اتصل بنا عساف منذ أيام في الجريدة ليعرف من هو المصوّر الذي سيصوّر تخريج فوج ضباط المدرسة الحربية ليحصل على كلّ صور ابنه. تخرّج جرجس، أوّل من أمس، وأنهى عساف بناء طبقة فوق البيت لمازن، منذ قليل، واطمأن الى حياة نسرين... ومضى.
صباح أمس، اتصلنا به على عادتنا اليومية لنسأله «شو عندك اليوم أستاذ عساف؟» كان هناك موضوع عن انقطاع الكهرباء. لكن ما إن ضربت إسرائيل في العديسة حتى خفّ الى هناك. لا تكفّ سعاد عن ترداد آخر كلماته: «قلتلّو اقعد تغدّى، قلّلي مش جوعان، يا ريتو ما راح..» وتنظر إلينا.
وكنت قد رأيت عساف منذ شهرين خلال جولة في الجنوب، وأتيح لي اكتشاف دماثة خلقه ولطفه وطيبته. كانت عينه ترى ما لا يراه المستعجلون أمثالنا ممن يعيشون طوال وقتهم في المدينة، كانت له أحلامه الصغيرة، ورضى المساء، حين يتمّ واجباته تجاه البيت والجريدة ويجلس الى الكومبيوتر ليكتب «قطعة». كان يحب زاوية وجوه في «مجتمع»، ويحب أن يكتشف لنا أشخاصاً مميّزين ومهمّشين. كان
يبحث عن وجوه المهمّشين ليرفعها إلى الضوء
العائلة والكفير كلها هنا، في هذا المساء الحزين. الكهرباء لا تزال مقطوعة يا عساف. ومنذ قليل فقط، جاء التيار لأستطيع أن أكتب، من كومبيوترك الشخصي، من بيتك، خبر استشهادك. أما القطة السوداء الصغيرة التي جلست بقربي، فقد كانت هنا على عادتها، كما قال لي جرجس، عندما يكتب عساف، واضعاً أسطوانة لأم كلثوم ليكتمل مزاج الكتابة. «إنتِ أول حدا بيستعمل كومبيوتر عساف من بعدو» يقول مازن، وتنهمر دموعه وهو يدير لي الكومبيوتر. ها نحن أمام شاشة كومبيوترك يا عساف، نقوم بواجبنا. نحن في النهاية صحافيون يا زميلي الدمث. الله معك.