بيار أبي صعبقبل أن تبدأ هذه الدورة من «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» الذي يفتتح اليوم في احتفاليّة رسميّة، اهتدينا إلى شعار سيلازمنا الأسبوعين المقبلين، وقد يصبح من العلامات الفارقة للمعرض هذا العام. «اقرأ تربح» عنوان «لعبة» قررت «دار الجديد» البيروتيّة أن تلعبها مع زوّارها. الدار نفسها التي كانت قد نعت إلينا القراءة مطلع العقد المنتهي، وسجّتها في تابوت تَوسّطَ جناحَها في «معرض بيروت العربي للكتاب» (لم يكن قد أصبح «دوليّاً»، وكان «عربيّاً» بحق)، تطلق هنا اختراعاً جديداً يختصر المرحلة. العرض مغر حقّاً: كل كتاب تشتريه في جناح الناشر المذكور، تأخذ معه كتاباً آخر بالمجّان. هكذا، بشيء من المرارة المتصالحة مع العالم، وكثير من السخرية السوداء، تحرّضنا «الجديد» على «استهلاك» الكتاب حسب القاعدة التسويقيّة المعروفة. فلنتعامل مع هذا الشيء «المنقرض» كأيّ سلعة يمكن أن نحقق صفقة لدى اقتنائها. بعدما يئسنا من إقناع الناس بالمنفعة الروحيّة للقراءة (الفكريّة، الإنسانيّة، الحضاريّة، الوجوديّة، إلخ.)، لمَ لا نجرّب إغراءات المنفعة الماديّة؟
«اقرأ تربح»! ماذا عن كل الذين قرأوا فخسروا؟ خسروا براءتهم، أعمارهم، امتيازاتهم، فرص الارتقاء والشهرة و«النجاح». خسروا مالهم ووقتهم وشبابهم وطمأنينتهم وراحتهم وأصدقاءهم وأهلهم، وأموراً لا تسمّى. خسروا حياتهم أحياناً. هؤلاء دفعوا ثمناً باهظاً، ليتعلّموا شيئاً واحداً: القراءة «خسارة» بامتياز في عالم قائم على فلسفة «الربح». ربّما لذلك لم يعد اللبنانيّون يقرأون. صاروا يكتفون بـ«بيع» الكتب، بين أشياء كثيرة هنا معروضة للبيع والشراء! ربّما للأسباب نفسها تغيّرت ملامح معرض الكتاب البيروتي العريق، ووظيفته ودوره، وتغيّرت مشاغل القيّمين عليه ومرجعيّاتهم وأولويّاتهم وسياساتهم الثقافيّة. بوسعنا أن نفهم هكذا ماذا حلّ بالمدينة وأهلها وإعلامها واقتصادها وثقافتها ومدرستها وجامعتها وحياتها السياسيّة والفكريّة.
ومع ذلك هناك من يصر على الإبحار عكس التيّار. هناك من يواصل الكتابة والقراءة، والنقد والاحتجاج والخسارة. إنّه الجانب المضيء من بيروت، المدينة الطوباويّة المتمسّكة بدور ريادي ما، وما إلى ذلك من الأوهام القاتلة. لعلّ «دار الجديد» محقّة في النهاية، شرط أن نحسن «قراءة» شعارها. «الربح» هنا ليس بالضرورة ماديّاً عزيزي «اللبناني». إنسَ الكتاب الآخر المجاني الذي ستظفر به. اقرأ، تربح أشياء ثمينة لا يمكن احتسابها. اقرأ، تنتشل بيروت من مستنقع الشرق الأوسط الجديد.