في أقل من عامين، استطاع تنظيم «داعش» أن يبني نظاماً ناجحاً لإنتاج النفط السوري ونقله وتسويقه داخلياً وخارجياً، وليس أدل على ذلك من الأسطول الضخم المكون من عدة آلاف من الصهاريج، والذي يفوق أحياناً ما هو موجود في بعض الدول، فضلاً عن نجاح التنظيم الإرهابي في إيصال بعض المشتقات النفطية إلى مناطق عديدة في سوريا، وبكميات كبيرة أسهمت في إلحاق اسم التنظيم بالمادة النفطية المعروضة للبيع، من قبيل المازوت «الداعشي» والبنزين «الداعشي».
وقبيل المعلومات الروسية عن حجم أسطول التنظيم من سيارات الصهاريج (8500 صهريج)، والمخصصة لنقل النفط السوري إلى مقاصده في تركيا، كان الكثير من خبراء النفط والاقتصاد يتحاشون الدخول في تقديم تفاصيل رقمية عن ذلك الملف، بالنظر إلى قلة المعلومات المتوافرة وصعوبة جمعها، وإن كانوا متفقين على أن الشبكة التي بناها التنظيم لتسهيل المتاجرة بالنفط واسعة وذات إمكانيات كبيرة، وتسمح له بتشكيل ذلك الأسطول الضخم. وهنا يحدد الدكتور زياد أيوب عربش الخبير في شؤون الطاقة، والأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، عدة مصادر لأسطول «داعش» من سيارات الصهاريج، أهمها «حقول النفط التي سيطر عليها في سوريا وقام خلالها بالاستيلاء على المعدات والتجهيزات والصهاريج وغيرها، وما قام التنظيم بشرائه من تركيا مقابل صادرات مسروقاته النفطية إليها، كما أنه ليس من الصعب شراء صهاريج من السوق سعتها 50 ألف ليتر أو 10 آلاف ليتر سواء من قبل داعش أو غيره». ويستشهد عربش على تورط الجانب التركي في توفير أسطول الصهاريج لـ«داعش»، بالبيانات الرسمية الصادرة أخيراً عن مكتب الإحصاء التركي، والتي تؤكد ارتفاع قيمة الصادرات التركية إلى سوريا، لتصل في العام الماضي إلى نحو 1.8 مليار دولار، وإلى 887 مليون دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، علماً بأن 95% من هذه الصادرات غير نظامي. وتأكيداً لحقيقة معادلة النفط «الداعشي» في العلاقات الاقتصادية التي تنسجها تركيا مع مناطق الشمال والشرق السوري، يسأل عربش: بالمنطق، كيف يتم دفع 1.8 مليار دولار قيمة البضائع التي تقول تركيا إنها صدّرتها لسوريا؟

من بين الأسطول الذي ينقل النفط المسروق صهاريج تحمل لوحات تركية

وهذا أيضاً ما يذهب إليه مسؤول في قطاع النفط، فضّل عدم ذكر اسمه، فالمعلومات المتوافرة «تؤكد أن من بين الأسطول الذي ينقل النفط المسروق من سوريا صهاريج كثيرة تحمل لوحات تركية».
وتتفاوت سعة صهاريج «داعش» تبعاً لوجهتها الجغرافية، وملاءة المتعهد والتاجر المتعاقد مع التنظيم، فالصهاريج التي تنقل المشتقات النفطية الناتجة من الحرقات البدائية، والمتجهة إلى أسواق النفط المنتشرة في مناطق سيطرة التنظيم والمجموعات المسلحة في سوريا، هي ذات سعات صغيرة ومتوسطة، وأحياناً لا تتعدى سعتها ستة أمتار، فيما السيارات التي تنقل النفط الخام إلى تركيا ذات سعات كبيرة ونظامية بحكم الاعتبارات الاقتصادية، الأمر الذي يقود إلى أنّ تجميع مثل هذا الأسطول أبعد من أن يكون نتيجة لعمليات السرقة والسطو التي قام بها التنظيم في المناطق التي سيطر عليها، ولا سيما أنه كان لا يتردد في استخدام عشرات الصهاريج كمفخخات في هجماته الانتحارية.

خيار أخير
وما يعزز حقيقة المصدر الخارجي للجزء الأكبر من أسطول «داعش»، أن الأسطول السوري من صهاريج النقل تعرض خلال فترة الحرب لأضرار كبيرة، توزعت بين التدمير الكامل والتخريب الجزئي والسرقة. وبحسب مصادر خاصة في وزارة النقل، فإنه «إلى الآن لم تتمكن أي جهة من حصر تلك الأضرار بالتفصيل». ووفق البيانات الإحصائية التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن سجلات وزارة النقل تحصي، ودون بيان أضرار الحرب، وجود ما يقرب من 11,6 ألف صهريج، منها نحو 5.7 آلاف سيارة نقل كبيرة صهريج مخصصة لأغراض عدة، من بينها نقل المشتقات النفطية. وتكشف البيانات أيضاً أن محافظات المنطقة الشرقية، والتي تحوي حقول النفط الرئيسية، لا يتجاوز أسطولها من صهاريج النقل الكبيرة نحو 717 صهريجاً، وفي حلب المتاخمة للحدود التركية نحو 1144 صهريجاً، وهذا يعني أن «داعش» لو استطاع السيطرة على جميع صهاريج نقل المحافظات الأربع، وحافظ عليها سليمة وجاهزة للعمل، لما تجاوز ما يملكه 1860 سيارة صهريج، أي ما نسبته 21% من تقديرات موسكو لحجم أسطول التنظيم.
محدودية الأسطول السوري بالنظر إلى الإنتاج النفطي اليومي للبلاد قبل الأزمة، أمر يفسره المسؤول النفطي في حديثه إلى «الأخبار» بأن «سوريا كانت تعتمد في نقلها للنفط الخام وللمشتقات النفطية على شبكة واسعة من الأنابيب والقطارات، وهو خيار يفرضه أسلوب العمل المغلق المحافظ على البيئة والسلامة العامة من جهة، ولجدواه الاقتصادية من جهة ثانية، وتالياً فإن مهمة سيارات الصهاريج كانت محصورة بنقل المشتقات النفطية من المستودعات الرئيسية في كل منطقة إلى محطات الوقود فيها». ويضيف أنه «حتى خلال فترة الأزمة، فإن اللجوء إلى الصهاريج كان خياراً سيئاً، ولهذا فإن وزارة النفط كانت تبحث دائماً عن بدائل أفضل اقتصادياً وبيئياً وأمنياً». والمثال على ذلك قيامها بإعادة تأهيل أحد خطوط نقل الخام من حمص إلى بانياس لاستخدامه في عملية الضخ العكسي للخام، وهو مشروع وضع قيد الاستخدام نهاية الشهر الأول من العام الحالي، وتم بموجبه الاستغناء عن النقل بواسطة الصهاريج، وتوفير ما يقرب من 890 مليون ليرة خلال ستة أشهر فقط.