«يا سعاد جهّزي الأكل... الشباب صاروا بيوصلوا»، يقول عساف لرفيقة عمره يوم كان ينتظر «الرفاق» على دروب جبل الشيخ. لم تتعب سعاد يوماً من العمر. لا، لقد تعب العمر ولم تتعب هي. كانت مقاومة مجهولة، ومراسلة حفظت دروب الجنوب وأوجاع الناس المنسيين هناك مع رفيق عمرها عساف. هذا الإنسان الذي كان صانعاًَ لخلايا النحل من سفوح جبل الشيخ الى بحر صور وبساتين البقاع، ولو قدّر له لوضع «نحله» في سهل الحولة. هذا السهل «الفلسطيني» كان عساف يجول على تخومه كفرض صلاة مع سعاد. يرصدان معاً جنود الاحتلال في مزارع شبعا، يمشيان مع الرعاة في أوديتهم وفوق تلالهم... يقتنص هو صورة محترف «سري» في اقتناص جنود الاحتلال الإسرائيلي يوم كانوا يسرقون الليمون في وادي الحاصباني، وتقتنص هي النظر إلى حيث يجب أن يقتنص هو الصورة. إنهما صورة واحدة لم تفارق الجنوب يوماً.أتعبك العمر أم تعب منك العمر يا سعاد؟
كان الصمت يسرق من سعاد حروفها. لم يمت عشقها يوماً لمن أسعفها عشرات المرات في الليالي الظلماء. لم يخنك يوماً واحداً في رحلة العمر المشتركة، وإن كان عاشقاً لراشيا الفخار وبيادر حنينها فهو من عشقه لكِ. لماذا تركت رفيقة دربك وحيدة، وهي التي لم تفارقك لحظة؟ أكنت تصرخ معها بصمت ومن تعب رحلة العشق والبحث عن سعادة حملتها معك يوماً بيوم وساعة بساعة. لم تترك سعاد عساف يحمل الرصاص وحده إلى مغاور «مقاومته» في تلال كفرشوبا وأودية كفرحمام وراشيا الفخار؟ فلماذا تركت سعاد تبكي؟ أكنت تحب أن تسمع منها أنك الآن «الخبر» وكل «الأخبار»؟ ألم تقل لي إنك ستنتظرني قبل أن تصل إلى العديسة؟ ولماذا لم تسمع من سعاد وتبقى في المنزل؟ كم عمراً كنت تحتاج بعد حتى تتعب وهذه «السعاد» لم تتعب بعد منك.
في يوم من الأيام كتب عساف إلى سعاد في مفكرته الصغيرة: «صعدنا إلى جبل الشيخ، وكان البرد القارس يحثّنا على المشي سريعاً، وكنا نسابقه كي نصل إلى قمة الجبل مع شروق الشمس، وكان البرد «رفيقاً» أنيساً يعطينا «صكّ» ملكيّة لهذا الجبل على بياض. فجنود الاحتلال يختبئون من الرصاص ويخافون من شروق الشمس. وكنا نحمل «جعب» الرصاص قبل أن تأخذه «أم رياض» كأمانة وتخبئه تحت سنديانتها المعمرة. وكان خليل زغيب «على راس السطح» ينتظر حتى نصل الى شجرات الكينا في راشيا الفخار. وكنت تنتظرينني تحت زيتونة أم جرجس قبل أن أعود الى الكفير وأجدك هناك».
بكت سعاد في يوم حزنها الطويل. لم تكن تدري أن «رجل» البيت سيغادرها على غفلة منها وهي التي لم تتركه لحظة: «كيف تركتو يروح لوحدو... طول عمري روح معو وما خلّيه يروح ع مطرح لوحدو... يا ريت تغدّى... ويا ريت سمع مني. ما بعرف يمكن أمّو خلّفتو بالعديسة وهونيك بدّو يموت.. آخ».

ع. د.