تزامن إعلان ولادة التحالف الذي سمّته السعودية «إسلامي لمكافحة الإرهاب» مع انطلاق مفاوضات يمنية، في محاولة لتلميع صورة المملكة. في إحدى ضواحي مدينة بيين السويسرية، حيث تجري المحادثات اليمنية برعاية الأمم المتحدة، ربط الوفد الموالي للرياض وقف إطلاق النار بشرط تنفيذ قرار مجلس الأمن (رقم 2216)، في محاولة لتبرير استمرار العدوان على اليمن، رغم أن إعلان وقف النار جاء من قبل الأمم المتحدة.
يوم أمس الذي احتضن الجولة الثانية من المفاوضات، سجل انفراجة طفيفة على مستوى التوصل إلى اتفاقات عُدّت بادرة جيدة للدفع قدماً بعجلة الحلّ السياسي. فبعد انتهاء الجلسات الأربع الصباحية والمسائية في «البيت الاولمبي السويسري» في بلدة ماغلينغن، شهد المساء لقاءات جانبية بين كلا الوفدين وبين سفراء دول أجنبية، يبدو أنها تأتي ضمن محاولات تأثير أممية على المتفاوضين لإخراج صيغة تتلاءم مع التوجهات الدولية.
ورغم التحسّن الطفيف في أجواء المحادثات، يبقى مصيرها غامضاً ومفتوحاً على احتمالات متعددة، لا سيما أن الملف اليمني قد يكون مرتبطاً بسلّة إقليمية. مصادر مطّلعة على مسار المفاوضات، أفادت «الأخبار» بأن وفد «أنصار الله» ووفد المكونات السياسية اليمنية عازم على انتهاج سياسة «النفس الطويل»، معبّراً عن إرادة صلبة للتوصل إلى اتفاق على أساس حلّ جدي.
تعلم الرياض أن حلّ أزمات المنطقة يبدأ من اليمن

ومعروفٌ أن سياسة النفس الطويل قد أعطت نتائجها في الميدان من خلال المفاجآت التي أخرجتها «أنصار الله» من جعبتها، حين استخدمت بعض الأسلحة النوعية التي تمثل عنصر ردع وتوازن غير تقليدي. وقدم وفد «أنصار الله» وحلفائه صورة راقية في إدارته لخيوط المفاوضات، استدعت انتباه دول العالم، ومنها دائمة العضوية في مجلس الأمن، لجهة تقديمه الأدلة والبراهين والحجج والحلول والطروحات الواقعية والعملية ضمن مشروع رؤية وطنية تنفي مشروعية الحرب المستمرة على اليمن.
وكما في ميدان المعارك كذلك في ميدان التفاوض، بدأ تسجيل الانتصار بالنقاط من خلال دحض ذرائع وفد الرياض الواهية. ويدور مفاوضو وفد هادي المؤيد للرياض ضمن دائرة طلبات تكاد تكون تعبّر عن رغبات شخصية ضيقة، مثل الإصرار على المطالبة بالإفراج عن مجرمين معتقلين مرتبطين بـ«القاعدة» و«داعش» أصبحت تمثل عبئاً على الأطراف الدولية الراعية لعملية التفاوض، بالرغم من جهدها لإنقاذ ماء وجه القيّمين على العدوان. وأضافت المصادر الخاصة أن لدى وفد «أنصار الله» وحلفائه وثائق تكشف عن شبكات «القاعدة» في اليمن وارتباطاتها بتحالف العدوان وممثليه من مؤيدي الرياض.
ومن بين الذين يطالب وفد الرياض بالإفراج عنهم: محمود الصبيحي، نظراً إلى شعبيته التي تحاول السعودية الاستفادة منها لإعادته وزيراً للدفاع في حكومة خالد بحاح، وشقيق هادي، ناصر منصور، ذي العلاقة الوطيدة بـ«القاعدة» وصاحب الدور الأهم في تسليح وحداتها، ويعتبر إخراجه تعزيزاً لجبهة تحالف الرياض العسكرية، والمعتقل فيصل رجب أحد قادة هادي العسكريين. وشككت المصادر في جدّية نية عدد من دول العالم لمكافحة الإرهاب، وقد لُمس تكرار تهرّب الطرف الآخر خلال عمليات التفاوض من مناقشة مكافحة جدية للإرهاب، حين استبعدت السعودية بند مكافحة «القاعدة» و«داعش». في سياق متصل، وبعد تشكيل لجنة إنسانية وأخرى عسكرية، تم التفاهم على تشكيل لجنة تعتني بدراسة فك الحصار. من جهة أخرى، ترجّح المصادر أن يكون إصرار السعودية على قضية المعتقلين مناورة سعودية للخروج من عبثية الحرب بإنجاز معنوي.
ورغم أن الأجواء تبدو مهيّأة أكثر من «جنيف 1»، لا تستبعد المصادر المطلعة إمكانية تحقق كل السيناريوات، بما فيها الفشل الكامل وعودة الحرب بوتيرتها السابقة، وتأجيل الحوار أو عودته على مراحل، كذلك لا تستبعد احتمال استفادة «التحالف» من هذا الوقت لترتيب أوراق أركانه من خلال مظلة المفاوضات، أو اتساع الحرب لتشمل العمق السعودي.
ورغم سيناريو الفشل، لن تغلق قنوات الاتصال بين جميع الأطراف، سواء إذا استمرت الحرب أو توقفت. وحتى في حال فشل التوصل إلى حل، سيتم ترحيل الحوار لأجل مسمى لمتابعة فصوله، مع ترجيح التوصل إلى تفاهم حول بعض النقاط في الحدّ الأدنى.
وتفيد مصادر من وفد صنعاء بأنه يمكن لمس رغبة في وقف الحرب لدى الأطراف الدولية أكثر من الرغبة نفسها لدى الطرف اليمني الآخر. ولوحظت جدية طروحات وفد صنعاء وعملانية في ما يقدمونه من أفكار اعتبرها سفراء دول دائمة العضوية في مجلس الأمن ذات إيجابية كبيرة، إلى جانب سفراء 18 دولة، منها دول خليجية، ومجلس الأمن. وفي حال التوصل إلى وقف إطلاق نار حقيقي، فإنه يجري العمل على تشكيل لجان أمنية في مناطق الصراع المتمثلة خصوصاً في محافظتي تعز ومأرب. وذلك على أساس أن يحافظ كل طرف على الاستقرار في المناطق التي تقع تحت سيطرته، فيما يجري تشكيل لجان مشتركة للمناطق المتنازع عليها تزيل المظاهر المسلحة منها وتمهد الطريق لحوار سياسي يرمي إلى سد الفراغ، ثم الاتفاق على مبادئ تشكيل حكومة وحدة وطنية ومرحلة انتقالية جديدة، وتشكيل مجلس رئاسي وحل مسألة الفراغ القائم، وفقاً لما نص عليه قرار مجلس الأمن.
وكشف المصدر عن تواصل مع أطراف سعودية، بينها أفراد نافذين من العائلة الحاكمة، مثل ولي ولي العهد محمد بن سلمان. ويركز الطرف السعودي بمصالحه في المنطقة على الملف اليمني، وهو يعلم أن حل الملفات العالقة في المنطقة يبدأ من اليمن، وتصعيدها كذلك يبدأ من اليمن. ولا يستبعد مراقبون مشاركة روسية لاحقة أوسع في اليمن، على غرار الحملة العسكرية الجوية الروسية لمكافحة الإرهاب في سوريا.
وفي حال لم يتم التوصل إلى وقف فعلي لإطلاق النار، فإن الحوار، في حال استمر، سيكون ضعيفاً أو سيتم ترحيله إلى مرحلة مقبلة. ويرجح استمرار الجولة الحالية حتى الواحد والعشرين من الشهر الحالي، أي قبيل انعقاد مجلس الأمن في الثاني والعشرين منه.