لو قُدِّر للموت أن يشتكي، لربما عبّر عن أن أكثر ما يزعجه هو... القيامة. تُفقد القيامة الموت رهبته. تقلص من هالته وشموخه لتجعل منه مجرد جسر عبور نحو الحياة الأبدية. هذا في المطلق. أما في سوريا، فقد أصبح الموت "مألوفاً" لدرجة لم يعد أحد يعيره كبير اهتمام، بل ربما لأنه أصبح جاذباً للاستثمارات ومحركاً أساسياً للسياحة بحسب ما يتداوله البعض. ما كشفه وزير السياحة السوري، بشير يازجي، ضمن فعاليات "ملتقى سوق الاستثمار السياحي الثامن" كان عبارة عن الضربة القاضية التي بطحت كل الهموم والمآسي وويلات الحرب أرضاً، وأفهمتهم ما كابروا على الاقتناع به طوال خمس سنوات، أنه مصدر انتعاش وبحبوحة وفرح وضحك... حتى البكاء!!
87 منشأة سياحية جديدة أُنجزت خلال عام 2015 الماضي، كذلك جرى تأهيل 213 منشأة سياحية. أما إيرادات فنادق الوزارة فقد زادت بنسبة 300% العام الماضي. وهذا ليس كل شيء.
يؤكد الوزير أنه جرى افتتاح 380 منشأة إطعام وإقامة جديدة في مناطق توزعت بين ريف حمص الغربي، وطرطوس، واللاذقية وجزء مهم منها دخل التشغيل مباشرة.‏
معطيات اليازجي دقت مسماراً في نعش كل من يراهن على انتهاء الحرب في سوريا كي يستفيد من إعادة الإعمار وصفقات المقاولات الضخمة المرتقبة... حيث ـ كما يبدو ـ من المحتمل أن تنتهي الحرب وإعادة الإعمار في الوقت عينه. لم يعط الموت في سوريا فرصة أن يتلهى حتى في الفترة التي تسبق القيامة. القيامة في سوريا تسابق الموت. تنازله على الأرض، في ملعبه.
إلا أن كل ما سبق ذكره في كفّة، وأرقام "السياحة الداخلية" في كفة أخرى، بحسب ما تناقلته وسائل إعلام سورية. للوهلة الأولى يخيل إليك أنك فهمت خطأً، وأنه يوجد التباس بين "النزوح الداخلي" و "السياحة الداخلية". هي من المرات النادرة التي تقف أمام الأرقام محتاراً. الرقم لا يكذب، ولكن قد يصعب تصديقه... من كثرة الإعجاب طبعاً!!
كما تفيد الأرقام، فإن نسب الإشغالات الفندقية راوحت في "ذروة الموسم السياحي"، أي بين شهري أيار وتشرين الأول بين %65 إلى 100%. حتى هامش الخطأ مرفوض في هذه الحسابات. لا مكان بعد الآن للـ 99.9%. بحسب المسؤولين السوريين "الانتعاش ليس مرحلياً أو نتيجة طارئة أو من باب الصدفة. هو خلاصة تطور مستدام واستراتيجيات بعيدة المدى. كيف لا والأرقام عينها تؤكد تسجيل زيادة 11% عن حركة القدوم مقارنةً مع 2014".
كل سنة أفضل من الأخرى. تتمنى أن تكون السنة أقصر من 12 شهراً كي لا يطول انتظار رأس السنة.
حتى السياحة الدينية كان لها حصة بارزة في هذه الطفرة السياحية. فقد بلغ عدد السياح الدينيين من غير السوريين والإيرانيين، من جنسيات عراقية ولبنانية وكويتية وبحرينية وعُمانية، والبعض منهم سعودية إلى نحو 75 ألف زائر.
من الصعب الاعتراف، المنطق يفرض أن تموت لتحيا... لكن في ظل الانتعاش السياحي في سوريا يمكن الجزم بأنك تحيا قبل أن تموت!!!
(الأخبار)