لم تكن موقعة السفينة آخر محاولات الاعتداء على النائبة حنين زعبي، فما فعله الجنود الإسرائيليون كرره النواب في الكنيست، الذين تباروا في مهاجمتها لمحاولة منعها اعتلاء المنبر وفضح ما حدث للسفن
حيفا ــ فراس خطيب
لا يمكن تسمية ما دار في الكنيست الإسرائيلي أثناء البحث في قضية مهاجمة «أسطول الحرّية» بـ«النقاش الصاخب» أو «الجدال المحتدم»، لأنَّ الصخب والاحتدام يظلان عادةً في حيّز «المعقول». إلا أنّ ما حدث في جلسة يوم أمس يظهر رقماً قياسياً جديداً من حيث التحريض على النائبة حنين زعبي من «التجمع الوطني الديموقراطي»، في جلسة عدّها البعض «الأكثر صخباً في تاريخ الكنيست». وهكذا، تحول التحريض على زعبي في الجلسة إلى محاولة الاعتداء عليها بما هو غير مسبوق؛ ففي طريقها إلى منبر الكنيست لإلقاء كلمتها، لحقت بها عضو الكنيست أنسيستا ميخائيلي (إسرائيل بيتنا) لخطف الميكروفون عن المنبر حتى أوقفها الحرّاس. وجاءت خطوة ميخائيلي بعد كلمةٍ ألقتها عضو الكنيست ميري ريغف (ليكود) ضد زعبي، هاجمتها بعنف، وأنهت كلامها بالحديث بالعربية: «روحي على غزة يا خائنة».
ووصف عضو الكنيست يسرائيل حسون (كديما) النائبة زعبي بأنها «سافكة الدماء»، فيما خاطبها عضو الكنيست يوحنان بلسنر (كديما) قائلاً: «اذهبي إلى غزة وتحدثي هناك عن حقوق الإنسان». أرييه إلداد من «الاتحاد القومي» هاجم فلسطينيي الـ48 بقوله إن «عرب إسرائيل هم أعداء الدولة».
وبعد سماح رئيس الجلسة للنائبة حنين زعبي بإلقاء كلمة، وفق نظام الكنيست الذي يسمح لنائب إلقاء كلمة شخصية في حال تعرضه للهجوم من نواب الكنيست، اعترض نواب اليمين واليسار وحاولوا أن يمنعوا زعبي من إلقاء كلمتها. وعُلِّقت الجلسة لبضع دقائق، بعدما تعذر استمرارها وسط زعيق وصراخ نواب الأحزاب الصهيونية. ورجا رئيس الكنيست النواب السماح لحنين زعبي بالحديث وفق ما ينص عليه نظام الكنيست، حتى لا تكون فضيحة لما سمّاه «الديموقراطية الإسرائيلية»، وحاول إقناعهم بالقول: «أنا غاضب مثلكم، وأسمع منها كلاماً يثير حفيظتي، لكن علي أن أكتم غيظي وأستمع لها».
ورغم التحريض غير المسبوق، ورغم الشتائم ومحاولات الاعتداء، حافظت زعبي على هدوئها واعتلت المنصة وقالت: «أنا لن أرد على التحريض وعلى الشتائم والتأليب، لأنني ببساطة أحتقر هذه الأقوال ومن يقولها». وأضافت: «عندما توجهت إلى منظمة الحرية لغزة للمشاركة في أسطول الحرية، لم أتردد للحظة ووافقت في الحال، لأن هذا واجبي السياسي والوطني والأخلاقي أن أشارك في أي نشاط لفك الحصار عن غزة». وأضافت أن «حصار غزة غير قانوني وغير أخلاقي وغير أنساني. كل سياسي له مواقف أخلاقية يعارض الحصار، ومن له مواقف لا أخلاقية يؤيد الحصار».
ووصفت زعبي الاعتداء على أسطول الحرية بأنه جريمة قرصنة مخالفة للقوانين الدولية. وطالبت بتأليف لجنة تحقيق دولية، وتساءلت: «لماذا تخافون التحقيق؟ لماذا تعارضون نشر الحقيقة؟ إذا كانت ادعاءاتكم صحيحة، فلم إذاً منعتم الصحافيين الذين كانوا على السفينة من التصوير ومن بثّ تقاريرهم؟ أنتم تدعون أنكم صورتم كل شيء، أين صور الشهداء، أين صور الجرحى، لماذا تخفونها؟». وكان النائب محمد بركة، من الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، قد تحدث خلال الجلسة الصاخبة، على وقع مقاطعة من نواب اليمين واليسار. وأشار بركة إلى أن الحكومة الإسرائيلية «مجموعة قراصنة»، مضيفاً: «إن المسؤولين الأساسيين عن جريمة القرصنة التي نفذها الجيش في عرض البحر ضد أسطول البحرية، وما تضمنت من قتل بدم بادر، هما (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو و(وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود) باراك». وأعرب بركة عن تضامنه مع معتقلي «أسطول الحرية» ووفد لجنة المتابعة العليا في السجن الإسرائيلي وطالب بإطلاق سراحهم. وخاطب أعضاء الكنيست قائلاً: «إنكم تتباكون على جنودكم، كأنهم هاجموا السفن بألعاب، لا بأسلحة نارية، إن من خطط لهذا الهجوم والإنزال ودفع جنوداً بأسلحة نارية، كان قد خطط مسبقاً للقتل، والنتيجة أننا رأينا عشرة قتلى، عشرة شهداء، في هذه الحملة الإنسانية».
وفي السياق، لا يزال رئيس الحركة الإسلامية الشمالية رائد صلاح، ورئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية محمد زيدان، ورئيس الحركة الإسلامية الجنوبية حمّاد دعابس، والناشطة في حركة غزة حرة لبنى مصاروة، رهن الاعتقال بعد تمديد اعتقالهم أسبوعاً بسبب مشاركتهم في أسطول الحرية. وادعت الشرطة أن المعتقلين الأربعة مشتبه فيهم بعدة تهم، منها التخطيط لارتكاب جريمة، حيازة السلاح واستخدامه وتهم أخرى. وشددت الشرطة أمام المحكمة على أن قرار طلب تمديد اعتقال القادة يأتي وفقاً لسياسة الحكومة القاضية «بالتحقيق واعتقال مواطني دولة إسرائيل» الذين شاركوا في أسطول الحرية إلى غزة.
وردّ طاقم الدفاع القانوني أن طلب النيابة وقرار المحكمة يناقض المبادئ الأساسية للقانون الجنائي، الذي ينص على أن التهم الجنائية توجه للأفراد بناءً على أفعالهم فقط، لا بسبب انتماءاتهم. ففيما ادعت نيابة الدولة أن ركاب السفينة اعتدوا على جنود الجيش، لم تقدم أي دليل على أن أياً من الأشخاص الأربعة شارك في ذلك. من هنا أكد المحامون أن طلب الشرطة بالتمديد يستند إلى مبدأ العقوبة الجماعية ضد كل من كان على متن السفينة ويحمل هوية إسرائيلية وفي الوقت نفسه عربي القومية.
في هذا الوقت، تواصلت الأعمال الاحتجاجية في الداخل الفلسطيني. وقد شارك مئات الطلاب من فلسطينيي الـ48 في تظاهرة كبيرة في معهد الهندسة التطبيقية (تخنيون) في مدينة حيفا، احتجاجاً على الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحريّة. وقد نظم اليمين الإسرائيلي تظاهرة مضادة تأييداً للسياسية الإسرائيلية. وقد أفادت مصادر بأنَّ الوحدات الخاصة دخلت المعهد. وقال طلاب إنَّ الوحدات الخاصة اعتدت على المتظاهرين من دون أي مبرر يذكر.