رسمت حكومة رجب طيب أردوغان، أمس، «خريطة طريق» قالت إن على إسرائيل سلوكها لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، في مقدّمها رفع الحصار عن قطاع غزة، بعد تحرير الأسرى الأتراك وإعادة الجرحى والجثث، وإجراء تحقيق ذي صدقية في مذبحة الفجر، في وقت تلقّى فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما رسالة واضحة من «العثماني الجديد»، خلال مكالمتهما الهاتفية أول من أمس، تفيد بأنّ «إسرائيل في طريقها إلى خسارة صديقها الوحيد في المنطقة».تحذير كشف عنه مكتب أردوغان في بيان أوضح أنّ الاتصال الذي بادر إليه أوباما تخلله تأكيد رئيس الحكومة التركية أنّ المكانة التي ستشغلها إسرائيل في الشرق الأوسط، «ستكون مرتبطة بأعمالها في المستقبل».
إنذار آخر أبلغه وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى واشنطن، التي بدت أنها نقلته على وجه السرعة إلى حلفائها الإسرائيليين، مفاده أنه أمام الدولة العبرية حتى ليل الأربعاء الخميس لتفرج عن جميع الأتراك الذين خطفتهم من على متن سفن الأسطول، وإلا سننظر في قطع العلاقات مع تل أبيب.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده رئيس الدبلوماسية التركية في مطار أنقرة فور وصوله من زيارته الأميركية، تحت شعار «حان الوقت ليحلّ الهدوء محل الغضب»، وزّع في خلاله رسائل في اتجاهات متعددة، في وقت كان فيه برلمان بلاده يصدر بالإجماع قراراً غير ملزم للحكومة بـ«مراجعة العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية مع إسرائيل، وباتخاذ التدابير الفعالة اللازمة، وأن تستخدم الحكومة الوسائل القانونية الوطنية والدولية المتوافرة لديها ضد إسرائيل».
أما أردوغان، فكان يرأس جلسة دامت 4 ساعات ونصف الساعة لمجلس الأمن القومي، وُسّع الحضور فيها ليضم، إلى القيادات العسكرية والاستخبارية ووزيري الداخلية والدفاع، الوزراء الاقتصاديين، «ليعرضوا كل أوجه العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية، العسكرية منها والاقتصادية والقانونية والسياسية»، وفق بيان صدر عن الاجتماع.
أردوغان لأوباما: إسرائيل في طريقها نحو خسارة صديقها الوحيد في المنطقة
إلّا أنّ البيان لم يعلن قرارات أو إجراءات محدّدة بحق إسرائيل، مكتفياً بالتلميح إلى وجود صلة بين هجوم حزب العمال الكردستاني على القاعدة البحرية للجيش التركي في منطقة الإسكندرون، فجر الاثنين الماضي، من جهة، والجريمة الإسرائيلية من جهة أخرى.
وقال داوود أوغلو إنّ تركيا «ستبدأ من يوم غد الخميس (اليوم)، مشاوراتها مع دول الأمم المتحدة لتأليف لجنة تحقيق دولية تحاسب وتفرض تعويضات»، رافضاً فكرة لجنة تحقيق إسرائيلية على قاعدة «ما الذي يمكن توقعه من تحقيق تجريه دولة في وضع المتهم جنائياً؟ إنها أفعال إسرائيل التي تحتاج إلى التحقيق».
وأكد داوود أوغلو، رداً على سؤال، أن «مستقبل العلاقات مع إسرائيل يعتمد على موقفها. لا أرى سبباً لعدم عودة العلاقات إلى طبيعتها بمجرد الإفراج عن مواطنينا وإجراء تحقيق ذي صدقية ورفع الحصار عن غزة». ورداً على سؤال عن إمكان أن تقطع بلاده علاقاتها مع الدولة العبرية، سارع إلى الإجابة بأنّ حكومته «لديها أولوية العمل على استعادة أسراها وشهدائها، وبعدها نرى».
وعن اجتماعه مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون التي شرح لها «الخطوات التي تخطط تركيا لاتخاذها كمرحلة أولى»، كشف عن أنه أبلغها «أننا سنعيد النظر في كل العلاقات مع إسرائيل إذا لم يُفرج عن مواطنينا خلال 24 ساعة، أي بحلول هذه الليلة»، مشيراً إلى أنّ 210 مواطنين عادوا إلى تركيا من أصل نحو 400.
وعن احتمال إحالة أي مواطن تركي مشارك في سفن كسر الحصار على القضاء الإسرائيلي، حذّر داوود أوغلو من أنّ «محاكمة أي مواطن تركي، ستجعلنا نحاكم المسؤولين الإسرائيليين أمام القضاء التركي، وفقاً لمناصبهم ومسؤوليّتهم». وأضاف «لا يمكن أيّ دولة أخرى محاكمة المواطنين الأتراك أو أن تطلب منهم توقيع أوراق. سيعود مواطنونا إلى بلدهم من دون الخضوع لأي إجراء قانوني». وتابع «لا يحق لأي دولة محاكمة أشخاص اعتقلوا من داخل سفن كانت تبحر في المياه الدولية».
وتعليقاً على إعادة السلطات العبرية عائلات الدبلوماسيين الإسرائيليين من تركيا إلى حين انتهاء الأزمة، سعى الوزير التركي إلى طمأنة كلّ من الإسرائيليين ويهود بلاده، البالغ عددهم 20 ألفاً، إلى أمنهم الذي يبقى «مسألة تتعلق بشرف أمتنا وسنضمن سلامتهم مهما حصل».
بالتزامن مع ذلك، ذكرت وكالة «الأناضول» الحكومية أن وزارة العدل «تدرس إمكان إطلاق ملاحقات قضائية بحق إسرائيل، وستقرر بشأن إمكان بدء تحقيق يتولّاه المدّعون العامون الأتراك». ووفق الوكالة نفسها، فإنّ الوزارة تدرس قانون العقوبات التركي والقانون الدولي لتحديد تحركها، رداً على الاعتداء الإسرائيلي.
خطوة تزامنت مع شكاوى قدّمتها منظمات غير حكومية ومواطنون أتراك لمحاكمة مسؤولين إسرائيليين سياسيين وعسكريين. إحدى تلك الشكاوى قدّمتها جمعية إسلامية تُعنى بحقوق الإنسان لدى النيابة العامة في إسطنبول، تطالب فيها بمحاكمة كلّ من الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان غابي أشكينازي، بتهم القتل والتعذيب واحتجاز رهائن. كذلك رفع محام من إزمير وحزب إسلامي صغير، شكاوى مماثلة.
(الأخبار)