أما وقد انتهت مفاعيل ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ــــ إلا عند الرئيس سعد الحريري ومستشاريه ــــ فيمكن العودة إلى خلاصة أساسية أفرزتها الأسابيع الأخيرة، وهي لا انتخابات رئاسية من دون حزب الله الذي أفشل الصفقة الباريسية، ولا انتخابات من دون رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون. والقوى السياسية التي تريد راهناً ــــ بعد كل ما نتج من مشاورات وخلافات واتفاقات في الأيام الماضية ــــ أن تأتي بحزب الله إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، عليها أن تسمي مرشح الحزب، أي عون نفسه، أو على الأقل أن تقتنع هذه القوى بأنه وحده الذي يأتي بالحزب إلى الانتخابات الرئاسية، سواءٌ أكان مرشحاً وحيداً، أم ناخباً أول ومباركاً لأي رئيس جديد (وهو أمر لا يزال يرفضه). ما عدا ذلك، فإن الشغور الرئاسي مستمر بعدما رُحّلت الرئاسيات إلى عام 2016، وإلى أن تنضج حلول نهائية للمنطقة ولسوريا في المقدمة، أو تتبلور معالم مبادرة إقليمية ودولية في الشهور الطويلة المقبلة، تنتج رئيساً جديداً للجمهورية. وتحت هذا السقف، يمكن أن يُكتب ويُقال الكثير.
منذ أيار عام 2014، شكّل ترشيح عون رأس حربة في مشروع قوى 8 آذار، وقابله ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع مرشحاً وحيداً لقوى 14 آذار. مع مرور سنة ونصف سنة على الشغور الرئاسي، لم تخرق الثنائية المارونية المرشحة للرئاسة سوى بورصة أسماء مرشحي تسوية تعلو أسهمهم وتهبط وفق الأجواء السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن أفق مرشح التسوية، أو المرشح التوافقي، بدا مقفلاً، في ظل تمسك عون وجعجع بترشيحيهما. علماً بأن جعجع طوّر موقفه لاحقاً بالقبول بالانسحاب لمصلحة مرشح توافقي، من دون أن يتخلى عن موقعه الأساسي كمرشح وحيد لقوى 14 آذار.
مع لقاء باريس وترشيح الحريري لفرنجية، دخلت عوامل متناقضة على خط الرئاسيات، وتفاوت التعاطي مع هذا الملف من أقصى درجات الهدوء والبرودة في تلقف مثل هذا الترشيح والحديث عنه أنه "غيمة صيف"، إلى اقصى درجات "الجنون" والذعر من احتمال نجاح الحريري في إنجاح هذه المبادرة التي قدمها مروّجوها في لبنان، حتى أمام قادة سياسيين من الصف الأول، على أنها مبادرة دولية وإقليمية، وصولاً إلى أن حزب الله أبدى مرونة، لا بل موافقة عليها وسيتولى مفاتحة عون بها.
استدراج حزب الله إلى غير ملعبه وبغير قوانين لعبته لن يكتب له النجاح

بعد شهر تقريباً على اللقاء المذكور، تبين أن لا غطاء دولياً وإقليمياً لاندفاعة الحريري ولا مباركة لها، إلا من باب تشجيع إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية. ما عدا ذلك كانت حركة الديبلوماسيين في اتجاه فرنجية أو غيره من القيادات السياسية الأخرى، بمثابة قيام الديبلوماسيين بـ"فروضهم المهنية" لاستطلاع خلفيات هذه المبادرة وآفاقها.
لكن مع تبلور موقف حزب الله من الخرق الحريري، بوضوح يوماً بعد آخر، وتراجع أسهم المبادرة تدريجاً إلى حد نعيها، عاد الحديث إلى رئاسة الجمهورية كقضية مركزية، وسط سؤال وحيد: هل بات ممكناً في المدى المنظور الحديث عن انتخابات رئاسية أم أنها أصبحت بعيدة المنال أقله في الشهور المقبلة؟
الواقع أن ما أسفرت عنه حركة الأسابيع الأخيرة أظهر أن معالم الصفقة الحريرية كانت في خلفية صورة لقاء باريس، أي لجهة تقاسم رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقانون الانتخاب وتوزيع الحصص داخل الحكومة. وهذا الأمر بدا في حد ذاته من الأسباب الاعتراضية التي واجهت التسوية، إضافة إلى النقطة الأساسية التي أطاحت مشروع عودة الحريري إلى السرايا الحكومية، والمتعلقة بأسباب إيران وسوريا وحزب الله مجتمعين في عدم استعجال تسوية من طرف واحد ولمصلحة طرف واحد لا يزال على عداء مع الأطراف الثلاثة.
فالغاية من تمسك الحزب بعون مرشحاً، هي عدم الحاجة إلى صفقة بالمعنى المتعارف عليه حتى الآن. فمن يريد الاستعجال بإجراء انتخابات رئاسية، وأبدى استعداده لترشيح فرنجية، بات مدركاً أن استدراج حزب الله إلى غير ملعبه وبغير قوانين لعبته، لن يكتب له النجاح. أما من كان حريصاً على إجراء انتخابات رئاسية وعدم ترك الشغور الرئاسي طويلاً، فقد تبين له، ولو أنه رشح أحد أركان قوى 8 آذار، أن الممر الإلزامي للرئاسة هو حزب الله. وكي ينتقل الحزب من مرحلة الناخب الأساسي، إن لم يكن الوحيد، إلى مرحلة المقترع الفعلي، بات ترشيح عون، الذي يرفض الانسحاب، أكثر من أي وقت مضى الوسيلة الوحيدة للإفراج عن الرئاسيات، علماً بأن هذا الترشيح لا يتلازم مع أي صفقة وتوزيع حصص ومن دون التزام قانون انتخابي (كقانون 1960 مثلاً).
ما عدا ذلك، فإن ملف الرئاسيات المؤجلة إلى عام 2016 أضحى مجدداً عالقاً بين الرابية والضاحية، فهما يملكان مفتاحه. أما من يفرج عنه، وبالأخص بعد صفقة باريس الحريرية وتداعياتها على حلفاء الصف الواحد، فصار عون وحده، لأن وقائع المفاوضات واللقاءات على أكثر من مستوى محلي وإقليمي، أثبتت أن السؤال المطروح منذ أشهر طويلة: "هل يأتي حزب الله بعون إلى الرئاسيات؟"، صار: "هل يأتي عون بحزب الله إلى الرئاسيات أم لا؟".