على نار هادئة جرت الانتخابات البلدية والمخترة في كسروان وساحلها والفتوح. في بعض القرى، تنافست الأحزاب، وفي أخرى توافقت تحت شعار الإنماء البلدي. وفي كلتا الحالتين، حسمت العائلات النتيجة في صناديق الاقتراع، دون أيّ إشكال يُذكر
ريتا بولس شهوان
لم تأخذ المعركة في كسروان طابعاً سياسياً إلا في بعض المناطق، حيث لم يكن للتوافق تحت شعار الإنماء، مطرح. لكل قرية خصوصيتها، تقاليدها «الانتخابية» الملوّنة ببعض المحسوبيات العائلية، والتي إن عرف هذا الحزب السياسي أو ذاك «اللعب» على أوتارها، أكّد فوزه الساحق، حتى قبل صدور النتائج.
في زوق مكايل، على الخط الممتد من الشارع الرئيسي حتى البيت الحرفي الذي خصّصته البلدية لإجراء الانتخابات النيابية والبلدية، «بيطلع التاكسي مفوّل»: عائلة كاملة من أم وأب وجدّة وصبية سمراء انتهت للتوّ من تصفيف شعرها. تسأل الأم السائق «أديش بيتوجّب علينا؟». يضحك السائق. ينظر إلى خيمة لائحة «الريّس»، حيث الكل مشغول بإعداد مناقيش الزعتر وتوزيعها على المندوبين المتجوّلين. يغمز الأم ويقول «الريّس مكفّى وموفّى يا ستنا، إنتِ انتخبي وما عليكِ». تأخذ الأم قميصاً زهرياً عليه صورة المرشحة لمنصب المخترة جوزيان خليل. تنظر إلى زوجها وتقول «شفت شو بيعملو الزواقنيات، لو خلّيتني إترشّح». لا يقبل بتعليقها ويجيبها «ما شفتي كارلوس الجغل. ما كارلوس مرشّح كمان». يبدو ترشّح جوزيان عن المقعد «الزهري» إنجازاً تعيد جوزيان الفضل فيه إلى نهاد نوفل (رئيس بلدية الزوق منذ 46 عاماً، والمرشح في هذه الدورة أيضاً).
المعركة على البلدية والمخترة في هذه البلدة المؤلفة من 2100 مقترع، قاسية. فمن جهة، هناك التيار الوطني الحر الذي يحاول إثبات نفسه في الزوق، ومن جهة أخرى هناك المرشّح نوفل الذي اختار أعضاء لائحته بتأنٍّ، آخذاً في الاعتبار الحسابات العائلية والخدماتية، وهو يحاول إثبات أنه «رجل الإنماء» الوحيد في هذه المنطقة، فيعدّد إنجازاته المقبلة، كالملعب البلدي في الزوق الذي لم يُنجَز بعد.
يستنكر بعض العونيين ما حصل في مكتب نوفل عندما أتوا لزيارته بهدف التوافق لمصلحة الزوق، وكانوا آنذاك متأكّدين من قبوله التحالف معهم. لكن اتضح في ما بعد أن العونيين ارتكبوا خطأً تكتيكياً في درس المعركة، ما أخّرهم في اختيار مرشّحيهم الذين لم يجرِ اختيارهم إلا قبل يوم واحد من إقفال موعد تقديم الترشيحات.
ليس بعيداً من «مدينة السلام»، بدأت زوق مصبح تستعدّ منذ ساعات الصباح لخوض معركتها. هنا أيضاً، تفرض المنقوشة نفسها على الطاولة الانتخابية، قبل صندوق الاقتراع والحبر الأزرق الذي تأخّر وصوله إلى قلم الاقتراع في مبنى ثانوية زوق مصبح. المعركة

بالنسبة إلى أبناء زوق مصبح، «الكل ربح زيارات ولاد الضيعة»
عائلية بامتياز. يرفض المرشحون، كما الأهالي، الكلام في السياسة. كذلك يرفضون الإجابة عن سؤال «من سيربح؟». فبالنسبة إلى أبناء زوق مصبح، «الكل ربح زيارات ولاد الضيعة» التي تكثّفت في هذه الفترة. حتى إن المرشحين على اللائحتين المتنافستين أجمعوا على أن رئيس البلدية السابق الذي تولّى رئاسة البلدية ثماني سنوات، لم يقدّم الكثير من الخدمات الإنمائية. هكذا انقسمت العائلات بين لائحتين: لائحة الاعتدال ولائحة الإنماء البلدي.
وفي الطريق نحو غوسطا، البلدة التي شهدت تحالفاً «غريباً» بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، يبدو المشهد هادئاً. عائلات يقبل بعضها بعضاً، مراقبون من «لادي» يبحثون عن مخالفات غير موجودة، وخصوصاً أن علب الطعام الكرتونية لم تحمل هذه المرة أي دعاية انتخابية.
أما في كفرذبيان، فقد انسحب أحد المرشحين، تحت الضغط، ما خلط الأوراق قليلاً، ولكنّ طابع المعركة بقي عائلياً تماماً، كما هي الحال في كل من القليعات وحراجل. يختلف الوضع قليلاً في عشقوت وميروبا وعجلتون، حيث يبدو الوضع أكثر توتّراً، وخصوصاً أن تلك الضيع انقسمت سياسياً بين لائحتين: لائحة تابعة للقوات والكتائب وأخرى للتيار، ما أدى في بعض الحالات إلى توتّرات، كالحادث الأمني الذي حدث في عشقوت بين مراسل «أو تي في» وأحد مناصري اللائحة القواتية.
أما في فتوح كسروان، كغزير، غبالة، شحتول، زعيتر، فالمعركة عائلية بامتياز. والأجواء تتّجه صوب «الرواق». فالتشنّجات اقتصرت على القرى التي لم تغب السياسة فيها عن المعركة البلديّة.