هل حان موعد رحيل الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي من عدن؟ سؤال طرحه اليمنيون عقب أنباء ترددت عن رفع السعودية الغطاء الأمني عنه وحمله على العودة إلى عدن مع مجموعة كبيرة من قيادات حكومته بصورة نهائية. يعزز ذلك التساؤل ارتفاع مستوى التصعيد الأمني والعسكري والسياسي من قبل «الحراك الجنوبي» و«المقاومة الجنوبية» ضد وجود هادي ممثلاً للسلطة الوحدوية (الجمهورية اليمنية)، وهو تصعيد يذهب باتجاه تنفيذ خطوات انفصالية.
وعلاوةً على سيطرة تنظيمي «القاعدة» و«داعش» على مساحات واسعة في عدن خصوصاً، فإنه منذ عودة هادي إلى قصر المعاشيق، شهدت المحافظة عمليات أمنية كبيرة لم تنته مع اغتيال المحافظ المعيّن من قبل هادي اللواء جعفر سعيد وتعيين إحدى شخصيات «الحراك الجنوبي» المتشددة خلفاً له. بل وصلت إلى حدّ تطويق قصر المعاشيق أمس من قبل مسلحين تابعين لـ«الحراك الجنوبي»، تزامن مع رفع علم الانفصال على مبنى المحافظة بشكل رسمي، بتوجيه من المحافظ الجديد عيدروس الزبيدي الذي جرى تعيينه أخيراً.
وشهدت عدن أحداثاً أمنية لافتة يوم أمس. فإضافة إلى اشتباكات اندلعت في ميناء الزيت بين مسلحي «الحراك» وحرّاس الميناء، استهدفت محاولتا اغتيال فاشلتان قياديين عسكريين، تزامنتا أيضاً مع لقاء جمع وليّ العهد الإماراتي محمد بن زايد مع قيادات في «المقاومة الجنوبية» التابعة لـ»الحراك الجنوبي» في أبو ظبي، ومن بين هؤلاء القيادي السلفي هاني بن بريك.
يضع محافظ عدن العائد من الإمارات علم دولة الجنوب في مكتبه منذ تعيينه

ويمكن وضع حصار المعاشيق في إطار التصعيد ضد هادي بدعمٍ إماراتي، واعتباره مؤشراً إضافياً على توجّه إماراتي لتفعيل خطوات الانفصال في الجنوب.
وكان مسلحون يتبعون «المقاومة الجنوبية» قد فرضوا حصاراً مسلحاً أمس على قصر المعاشيق حيث يقيم هادي، استمر حتى كتابة هذه السطور.
وأفاد مصدر محلي «الأخبار» بأن محيط قصر المعاشيق شهد توتراً عسكرياً، بسبب قيام عناصر من مسلحي «المقاومة الجنوبية» وجنود من وزارة الداخلية والأمن ‏من أبناء عدن ولحج بتنظيم احتجاجات بدأت منذ أول من أمس الاحد. وأفاد المصدر بأنه رغم محاولات عدة قامت بها حراسة هادي لتفريق تلك الاحتجاجات، إلا أنها فشلت، لتتطور بعد ذلك الاحتجاجات إلى حصار القصر. ووفقاً للمصدر، من بين المحتجين مسلحون يتبعون هادي نفسه ممن طالبوا بصرف مستحقاتهم ورواتبهم المقطوعة منذ عدة أشهر. ونشبت مشادات كلامية بين المسلحين الموالين لهادي ومسلحي «المقاومة» من جهة، وبين الحراسة المكلفة بحماية ‏قصر المعاشيق من جهة أخرى، كادت تتطور إلى مواجهات مسلحة. وكانت وساطة من مكتب هادي قد تدخلت أمس، وعدت بصرف المستحقات في موعد أقصاه اليوم، لكنها لم تفلح في فضّ التوتر من محيط القصر.
وقال المصدر إن التوتر قد يتجاوز الاحتجاج على الرواتب، مشيراً إلى أن مسلحي «المقاومة الجنوبية» أغلقوا بوابة قصر المعاشيق حيث يقيم هادي، ومنعوا الدخول إلى القصر والخروج منه. وأضاف: «أغلق المسلحون البوابة الرئيسية للقصر، ورفضوا المقترح الذي تقدمت به الوساطة»، على اعتبار أن وعوداً سابقة مماثلة قطعت ولم تتحقق.
في هذه الأثناء، وجّه محافظ عدن المعيّن من قبل هادي، عيدروس الزبيدي، برفع علم «دولة الجنوب» (المنحلة عام 1990) على سارية مبنى محافظة عدن الرئيسي، في خطوة رمزية باتجاه إعلان الانفصال. وبحسب المصدر، فإن المحافظ الزبيدي الذي ينتمي إلى التيار الحراكي المتمسّك بالانفصال (المؤيّد للرئيس الأسبق علي سالم البيض)، يرفع علم دولة الجنوب في مكتبه منذ تسلمه المنصب. وقد أعقب إطلاق نار كثيف رفع العلم احتفاءً بالخطوة. وكان الزبيدي قد افتتح مهماته في عدن بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة للمئات من أبناء المحافظات الشمالية. إلى ذلك، أفاد مصدر في ديوان مكتب الزبيدي بأن إطلاق نار من أسلحة خفيفة وقع أمس في الدور الخامس من المبنى، من دون حدوث إصابات، إثر خلاف بين عدد من حراس المحافظ.
على صعيد متصل، تعرّض القائد العسكري المقرّب من هادي، العميد عبدالله الجحافي، لمحاولة اغتيال مساء أمس، جرح فيها اثنان من مرافقيه. وأكد المصدر أن مسلحين مجهولين على دراجة نارية أطلقا النار على موكب العميد الجحافي وسط عدن. وفي حادثة مشابهة، نقلت وسائل إعلامية أن العميد شلال شائع الذي عيّنه هادي أخيراً مدير أمن عدن، تعرض لمحاولة اغتيال عصر أمس، لكن مصادر مقرّبة من شائع نفت صحة تلك الأنباء، مؤكدةً أن ما حدث هو استهداف لنقطة تابعة لمسلحي «المقاومة الجنوبية» في جوار فندق عدن، جرح فيها شخصان.
وينتمي شائع إلى التيار نفسه الذي ينتمي إليه محافظ عدن. ويؤكد المصدر الجنوبي أن شلال شائع لم يتعرض لأي محاولة اغتيال، لكنه في الوقت نفسه يرى أن ما يحدث من تسربيات عن اغتياله، بالتزامن مع حوادث متصلة، هو مؤشر على صراع قائم بين السعودية والامارات. وأوضح المصدر أن كل دولة منهما تعمل على تصفية القيادات الجنوبية غير الموالية لها، عن طريق التنظيمات الارهابية التي تموّلها». ويستطرد قائلاً: «لا أستبعد تصفية شلال شائع في الأيام المقبلة في حال رفض تنفيذ الأجندة السعودية، وواصل العمل لمصلحة الامارات التي كانت وراء تعيينه هو وعيدروس الزبيدي في مناصب عليا في عدن».
من جهة أخرى، قتل شخص وجرح آخرون في عدن خلال اشتباكات اندلعت على خلفية احتجاجات نظّمها عمال ميناء الزيت للمطالبة بمستحقاتهم المالية ‏المتوقفة منذ أشهر، بينما أكدت مصادر محلية أن تعزيزات عسكرية لقوات «التحالف» الذي يسيطر على عدن، بينها مدرعات ودبابات، تحركت ظهر أمس إلى ميناء الزيت في منطقة البريقة، إثر اشتباكات عنيفة بين جنود أمن الميناء وأفراد يتبعون «المقاومة الجنوبية».