قاسم س. قاسم ليس غريباً أن تجد صورة للعلّامة السيّد محمد حسين فضل الله معلّقة في المخيّمات الفلسطينيّة، ولا سيما مخيم برج البراجنة. لا يتردّد من علّق الصور، وآخرون كثر، في تأكيد المكانة الخاصة لـ«السيد» في قلوب أبناء المخيم. يذكرون خطاباته ومواقفه المؤيّدة لنضالهم. ففي أحلك الظروف التي عاشها الفلسطيني، كان فضل الله، موجوداً يدعم الفلسطينيين، ويختلف مع من يحاصرهم في مخيّماتهم ويخوض الحرب معهم.
هذا سرّ حبّ الفلسطينيين للسيّد فضل الله؟ والإجابة تتكرر: «وقف السيّد إلى جانبنا في أسوأ المراحل التي عشناها منذ تهجيرنا. كيف يمكن الفلسطيني أن ينسى مواقفه التاريخيّة، وخصوصاً خلال حرب المخيمات؟
«على أطراف الصراع في حرب المخيمات أن يتّقوا الله في دماء المسلمين، ويعلموا أن ما يقومون به حرام... أنتم تخوضون في دماء المسلمين وأموالهم، فآن لكم أن تعودوا إلى رشدكم وتحكّموا ضميركم في ما تفعلون. واعلموا أن واجبكم الشرعي أن تكونوا في صفّ واحد ضد الذين استباحوا المسجد الأقصى وفلسطين وجنوب لبنان، فبدل أن تقاتلوا بعضكم بعضاً وفّروا جهودكم هذه لمواجهة الذين يتربصون بكم جميعاً». عبارة قالها السيّد في النصف الثاني من ثمانينيّات القرن الماضي، حُفرت كالوشم في وجدان الفلسطينيين. بنظرهم، السيد لم يكن في حينها مذهبياً، وصوّب على العدو الأوحد إسرائيل.
هكذا، يتذكر الرجل الخمسيني محمد عودة مرحلة حرب المخيمات التي عاش حصارها بكل تفاصيله. يقول: «السيّد فضل الله اشتغل كرمالنا ليفكّ الحصار عن المخيم». يضيف: «هو الوحيد اللي ما خبّص معانا، كان دائماً يدعو إلى وقف الاقتتال عندما كنا محاصرين، وكانت كلماته تمثّل دعماً لنا خلال الحصار، وكنا نستلهم من كلماته الأمل».
هكذا، وبعد مرحلة الجنون المسمّاة «حرب المخيمات»، لم يغب طيف فضل الله عن الفلسطينيين. فمخيم البرج لا يبعد كثيراً عن مكتب السيد ومنزله، اللذين كانا مقصداً للاجئين يفرّجون فيهما له عن همومهم اليومية ويشرحون له معاناتهم. كانوا يطرحون مطالبهم التي لم تستطع الفصائل تلبيتها، فتغطيها مؤسساته الاجتماعية في بعض الأحيان. لن ينسى أبناء المخيم مساهمات السيد الخيّرة، كالمساعدات الطبية التي يقدمها مستشفى بهمن للفلسطينيين، من دون مقابل. بالنسبة إلى مهى جشي، لا يمكن نكران «فضل السيّد علينا. كان دائماً يساعد المساكين».
تذكر قصة جارتها التي «قصدت مستشفى بهمن ولم تكن تملك المال من أجل الطبابة، فعولجت على حساب المستشفى بتوصية من السيد نفسه»، تقول.

مكتب السيّد ومنزله كانا مقصداً للاجئين ومتنفّساً لمطالبهم


لهذه الأسباب وغيرها، خيّم الحزن على الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة. فالكثيرون منهم، على الرغم من اختلاف مذهبهم عن السيّد فضل الله، كانوا لا يغيبون عن صلاة الجمعة التي كان يؤمّها. ويقول حسين أحمد، الشاب العشريني، إنه كان يقصد جامع الإمامين الحسنين كلّ نهار جمعة ليصلّي خلف السيد الذي «يقرّب بين السنّة والشيعة وهادا الإشي خلّاني أحبّو وأحترمو».
في الأزقة الداخلية للمخيم تمر الصبية العشرينية إنعام الشاعر قرب صورة للسيد فضل الله، تلتفت إليها وتترحّم عليه: «الله يرحمك يا سيد والله خسارة». شاركت إنعام في مسيرة التشييع التي جابت الضاحية، لأن «احترامي الشديد للسيد، لا يسمح لي بأن أكتفي بمشاهدة الجنازة على التلفزيون». تضيف: «ما كنت أعرف كتير عن فتاويه، بس رفيقتي هدتني كتاب للسيد وحبّيت فكره واحترامه للمرأة»، تقول.
أمس، شارك أبناء المخيم في مسيرة تشييع فضل الله، التي كان فيها ممثلو الفصائل الفلسطينية أيضاً. لا خلافات فصائلية صغيرة بين تحالف القوى الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية. المشاركة في تشييع فضل الله طغت على الخلافات الفلسطينية الصغيرة، واتفق كلّ من الرئيس محمود عباس وحركة حماس على تقديم واجبات التعزية بالراحل.