وسط عدم ظهور أي مخرج لملف شهود الزور، بدأت تفوح رائحة تزوير آخر. فهل كانت ميشيل سيسون تنقل «على ذوقها»، أم ما قيل قيل فعلاً؟ هذا ما ستُسأل عنه خليفة سيسون في قصر بسترسأين رئيس الحكومة؟ آخر أخباره أنه اختتم زيارته لباريس أول من أمس بغداء عمل مع نظيره الفرنسي، ثم لا جديد، سوى ما تناقلته وسائل الإعلام عن إلغاء زيارته لتركيا وتوجهه إلى الرياض، وبعدها إلى سلطنة عمان أو بيروت أو... أو.
كل ذلك والبلد يرقص على حبال السباق بين موعد صدور القرار الاتهامي ومساعي التوصل إلى اتفاق لتطويق تداعيات هذا القرار، فيما مشاورات رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنهت يومها الثالث بدفعة ثلاثية شملت فقط الوزيرين ميشال فرعون وعدنان السيد حسين والبروفسور فايز الحاج شاهين، وحتى لامست الوزير السابق فايز شكر، الذي ذكر المكتب الإعلامي في قصر بعبدا أن سليمان استقبله وبحث معه «الاتصالات الجارية لإعادة تفعيل عمل المؤسسات والإدارات».
وفيما يُنتظر أن تشمل المشاورات لاحقاً النائب وليد جنبلاط بعد عودته من بولونيا، لوحظ أن سليمان، بعدما كان قد التقى في اليوم الثاني للمشاورات النائب محمد رعد، عاد والتقى أمس الوزير محمد فنيش. وزار قصر بعبدا سفير سوريا علي عبد الكريم علي، فيما ذكرت مصادر أن لقاء رئيس الجمهورية نظيره السوري بشار الأسد، في عيد الأضحى، كان الأسوأ بين كل اللقاءات التي عقدها سليمان مع الرؤساء العرب والأجانب، وكشفت أن سليمان طلب من الأسد العمل على إعادة وزراء المعارضة إلى مجلس الوزراء وسحب ملف شهود الزور من التداول، الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس السوري وردّ بما معناه: أرفض التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وأنت رئيس جمهورية لبنان وعليك التداول مع الأفرقاء اللبنانيين.
السنيورة و... كلينتون: خيارنا الأمن والعدل معاً والمحكمة لن تزعزع الاستقرار
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لم ترصد سيارته على طريق بعبدا طيلة أيام المشاورات، فكان أمس مقصداً للوزير عدنان القصار الذي أعلن أنه أكد له أهمية معالجة ملف شهود الزور «في أسرع وقت، نظراً إلى الأضرار التي خلّفها لغاية اليوم باعتراف جميع الأفرقاء السياسيين، لكنني شدّدت له في المقابل على أهمية عدم ربط هذا الملف بعمل مجلس الوزراء، أو بانعقاد هيئة الحوار الوطني، وأبلغته أن الأمور لا تحلّ إلا بالحوار».
إلا أن بري أكد أمام زواره، أمس، «ضرورة بتّ موضوع شهود الزور بالتوافق أو بالتصويت». ونقل تلفزيون المنار عن مصادره استعداد المعارضة لأي جلسة للحكومة، على أن يتصدّرها ملف الشهود، وعدم موافقتها على نقل هذا الملف إلى طاولة الحوار.
والموقف نفسه جاء من التيار الوطني الحر، عبر الوزير جبران باسيل الذي أمل أن تجتمع الحكومة قريباً لتظهر أنها «قادرة على حلّ الملفات، وفي طليعتها ملف شهود الزور، إذ إن حكومة عاجزة عن معالجة ملف بسيط كملف شهود الزور، هي حكومة عاجزة عن البقاء وعن العمل».

الويكيليكسيون

ووسط عدم ظهور أي مخرج لملف شهود الزور، بدأت تفوح رائحة تزوير آخر في مكان ما، على خلفية ما كشفه موقع ويكيليكس من وثائق للسفيرة الأميركية السابقة ميشيل سيسون عن عدد من المسؤولين اللبنانيين. فنفي الوزير الياس المر والنائب مروان حمادة لما نُقل عنهما، أو على الأقل اعتبار الأول أن ما نشر مجتزأ وغير دقيق، يطرح تساؤلات من نوع: هل سيسون كانت أمينة في نقل ما تسمعه؟ أم عدم الأمانة كان في مكان آخر؟
ولتحديد مكامن عدم الأمانة، علمت «الأخبار» أن وزير الخارجية علي الشامي سيستدعي السفيرة الأميركية الحالية مورا كونيلّي لسؤالها عن طبيعة الوثائق الصادرة عن سيسون ومدى صحتها.
في هذا الوقت، رأى النائب حسن فضل الله أن ما نشره الموقع عن لقاء سيسون والمدّعي العام دانيال بلمار، يؤكد «أن الإدارة الأميركية تستخدم المحكمة ولجنة التحقيق أداةً لاستهداف المقاومة»، وأنها «هي التي تدير عمل المدّعي العام وتشرف على التحقيقات الدولية». وقال: «بناءً على ذلك، فإن أي قرار اتهامي يستهدف المقاومة إنما يصدر وفق ما تمليه التوجهات الأميركية بأدلة إسرائيلية».
حزب الله: لقاء سيسون وبلمار يؤكد إدارة أميركا لعمل الأخير
الأمر نفسه أكدّه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في حفل تخريج دورات ثقافية، بالقول إن القرار الاتهامي «لا يستند إلى أدلة حقيقية، بل إلى قرار سياسي مسبق من أميركا لمحاولة الإضرار بحزب الله»، معتبراً أن القرار الذي يتهم حزب الله هو عدوان على الحزب وعلى لبنان. وأضاف إن الحزب هو أقل المتضررين من القرار، ومن سيتضرّر أكثر هم الذين «يتمنون أن يصدر، لأنهم سيكتشفون أن هذا الطريق خاطئ في التعامل مع حزب الله (...) ومن كان يراهن على ضعفنا فستثبت له التجارب أننا سنقوى أكثر فأكثر». وأعلن استمرار الرهان على نجاح المساعي السورية ـــــ السعودية، «ونرى أن هناك خطوات معقولة للحل».
لكنّ الرئيس فؤاد السنيورة، خلال تمثيله الحريري في افتتاح معرض الكتاب في البيال، قال إن المحكمة هي للعدالة وليست للانتقام «أو لتوظيف هذه القضية لتسوية حسابات من جهة دولية أو جهة دولية أخرى ضد أي أحد في لبنان أو خارجه أو في الوطن العربي»، معلناً عدم القبول «بأن نوضع في الموقع الذي علينا أن نختار فيه بين العدالة من جهة والأمن والاستقرار من جهة ثانية»، فـ«خيارنا الاستقرار والأمن والعدل في آن معاً». الاطمئنان إلى أن المحكمة لن تؤثر على الاستقرار لم يقتصر على السنيورة، بل شمل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي توجهت في الكلمة الافتتاحية لمنتدى حوار المنامة إلى «الذين يقولون إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ستزعزع الاستقرار» بالقول «إن العدالة لا تمثّل تهديداً لاستقرار لبنان، بل إن محاولات تخريب العدالة عبر تقويض المحكمة الدولية هي التي تمثّل تهديداً».
أمنياً، ألقى مجهولون مساء أمس زجاجة حارقة من نوع مولوتوف على السور الخارجي لمكتب السنيورة في صيدا.
أما الحدث الأمني الأبرز، فكان في وادي القيسية قرب بلدة مجدل سلم، حيث أعلنت المقاومة الإسلامية اكتشاف جهاز إسرائيلي للتجسس على شبكة اتصالاتها، وأن العدو عمد إلى تفجيره عن بعد إثر اكتشافه. وأكدت قيادة الجيش إقدام قوات العدو على تفجير «أجهزة تنصّت مفخخة كانت قد زرعتها سابقاً بهدف التجسس»، وأن التفجير حصل أثناء قيام مواطنين بتنفيذ أعمال إنشائية بواسطة حفارة بوكلين، ما أدى إلى إصابة اثنين منهم.
في مجال آخر، فرض وزير الداخلية زياد بارود، أمس، عقوبة تأديبية في حق المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي لتجاوزه صلاحياته ونشره رداً على سؤال من النائب نبيل نقولا في شأن توقيف العميد فايز كرم. وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن بارود كان قد رفع جواب الوزارة إلى رئاسة مجلس الوزراء «من دون أن يضمّنه هذه المراسلة (ردّ ريفي) وما ورد فيها من مفردات غير مجدية وكلام يدخل في صلب المواجهة السياسية».