أثرت الأزمات التي يعاني منها لبنان في كافة قطاعاته الاقتصادية، وأبرزها كان قطاع السياحة الذي تراجعت مداخيله إلى أدنى مستوياتها في السنوات الثلاث الأخيرة، ما أدّى إلى إقفال العديد من المطاعم والمقاهي والمؤسسات السياحية الصغيرة والمتوسطة، وصرف عدد كبير من العمال.
إزاء هذا الواقع المرير المستجد، كان لا بد من إيجاد حلول بديلة لتغطية بعض الخسائر التي تكبدتها السياحة التقليدية في لبنان، فكان التوجه صوب السياحات البديلة، أي السياحة الدينية والريفية والبيئية والطبية والشبابية وغيرها.
ولكن، على الرغم من هذه المبادرات، بقي قطاع السياحة يعمل في إطار عشوائي غير منظم، ولم تنجح الوزارة في تنفيذ السياسات والاستراتيجيات الوطنية الهادفة إلى تحقيق صناعة سياحية متطورة، أو ممارسة الدور الرقابي على النشاط السياحي بشكل كامل.
الأسباب وراء ذلك عديدة، أبرزها: موازنة وزارة السياحة الضئيلة التي لا تتناسب مع أهمية القطاع ومردوده على الاقتصاد الوطني، عدم ارتباط تنمية القطاع السياحي بالوزارة حصراً، بل بوزارات أخرى. فعلى سبيل المثال، تتبع الشرطة السياحية لوزارة الداخلية والبلديات، ويوجد العديد من المقومات الأثرية المهمة التي تدخل ضمن صلاحيات وزارة الثقافة، والحفاظ على الموارد البيئية هي من مسؤولية وزارة البيئة.... أضف إلى ذلك الجهاز البشري في الوزارة غير المنظم من حيث التراتبية والتخصص الوظيفي للمهمات بالإضافة إلى وجود شواغر كبيرة في الملاك ومشاكل مزمنة تعاني منها الإدارات بشكل عام في لبنان نتيجة غياب التحفيز والإنتاجية، وغياب التنسيق...

أطر جديدة

يؤكد وزير السياحة ميشال فرعون، أن "تطوير السياحة المستدامة في ظل الأوضاع الراهنة في المنطقة" أولوية تعمل عليها الوزارة حالياً من خلال التوجه إلى السياحات البديلة.
وفي هذا الإطار، يشير إلى العمل على ثلاثة أطر لتحفيز السياحة في لبنان: الأولى، هي السياحة الريفية التي اعتبرها مهمة جداً وتوفّر فرص عمل وافرة وتشكل أهمية كبرى للمناطق الريفية، وذلك من خلال تقسيم المناطق اللبنانية إلى 12 منطقة حيث يُسلَّط الضوء عليها وعلى معالمها السياحية والترويج لها والعمل على وضعها على الخريطة السياحية وتطوير فنادقها.
أما الإطار الثاني، فهو تطوير السياحة الدينية، حيث إن هناك مشروعاً سيبدأ العمل عليه الشهر المقبل بدعم مالي يصل إلى 250 ألف يورو مقدمة من إيطاليا لإقامة بنية تحتية لمعالم السياحة الدينية في لبنان خلال فترة تسعة أشهر.
وأما الإطار الثالث فهو تطوير السياحة الطبية في لبنان وتدعيم مقوماتها.
وفي سياق متصل، أشار فرعون إلى أن سياحة الشباب تأخذ اليوم حيّزاً كبيراً على الصعيد العالمي، إذ يوجد مليار سائح حول العالم، 20% منهم من الشباب الذين يبحثون عن تقديمات Packages رخيصة من خلال السياحة الريفية، ومن خلال اللبنانيين المنتشرين حول العالم. لذا تعمل الوزارة حالياً على تطويرها كي تستطيع شريحة الشباب هذه المجيء إلى لبنان وزيارة مناطقه ضمن ميزانية تقل عن 1000 دولار خلال فترة أسبوع. يضاف إلى ذلك عمل الوزارة على سياحة الاغتراب أو غير المقيمين في لبنان كالأوروبيين المقيمين في دول الخليج تحت ما يسمى سياحة Long Weekend.

طريق الفينيقيين

وكشف فرعون أن الوزارة بالتعاون مع جامعة AUST ومنظمة السياحة العالمية ومنظمة "الأونيسكو" وعدد من الجهات المعنية تقدمت بطلب اعتماد مشروع "طريق الفينينقيين"، وهو يشبه إلى حد كبير مشروع طريق الحرير الذي طالبت به الصين، ويشمل أكثر من 15 بلداً، وسيستغرق إنجازه عدة سنوات، وسيكون مشروعاً دولياً يهدف إلى تسليط الضوء للمحافظة على عدد من المعالم الفينيقية في لبنان.

القطاع الخاص

من جهته، لفت رئيس نقابة المؤسسات السياحية والسفر في لبنان جان عبود، إلى أن المؤسسات السياحية لا تزال صامدة منذ ثلاث سنوات رغم الصعوبات، مؤكداً ضرورة التوجه لتنمية السياحة البيئية لتطوير السياحة المستدامة، إن على صعيد الـEcotourisme أو السياحة الريفية أو سياحة المشي أو سياحة الثلج وحتى الزيارات الداخلية، لأن هناك مجموعة كبيرة من الشباب اللبناني لا تعرف بلدها.
نقيب أصحاب المؤسسات السياحية في لبنان جان بيروتي، لفت إلى أن لبنان يمر بأزمة سياسية صعبة جداً والمخرج منها صعب أيضاً، مؤكداً أن ليست هناك سياحة من دون استقرار أمني. ورأى أن الوزارة لا يمكنها فعل شيء من دون هذا الاستقرار، وأنها تشاهد الأحداث مثلها مثل باقي الناس.
بدوره رأى أستاذ مادة الاقتصاد والتنمية الريفية في الجامعة اللبنانية الدكتور كنج حمادة، أن الأزمة التي يمر بها لبنان جعلت وزارة السياحة تهتم بالسياحات المختلفة التي لا تزال نامية، والتي من الممكن أن تكون البديل في أيام الأزمات كالسياحة الريفية.
وأكد أهمية السياحة الداخلية، خاصة أن الكثيرين يطلبون الخروج من بيروت والذهاب إلى مناطق ريفية حيث تنتشر المساحات الخضراء، مشدداً على أن هذا النوع من السياحة يطور الريف ويحقق التنمية المحلية ويعزز دور المرأة.