم خفض إنتاجها، ولن تستقر هذه الأسواق والروبل قبل أن يستقر سعر النفط.

التأثير عربياً

ويرى بعض الخبراء أن دول الخليج قد لا تواجه مشاكل مالية على المدى القصير بسبب امتلاكها احتياطات مالية جيدة، وأصولاً مالية يمكن بيعها لسد العجز في الموازنة.
وتتأثر أسعار النفط سلباً بالأوضاع والتهديدات الأمنية في الشرق الأوسط، حيث جرت العادة أن ترتفع الأسعار مع اضطراب أوضاع المنطقة. لكن ما نشهده اليوم هو العكس تماماً، إذ على رغم أن دولاً مثل العراق وليبيا، وهما مصدّرتان كبيران للنفط، تشهدان حروباً، إلا أن الأسعار انهارت رغم ذلك.
وأشار صندوق النقد الدولي الى أن إيران، مثلاً، في حاجة الى سعر 130 دولاراً للبرميل لتفادي العجز في الموازنة، بينما يحتاج العراق الى 101 دولار والسعودية الى 104 والإمارات الى 81.
فعلى سبيل المثال، وفي دلالة على تأثير تراجع الأسعار عربياً، أبلغ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي البرلمان بأن تراجع أسعار النفط أرغم العراق على إلغاء مسودة ميزانية 2015 التي كان ينوي تقديمها إلى البرلمان. وكانت الموازنة تستند إلى توقعات بأن 70 دولاراً للبرميل، لكن الأسعار تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ أربعة أعوام يوم الجمعة الماضي. وأبلغ العبادي البرلمان بأن مجلس الوزراء اتفق على تشكيل لجنة للنظر في صياغة موازنة جديدة "من الصفر"، تركز الإنفاق على الأولويات المطلقة.
لبنانياً، يؤكد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان لـ"الأخبار" أن تراجع أسعار النفط عالمياً ستكون له تأثيرات إيجابية على لبنان، إذ إنه بلد مستورد للنفط وللمواد الاستهلاكية، وأي انخفاض في الأسعار سيكون عاملاً إيجابيا بالنسبة للمستهلك اللبناني، وللمستثمر على السواء، مشيراً الى أن هذه الإيجابية تمثلت بانخفاض سعر صفيحة البنزين بشكل لافت، كما أن فاتورة الطاقة ستنخفض بالنسبة للصناعيين. لكنه لفت الى أن أسعار المواد الاستهلاكية لم تنخفض بعد، محملاً الدولة مسؤولية هذا الأمر.