حسن عليقخلال عدوان تموز 2006، وجّه السيد محمد حسين فضل الله رسالة إلى المقاومين، خاطبهم فيها أكثر من مرّة بالقول: يا أبنائي. تكاد هذه الكلمة تلخّص العلاقة بين السيد وحزب الله، التي تعود إلى ما قبل أن يكون الحزب. ففي سبعينات القرن الماضي وبداية الثمانينات، كان ثمة مجموعات إسلامية ناشطة على الساحة اللبنانية، تتمحور حول فضل الله. مجموعات من حزب الدعوة وما تفرّع عنه، وأخرى من حركة أمل، وعدد من لجان المساجد. كان مسجد الإمام الرضا في بئر العبد (الضاحية الجنوبية) مصلّى السيد فضل الله، ومحط رحال أفراد هذه المجموعات، التي أسّست لاحقاً إطاراً جامعاً لها تحت مسمّى «حزب الله». معظم من انضووا في صفوف الحزب كانوا من مريدي السيد وتلامذته. صلّوا بإمامته. حضروا دروسه الدينية، وتأثروا بآرائه السياسية. وبعدما تعرّض لأكثر من محاولة اغتيال (قبل عام 1982)، تطوّع شاب شديد القرب منه، يدعى عماد مغنية، لإنشاء جهاز لمرافقته وحمايته.
مثّل عام 1982 نقطة تحوّل مفصلية في حركة هذه المجموعات، بعدما غزت القوات الإسرائيلية لبنان. كان السيد في طهران، فأصرّ على العودة إلى بيروت. وفي الطريق إلى الضاحية، اختطفته القوات اللبنانية، قبل أن تطلق سراحه تحت ضغط سياسي. قصد الضاحية الجنوبية حيث كان «أبناؤه» يجهّزون أنفسهم لمقاومة الغزو. وفي ظل عباءته، أعدّوا العدة ليخرجوا إلى محاور القتال.
أسسوا «حزب الله»، من دون أن يبتعدوا عن السيد. وخلافاً لما يقال عن تلك الفترة، لم يكن بينه وبينهم أيّ رابط تنظيمي. لكنه كان كأبيهم. وأحياناً، تحدّث باسمهم، وفاوض لتقويتهم. أفتى للمقاومين بأن يضربوا العدو في كل مكان. «ولو عجزنا عن إخراجه من بلادنا، لوجب علينا جعل الاحتلال مكلفاً». بقي السيد في الضاحية، ونما حزب الله.
في بداية التسعينات، اتجه الحزب أكثر فأكثر صوب المأسسة، تماماً كما الحالة السائدة في المؤسسات التي أنشأها فضل الله. عام 1994، شهد منعطفاً في العلاقة بين جمهور السيد فضل الله وبعض جمهور حزب الله. حينذاك، توفي المرجع الشيعي محمد علي الآراكي، فتصدّى السيد محمد حسين فضل الله للمرجعية الدينية. حصل افتراق بين بعض الجمهورين، ونشأت بين الشيعة في لبنان والعالم حالة اعتراضية على كثير من آراء فضل الله الدينية. سريعاً، حاولت قيادة حزب الله احتواء الاعتراض الصادر في معظمه عن أشخاص من خارج الإطار التنظيمي للحزب. أصدر السيد حسن نصر الله قراراً يمنع فيه المحازبين من التعرض لفضل الله ولو بالنقد. نُفّذ هذا القرار بحزم في أحيان كثيرة، فيما لم ينقطع قادة الصف الأول في الحزب عن حضور دروس فضل الله أو صلاة الجمعة خلفه. وفي عام 1997، عندما انشقّ الشيخ صبحي الطفيلي عن حزب الله، رفض فضل الله منح الانشقاق أيّ شرعية. قالها في إحدى خطب الجمعة: «أرفض أيّ مساس بالمقاومة باسمي».
شيئاً فشيئاً، خفتت حدّة النقاش في أوساط الجمهور الواحد، لتأخذ مكانها داخل الأطر الحوزوية. ويوماً بعد آخر، عادت العلاقة بين الطرفين لتستقرّ عند الوصف الذي أطلقه عليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إحدى المحطات: «بيننا وبين سماحة السيد محمد حسين فضل الله وحدة رؤية ووحدة خطّ ووحدة أهداف». وأكثر ما تجلّت هذه المعادلة في مواقف الطرفين ابتداءً من عام 2004، وبالتحديد، منذ صدور القرار 1559. لم يترك فضل الله «أبناءه» يوماً من دون دعم. منحهم بركته في حركتهم المقاومة، وفي الداخل اللبناني، من دون أن يعني ذلك تخلّي أيّ منهما عن تميّزه واستقلاليته.
في عام 2006، بعد أيام على بدء عدوان تموز، لم يترك السيد حارته. كانت القنابل تسقط عليها بالأطنان، لكنه أصرّ على البقاء. دمّرت الطائرات الإسرائيلية مكاتبه، وأبى المغادرة. وحده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تمكّن من إقناعه بالخروج. بعد أيام، خاطب فضل الله المقاومين قائلاً: يا أحبّتي وأبنائي. إنّ روحي معكم، وقلبي وعقلي معكم، ودعائي لكم...