نادر فوزيضع الحريري هذه النقاشات والمواقف أمامه في الاجتماعات والجلسات التي تؤكد الرعاية السياسية الأميركية له ولفريق 14 آذار. يعيد الرئيس الشاب قراءة هذه الأوراق ويصوغ من جديد ما سمعه، ليتحوّل إلى ناقل للكلام الأميركي: «المحكمة غير مسيّسة، ولا أحد يمكنه التدخّل في عملها».
بعد تأكيد الرعاية السياسية المطلقة، يسأل زوار واشنطن وعوكر مسؤوليها عن الحماية التي يمكن الأميركيين تأمينها لحلفائهم في لبنان. فيكون الجواب: «أنتم بتّم في حماية دولية، وعيننا اليوم على حزب الله»، مشددين على ضرورة استيعاب ردّ فعل حزب الله وغضبه إذا اتهم القرار الدولي مسؤولين حزبيين بتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ويدرك الأميركيون، بحسب ما ينقلونه في الجلسات، خطورة المرحلة التي على الرئيس الشاب اجتيازها، وحماوة المعركة التي سيخوضها بوجه حزب الله بعد صدور هذا الاتهام، فيما لا يتردد عدد من الأميركيين في الإشارة إلى الخطر الجسدي والسياسي على الحريري.
أوباما يقرأ التقارير عن العراق، ثم إيران، بعدها محادثات السلام واليمن، ليصل أخيراً إلى لبنان
ورغم هذا الإدراك الأميركي، فإن واشنطن لا تقدّم الالتزامات الأمنية الكافية للحريري وفريقه، إذ إنه لم يسبق، حتى الساعة، أن أكد أي مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة تتعهّد سلامة الفريق الأكثري وأمنه إذا أراد حزب الله الانتقام على الأرض أو ردّ اعتباره في السياسة. حتى أنّ مجمل الردود على هذه المطالبات الأكثرية بالحماية والأمن تأتي على شاكلة: دعونا نؤجل الحديث في هذه القضايا وقد لا تصل الأمور إلى هذا الحدّ. وهو ما يمكن تفسيره بأن الأميركيين غير مشغولين بمستقبل الحريري، سواء «على الأرض» أو في السياسة.
هذه اللامبالاة تعيد إلى أذهان البعض أقوال وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، بأنه «ليس لأميركا حلفاء، بل مصالح». فليس جديداً التذكير بالانكفاء الأميركي في لبنان عند اهتزاز الشارع، في ثورة 1958 كما عند انسحاب قوات المارينز من بيروت عام 1983. إضافة إلى الأداء الأميركي بحق الحلفاء عام 1976 و1990، بعد إقناع اللبنانيين الأميركيين بضرورة دخول الجيش السوري.
يحاول زوار واشنطن اليوم استبعاد هذه الأحداث عن نقاشاتهم ولو أنها راسخة في عقولهم وفي الصور التذكارية التي التقطوها في تلك المراحل. وهم يكتفون بالإشارة إلى أنّ الملف اللبناني في واشنطن «مجمّد» وبحثه على المستويات العالية يستوجب حلّ مجموعة من القضايا الأساسية في الشرق الأوسط. ويقولون بكل بساطة إنّ الرئيس الأميركي حين يرغب في الاطلاع على شؤون المنطقة، يقرأ التقارير اليومية المعدّة عن العراق، ثم إيران، بعدها محادثات السلام الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية، اليمن، ليصل أخيراً إلى لبنان.
وينعكس هذا الجمود الأميركي حيال لبنان في تأكيد المسؤولين الأميركيين أنّ موقف حكومتهم لا يزال على حاله بخصوص ما يجري في بيروت. مع تشديدهم على أنّ السياسة الخارجية تجاه لبنان لم تجر مراجعتها منذ 2005، وأن إدارتهم لم تضع منذ ذلك الحين تخطيطاً مفصلاً ودقيقاً لمجاراة التغيّرات على الساحة الداخلية. وأبرز مثال على هذا الانكفاء هو أنّ ردّ واشنطن على زيارة الرئيس الإيراني إلى بيروت، جاء بوقفة قصيرة ومفاجئة لجيفري فيلتمان على الأراضي اللبنانية. وبحسب النقاشات الأميركية، أرادت واشنطن تثبيت وجودها عبر إطلالة فيلتمان، وسط المحاولات المتكررة للمسؤولين الأميركيين للانتقاص من القيمة السياسية لزيارة محمود نجاد وعدّها إعلامية. لكن هذه الزيارة، وباعتراف المسؤولين الأميركيين، لم تنجح في كبح قلق حلفائها وترددهم إزاء ردّ حزب الله على القرار الاتهامي للمحكمة. ما دفع عدداً من الشخصيات المقربة من 14 آذار إلى تكثيف اتصالاتها ونقاشاتها ولقاءاتها بالمسؤولين الأميركيين في بيروت وفي أميركا.