قاسم قصيركان السيد فضل الله قد طرح مشروع «المرجعية المؤسسة» بديلاً من المرجعية الفردية، في إطار تطوير الواقع المرجعي وإبعاده عن المشكلات والثغَر التي واجهها طيلة فترة طويلة من الزمن.
ومع أنه لم يستطع تحقيق هذا المشروع وفقاً لما نظّر له، فإنه استطاع تكريس أعراف جديدة في الواقع المرجعي، وخصوصاً لجهة العمل المؤسساتي في مختلف المجالات الفكرية والفقهية والإعلامية والاجتماعية التي بدأ بعضها خلال مرجعية الإمام الخوئي.
لم تأت مرجعية السيد فضل الله من فراغ ولم تكن قائمة على أسس ضعيفة، فقد انطلق في العمل الإسلامي منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي، سواء في النجف الاشرف أو بعد انتقاله الى لبنان ومن خلال أشكال متعددة، داخل الحوزة وعبر الأطر الحزبية أو النشاطات الشعبية والفكرية والإعلامية.
خلال مرجعية السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي وبموازاة مرجعية السيد محمد باقر الصدر والإمام الخميني، كان السيد فضل الله يعدّ أحد الرموز الأساسية المميزة في العمل الإسلامي وكان يبث أفكاره التجديدية والفقهية والعملية من خلال الدروس والنقاشات الحوزوية والعملية وعبر مواكبة العمل الإسلامي. وقد تميّز بحرص على بث الروح النقدية في الواقع الإسلامي والبحث عن كيفية تجديد آليات العمل الإسلامي. وإن كان البعض رأى باكراً أن لدى فضل الله مشروعاً تجديدياً، فإن التطورات على صعيد الواقع المرجعي، ولا سيما بعد وفاة الإمام الخوئي وطرح مرجعية السيد علي السيستاني، اضطرته إلى طرح مرجعيته الفقهية بعد إلحاح من طلابه ومريديه وبعدما جرى التمهيد لذلك من خلال إصداره العديد من الدراسات والأبحاث الفقهية.
أما على صعيد الإنجازات التي حققتها مرجعية السيد فضل الله طيلة السنوات الماضية فهي:
1ــ إقامة عدد كبير من المؤسسات المتنوعة (الفكرية والإعلامية والاجتماعية والإنتاجية) التي قدمت نماذج جديدة على صعيد الواقع الإسلامي مع وجود بعض الأخطاء والثغر في واقع هذه المؤسسات التي تتطلب متابعة.
2ــ القيمة الفكرية والفقهية والدينية التي تتمثل بعشرات الكتب والدراسات والاتجاهات، سواء التي أصدرها سماحته أو التي صدرت عنه والتي تتضمن أفكاراً وطروحات تجديدية في مختلف المجالات.
3ــ التأسيس لتيار إسلامي واسع يجمع بين الرؤية الإصلاحية والمقاومة وبين الطروحات الفكرية التجديدية والانفتاحية، ما جعل أفكار السيد وآراءه تنتشر حتى خارج الأوساط المتدينة.
4ــ الجرأة في طرح النقاش حول العديد من الموروثات والروايات المتعلقة بالسيرة وببعض الاجتهادات الفقهية، وهذا أسّس لاجتهاد جديد في الواقع الشيعي وقد امتد إلى داخل الحوزة الدينية. ورغم أن هذه الجرأة أثارت ضد «السيد» حملة انتقادية واسعة وصلت الى حد الدعوة إلى إخراجه من «المذهب الشيعي»، لكنها ساهمت في تعزيز الدعوة إلى الوحدة الإسلامية على أسس متينة.
استمرار المرجعيّة يتجاوز الدور الذاتي أو من سيخلفه بمتابعة العمل المرجعي والديني، ويرتبط بالمؤسسات التي رعاها وأسسها وساهم في دعمها وانطلاقتها، ويرتبط بفريق العمل الذي رافق فضل الله في مسيرته وخصوصاً في السنوات العشرين الماضية، كما تتعلق أخيراً بالتيار الفكري والفقهي الذي أسسه السيد على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وهذا التيار ليس محصوراً بأشخاص محدودين أو جهات معنية، بل قد يكون الذين ينتمون إلى هذا التيار أكبر وأكثر انتشاراً مما يمكن حصره في بيئة معينة.
أما التحدي الثاني والأهم فيرتبط بتوافر شخصية أو أكثر تستطيع حمل المسؤولية سواء على المستوى المرجعي أو الفكري. ولقد كان لافتاً أن يتولى السيد عبد الله الغريفي وهو من علماء البحرين وممّن كانوا يدعون إلى مرجعية فضل الله تلاوة بيان النعي، وقد فسّر البعض ذلك كإشارة إلى الدور المستقبلي الذين يمكن أن يتولاه على الصعيد المرجعي.