مع نهاية ٢٠١٤، يتحضّر المواطنون لاستقبال العام الجديد كلّ على طريقته وبما يتناسب وأوضاعه المالية. البعض يفضّل الاحتفال في المنزل بين الأهل والأصحاب، فيما يروق لآخرين قضاء ليلة رأس السنة خارج الجدران الأربعة، مستمتعاً بأجواء الغناء والرقص. وبما أنّ الأوضاع المعيشية لا تزداد إلا سوءاً سنة بعد أخرى، لنحاول تصوّر حجم الميزانية المطلوبة لقضاء هذه الليلة المميّزة في أحد المطاعم أو الملاهي الليلة أو الحانات، محاولين أن نركّز حديثنا على متوسطي الحال لا أصحاب الأموال الطائلة.
منذ بداية كانون الأوّل (ديسمبر) الجاري، انشغل المهتمون والصحافيون المعنيون بالأوضاع الاقتصادية بواقع السوق اللبنانية في موسم الأعياد. ورغم أنّ النتيجة كانت متوقعة بالنسبة إلى هؤلاء، إلا أنّها جاءت مخيّبة للآمال.
للسنة الرابعة على التوالي، تشهد الأسواق اللبنانية، وخصوصاً في بيروت وضاحيتها الجنوبية، حركة خجولة مقارنة بما هو مرتقب. فالزبائن لا يبتاعون إلا البضائع الضرورية، مفضلين تلك ذات الأسعار المنخفضة، كما يفضلون زيارة المحال التي تُعلن تنزيلات كبيرة.
حركة بلا بركة
هنا، يعود إلى الواجهة الكلام الذي قاله أخيراً رئيس «جمعية تجار شارع الحمرا» زهير عيتاني لـ«الأخبار»، إذ أوضح أنّ «حركة الأسواق في الحمرا لا تزال أفضل من غيرها في المناطق الأخرى، لأن هذا الشارع شارع سياحي مصنّف من وزارة السياحة». لكنه في الوقت نفسه، قارن واقع الحال هذه السنة بالسنوات السابقة، ليُلاحظ تراجعاً في نسبة المبيعات بـ«حوالى 10 في المئة»، مضيفاً: «الحركة التجارية ضعيفة هذه السنة». وشدد على أنّ السبب يكمن في «الأوضاع الأمنية السيئة وعدم الاستقرار. فهذان العاملان أديا إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، خصوصاً أولئك المصنفين ضمن الطبقة الوسطى، وبالتالي إلى الجمود الاقتصادي».
متوسط سعر السهرة للشخص الواحد يراوح بين الـ١٥٠ و٦٠٠ دولار، بما فيها العشاء والمشروبات

رئيس «جمعية تجار شارع الحمرا»، لم يكن الوحيد الذي تحدّث عن سوء حال الأسواق في هذا الوقت من السنة، إذ سبق لرئيس «جمعية تجار سوق معوّض» عصام العبد الله أنّ أكد أنّ نسبة التراجع هذا العام في فترة العيد تراوح بين «30 و40 في المئة، مقارنةً مع الفترة نفسها من السنة الماضية». علماً بأنّ ٢٠١٣ لم تكن أفضل حالاً. وعزا العبد الله الأمر إلى الأسباب نفسها التي ذكرها عيتاني، أي الركود الذي يعيشه لبنان سياسياً، إضافة إلى التحديات الأمنية الكبيرة والمنوّعة، بما فيها «داعش» وأخواتها.

أكثر من 50%

في وقت يُعتبر الواقع الاقتصادي مريراً، لا تعكس أعداد الحجوزات في المطاعم والمقاهي والحانات والملاهي الليلة هذا الواقع، فحجم الراغبين في قضاء سهرتهم خارج المنازل لا يستهان به.
هنا، يُخبرنا أحد منظمي الحفلات في لبنان أنّ الحجوزات تفوق الخمسين في المئة في بعض السهرات، لافتاً إلى أنّها قد تصل إلى نسب مرتفعة نسبياً خلال الأيّام بل الساعات الأخيرة. صحيح أنّ الرقم ليس كبيراً لكنّه برأي منظم الحفلات «جيّد جداً في ظل الظروف التي مرّت بها البلاد وما زالت!»، متوقعاً لسهرات نجوم الصف الأوّل أن تكون «مفوّلة» (أي لا توجد أماكن فارغة).
لكن ماذا عن المبلغ الذي يتوجّب على الشخص دفعه لحضور واحدة من هذه السهرات. «متوسط السعر يراوح بين الـ١٥٠ و٦٠٠ دولار أميركي، بما فيها العشاء والمشروبات الكحولية»، يقول المنظّم. ويضيف: «السعر لا ينقص عن ١٥٠ لكنه بالطبع يزيد وفقاً للاسم الذي سيحيي الحفلة، وإذا ما كانت الطاولة المحجوزة عادية أو VIP أو VVIP (قد تصل إلى آلاف الدولارات للطاولة الواحدة). كما أنّ نوعية العشاء والمشروبات الكحولية تحدد المبلغ المتوجّب دفعه أيضاً».
عوامل كثيرة تساهم في زيادة الإقبال على حفلات رأس السنة في بيروت رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة والأزمات السياسية والأمنية.
في العام الماضي، لم تنجح دعوات الفنانين للجمهور بالإقبال على السهرات التي سيحيونها في سبيل «مكافحة الإرهاب» (قبل حفلة رأس السنة قضى الوزير السابق محمد شطح في انفجار سيارة مفخخة في وسط بيروت، ومعه مجموعة من المواطنين)، فأتى الموسم مخيّباً للآمال بكل المقاييس، الأمر الذي كبّد منظمي الحفلات الكثير من الخسائر المالية.
خسائر أدّت بجزء كبير من المغنين إلى استقبال العام الجديد خارج لبنان، رغم أنّ ليلة رأس السنة في ٢٠١٤ كذلك سُميت بـ«موسم الهجرة إلى الخليج». لماذا؟ لأنّه يومها كانت دول هذه المنطقة قد حذّرت رعاياها من زيارة لبنان خصوصاً اثر التفجيرات التي هزّت بيروت. انعكس هذا الأمر سلباً على القطاع السياحي، وأدّى إلى زحف المغنين إلى الخارج.
لكن اليوم ورغم ما يُقال عن أنّ القاهرة والخليج تمكنا من حجب الأضواء عن «ست الدنيا»، يبدو أنّ الهدوء في بيروت سيُستغل من قبل بعض المتعهدين المحليين، في ظل وجود غالبية النجوم البارزين خارج لبنان، وتحديداً في الإمارات (راجع الكادر).

مروحة خيارات

هكذا، سيكون الجمهور اللبناني أمام مروحة واسعة من الخيارات التي تغلب عليها سهرات مع أسماء متعددة، غالبيتها لا تُصنّف ضمن «الفئة الأولى».
ضمن هذه الأخيرة، نجد «فارس الغناء العربي» عاصي الحلاني إلى جانب «القيصر» كاظم الساهر في فندق «فينيسيا» في بيروت. الحلاني سيغني أيضاً إلى جانب المغنية اللبنانية يارا والسوري ناصيف زيتون في فندق «الحبتور» (سن الفيل ــ جبل لبنان)، على أن يحيي الساهر حفلة ثانية في «كازينو لبنان» (جونية ــ شمال بيروت) إلى جانب اللبنانيَيْن أيمن زبيب وفيفيان مراد.
كذلك، تحيي نيكول سابا حفلة في مطعم «الأطلال بلازا» (طبرجا)، فيما تطل نوال الزغبي وفارس كرم في فندقين. الأوّل هو «لو رويال» (ضبية)، والثاني هو Castel Mare (جبيل). وهناك حفلة تجمع بين فلة الجزائرية والسوري محمد المجذوب في فندق «لانكاستر ــ بلازا»، في الوقت الذي سيقدّم جوزف عطية ثلاث وصلات غنائية في فندق «الهيلتون ــ حبتور»، وملهى «المندلون»، ومنتجع الـ«أوشين بلو» في جبيل.
من ناحيتهما، اختار طوني كيوان ورويدا عطية مطعم «سيف البحر» في جونية، فيما الناس موعودون بسهرة صاخبة مع الثلاثي ألين لحود وناجي أسطا وزياد برجي في مجمّع ENERGY (ذوق مكايل).
ويحيي وليد توفيق حفلة رأس السنة في فندق «البستان روتانا» مع ميليسا و«ضاحك الليل» إيلي أيوب. أما معين شريف فيطل ونادر الأتات في فندق «موفمبيك»، تزامناً مع وجود محمد اسكندر وعلي الديك في «كورال بيتش». هذا الأخير يلتقي عامر زيان في «سانتا بربري». وتطل دومنيك حوراني وأمير يزبك في مطعم «سلطان الرومية» (قليعات ــ شمال لبنان).
من جهة أخرى، تناولت وسائل إعلام لبنانية وعربية عدّة الأجور التي سيتقاضاها بعض النجوم في هذه الليلة. لا شيء مؤكد بعد لكن من المتعارف عليه أنّ أجور نجوم «الصف الأوّل» تراوح بين أربعين ومئة ألف دولار أميركي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ المبالغ تزيد بشكل كبير خارج الحدود اللبنانية، كما أنّ الأمر يتوقّف على مكان الحفلة وهوية المنظمين. والجدير بالذكر أنّه على سبيل المثال وبعيداً من الفنانين اللبنانيين، كثيراً ما تجاوز أجر «الهضبة» عمرو دياب عتبة الـ170 ألف دولار. فهو صاحب «الأرقام الخيالية».

سهرات الحانات

هذا في ما يتعلّق ببعض الفنادق والملاهي والمطاعم والمقاهي اللبنانية، لكن ماذا عن السهرات في الحانات؟ الدي جي أو الفرقة إضافة إلى العشاء والمشروب المفتوح، خصائص توفّرها غالبية الـpubs داخل بيروت وخارجها.
إذا اتخذنا من أشهر شوارع الحانات في بيروت نموذجاَ (أوروغواي في وسط بيروت، والجميزة، ومار مخايل، والحمرا...) يمكننا الحصول على فكرة وافية عن الميزانية المطلوبة لقضاء ليلة رأس السنة هذا العام. السعر للشخص الواحد يراوح بين ١٥٠ و٢٢٥ دولار أميركي، وهو بالطبع قابل للزيادة أو النقصان بحسب المنطقة ومميزات الطعام والشراب التي يريد الزبون الاستمتاع بها.
في هذا السياق، من المفيد التذكير بأنّه سبق لإحدى الصحف العربية الشهيرة أن نشرت تحقيقاً عقب الاحتفال بليلة رأس السنة العام الماضي تشير فيه إلى حجم الإنفاق على هذه السهرة في الدول العربية.
في لبنان، قُدّرت قيمة إنفاق المواطنين على سهرات رأس السنة ٢٠١٤ بحوالي ٥٠ مليون دولار أميركي، نصفها ينفقه الأغنياء، بينما ينفق الفقراء وأصحاب الدخول المتوسطة النصف الآخر، مع العلم أنّ الحد الأدنى للأجور في هذا البلد هو ٥٨٠ دولار شهرياً.
هكذا، يعد هذا الموسم ببعض التحسّن خصوصاً أنّ حفلات الصيف، بما فيها المهرجانات، خيّبت آمال الجميع بعدما اقترنت بالخضات الأمنية التي طرأت على طرابلس وعرسال
مهما اختلفت الأهواء والظروف، يبقى الأمل في أن ترسم الاحتفالات البسمة على وجوه المواطنين الرازحين تحت وطأة ظروف البلد الصعبة على مختلف الأصعدة، علّها تجلب عاماً جديداً أفضل حالاً.