مهى زراقطإنه الثالث من آب. عساف أبو رحال لم يأت إلى الجريدة بعد كعادته مطلع كل شهر لتقاضي راتبه. الزميل في قسم المحاسبة فادي خليل كان يتوقع زيارته أمس، والزميلة فاتن الحاج سألته يوم الأحد عن موعد قدومه إلى بيروت. يومها كانت الفرحة لا تسعه، وهو يشارك في حفل تخرّج ابنه جرجس ضابطاً من المدرسة الحربية. قال لها إنه في بيروت فعلاً، وقد يزور الجريدة، لكنه لم يفعل. «أنا عم بحضر تخرّج ابني بالمدرسة الحربية، ويمكن أمرق لعندكن»، قال لها. تذكر فاتن أنه في ذلك اليوم كان سعيداً جداً، وأنها عندما سألته عن كلمة وردت في موضوعه الأخير عن «المعلّم كامل آخر معمرجي في وادي التيم»، وأرادت التأكد من أنها ليست كلمة عامية، أجابها ممازحاً بأنها كلمة فصيحة واستشهد بالدكتور نسيم خوري الذي كان إلى جانبه «قال لي إنها تستخدم في الصحافة وهي لغة عربية صحيحة وهو يسلّم عليك». لم ينسَ طبعاً أن يختم الاتصال بعبارته التي يحفظها الجميع هنا: «الله يديمك الله يخليك».
صباح أمس، اتصلت به فاتن مجدداً تسأله عن متابعاته اليومية. قال لها إنه يفكر بإعداد تحقيق عن الكهرباء. سألته: ما مشكلتها؟ مقطوعة؟ فأجاب: «لا، لكنها تأتي ضعيفة ويشكو الأهالي من احتراق معظم أدواتهم الكهربائية». دار نقاش بينهما حول القسم الذي يُفترض أن تحوّل هذه المادة إليه. هي تسأل إن كان يجب إرسالها إلى «الاقتصاد»، وهو يصرّ على أنه موضوع اجتماعي يحكي عن معاناة يومية؛ لأن الناس كلهم يشكون هذا الأمر، وقال إنه سيتناوله من هذه الناحية. ختم كلامه معها بالقول: «رح شوف شو بيطلع معي وبخبرك لاحقاً».
لم يعاود عساف الاتصال بها، واستعاض عن خبر الكهرباء بخبر الانفجار على الحدود التي كان قد اعتاد تغطية أحداثها منذ عام 1999: من مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا، إلى الخط الأزرق بعد التحرير عام 2000، عندما كان يعمل مراسلاً للمنطقة في جريدة «المستقبل». يومها كان عساف يقوم بجولته اليومية عند الحدود المشتعلة على الدوام، يكتب رسالته ويروح يبحث عن سائق تاكسي ينقل الخبر إلى الجريدة.
لم يغيّر عاداته منذ ذلك التاريخ، ومع انتشار خبر الانفجار الأمني في العديسة، توجه عساف مباشرة إلى المنطقة. وعندما اتصل به سكرتير التحرير حسان الزين قبل ربع ساعة فقط من تبلّغنا خبر إصابته، كان عساف يخبره أنه متجه إلى مركز الجيش اللبناني في العديسة. قال له حسان: «انتبه إلى نفسك، نبقى على اتصال». هذه العبارة كانت آخر ما قاله له الزميل عفيف دياب أيضاً،

استعاض عن خبر الكهرباء بخبر الانفجار في العديسة
هو الذي كان يتواصل معه كلّ الوقت منذ لحظة تحرّكه إلى العديسة. يقول: «اتصلت به بعد ساعة من وصوله، فقال لي إنه في بيت بالعديسة وإن الوضع بدأ يميل إلى الهدوء». وعندما عاود الاتصال به بعد ربع ساعة قال له إنه سيتحرّك ضمن العديسة، واتفقا على البقاء على اتصال. لكن عفيف فقد الاتصال به بعد ربع ساعة فقط، فاتصل بالزميل كامل جابر الذي بلّغه باكياً بأن عساف أصيب.
هكذا وصل الخبر إلى الجريدة، إصابة خطرة لم يكن ممكناً التأكد منها إلا بعد اتصال أجراه الزميل هيثم الموسوي بالزميل علي حشيشو، الذي قال كامل إنه هو من التقط له الصور الأخيرة مصاباً. يتصل هيثم ويتأكد الخبر، لكن الجميع يرفض تصديقه، كما يرفضون إعلانه. وفي وقت كانت فيه وسائل الإعلام تعلن خبر استشهاد صحافي في «الأخبار»، كان الزملاء يتلقون عشرات الاتصالات للسؤال عن اسمه أو التأكد من أن ما سمعوه صحيح.