أكّدت الحدت أمس أن الحدث الانتخابي في قضاء بعبدا. التيار الوطني الحرّ خاض معركته، أمس، في مواجهة كل الأحزاب المسيحية في 14 آذار، ليثبت حضوره المسيحي في تلك المنطقة

نادر فوز
آليات الجيش تملأ شوارع الحدت، والعناصر يحتشدون في ساحة ثكنة دكاش. دوريات سيّارة لا تتوقف، وإجراءات عند كل مفترق تؤكّد أنّ الحضور الأمني كان على مستوى المعركة. حتى إنّ هذه المنافسة الشرسة لم تتخلّلها أيّ «ضربة كف» أو حتى تلاسن بين الخصوم، وذلك حتى موعد إقفال صناديق الاقتراع التي استقبلت ما يقارب 50% من الناخبين. ومع حضور آليات الجيش، بدأت الحشود بالتراجع، وتوجّه كلّ بحسب انتمائه، إلى نقاط التجمّع المتّفق عليها، تاركاً ساحات المعركة للصناديق.
في المكتب الانتخابي الرئيسي لرئيس لائحة «لتبقى الحدت»، المدعومة من 14 آذار، حشود كثيفة من أهالي البلدة تنتظر إقفال صناديق الاقتراع. أعلام زرقاء مزيّنة بخارطة الحدت، وصور عملاقة لرئيس هذه اللائحة، طوني كرم، ووعود بأنّ الفوز سيكون الحليف الأول. نكتة هنا وأخرى هناك على أعضاء اللائحة المنافسة، لائحة «تضامن شباب الحدت». أما في مكتب «التضامن»، فتحضيرات متواصلة لمتابعة نتائج الفرز، وتأكيد على أنّ صناديق الشمبانيا مجهّزة للاحتفال، فيما كانت الماكينة الانتخابية للتيار تجهّز الأرقام النهائية لعدد المقترعين وتعيد درس الأصوات كلّ على حدة. وقد تابع النائب آلان عون هذه الأرقام متابعة متواصلة، فيما زميله، ابن الحدت، النائب حكمت ديب، أطلّ على شاشة الـ«أو تي في» جاذباً أنصار التيّار الذين تابعوه عبر مجموعة الشاشات المعلّقة في المكتب العوني.
وفي أحياء الحدت، اختلطت أعلام لائحتي «لتبقى الحدت» (المدعومة من 14 آذار) و«تضامن شباب الحدت» (المدعومة من التيار الوطني الحرّ)، مع أعلام ألمانيا والبرازيل والأرجنتين. حتى إنّ أعلام هذه الدول حضرت إلى المكاتب الانتخابية الملاصقة لمراكز الاقتراع. فلم يكن ينقص سوى تعليق لافتة: «ميسي يدعم لائحة كذا» لجذب أنصار النجم الأرجنتيني، وحثّهم لتأييد هذه اللائحة أو تلك. كانت هذه اللافتة لو رُفعت لغطّت البعد الطائفي لمعركة الحدت. فهذا النَفَس حضر بقوّة: «وعد الحرّ دين، بإذن الله سنعيد تمثال السيّد المسيح إلى ساحة الحدت». وأخرى تحمل الروح نفسها: «أراضي الحدت لأهلها»... ما أكد أنّ شدّ عصب «أولاد المنطقة» كان الهدف الأول للفريقين المتنافسين، لكون البلدة تجسّد المعركة الجدية الوحيدة في بعبدا بين القوى المسيحية، التيار الوطني الحرّ من جهة، والأحزاب المسيحية في 14 آذار من جهة آخرى.
أغانٍ قواتية قديمة يهتزّ لها الطرفان، ونظّارات «بشيرية» تتوزّع بين المندوبين والأنصار، تترافق مع وعود بالمحافظة على حقوق «أبناء الحدت»، أي المسيحيين، في ظلّ غياب ملحوظ للممثل التاريخي للمنطقة، النائب السابق بيار عبدو دكاش، الذي غالباً ما مثّل الاعتدال السياسي. فتقاربت الشعارات أمس وتلاصقت، ما أنتج معركة «كسر عظم»، عناصرها مفروزة ومحدّدة مسبقاً، بتحوّل الصراع من صراع سياسي و«إنمائي» إلى صراع على من يقدر على جذب المسيحيين أكثر.
بدأ يوم الحدت بسخونة ملحوظة، فالإقبال كان كثيفاً على صناديق الاقتراع منذ الصباح. وتراجع هذا الحضور تدريجياً مع تقدّم الوقت، لأسباب عديدة، أهمها جلسات الغداء العائلية الأسبوعية، حيث تسلّح الأهالي بـ«مناقل» شَيّ اللحم التي توزّعت على الشرفات المحيطة بمراكز الاقتراع، لترتفع الكؤوس بين الحين والآخر، ابتهاجاً بالفوز المنتظر. وبالقرب من مركز الاقتراع في القصر البلدي الجديد، قصة علاقة حب نسجت بين مناصر للتيار الوطني الحرّ و«رفيقة» له. ولو أنّ عمريهما لا يناهزان السادسة عشرة، فإنّ هذا الثنائي حضر منذ الصباح، فانطلق الغزل بعيداً عن الصراع الانتخابي. فقد جلسا بعيداً عند الرصيف المقابل لمدخل البلدية، يتجاذبان أطراف الحديث، فيما بذل مسؤول «النقطة العونية» جهوداً غير مجدية لحث الثنائي على العمل في توزيع اللوائح واستقطاب المقترعين المفترضين.

اختلطت أعلام اللائحتين المتنافستين مع أعلام ألمانيا البرازيل والأرجنتين
لم يفلح هذا المشهد الطريف في التخفيف من جدية المعركة، فيما راح التعب يحلّ على المندوبين والأنصار مع تقدّم ساعات النهار. فها هم يستفيدون من بضع دقائق لتناول سندويش روستو، ومن دقائق أخرى للاستراحة على أرصفة الشوارع، للعودة ربما بزخم أكبر في تقديم الدعم المعنوي للوائحهم.
اقتربت ساعة إقفال الصناديق، فتحرّكت آليات الجيش وبدأت بتوسيع الحصار حول مراكز الاقتراع، ما أسهم في إبعاد الحشود الذين توجّهوا إلى المكاتب الانتخابية.
وفيما كان اليوم الانتخابي ينقضي، تحدّث النائب حكمت ديب عن عمليات «بيع وشراء أصوات» في البلدة، مشدداً على وجود تجاوزات أخرى جرى حلّها. تنقّلت هذه الفكرة بين المراكز، فردّ القواتيون والكتائبيون بالإشارة إلى وجود خلاف بين العونيين وحليفَين لهم من عائلتي شرفان ولمع، وهو ما نفاه المسؤولون العونيون على الفور. وفيما أعاد حضور النائب نديم الجميل إلى الحدت، وزيارته مكتب «لتبقى الحدت»، رفع معنويات جمهور القوات والكتائب، ركّز العونيون على الأداء «الفاسد»، بحسبهم، الذي قدّمه الرئيس طوني كرم طوال السنوات الستّ الماضية.


برج البراجنة: اعتراض برسم المستقبل

لم يحضر أهالي برج البراجنة إلى مقرّ ناديهم الرياضي كما يفعلون صباح كل أحد. غابت النراجيل وأباريق الشاي عن صالة النادي، كما خلت أرجاؤها من النكات والتعليقات الأسبوعية. حتى إنّ حسينية البلدة لم تعجّ بالأهالي الذين توزّعوا بين مراكز الاقتراع في الأحياء ومكاتب المخاتير. فالمخترة أخذت الحيّز الأكبر من الاهتمام والمشاركة، لكون المعركة البلدية قد انتهت منذ إعلان التحالف العام لحزب الله وحركة أمل. ورغم أنّ الثنائي قد حسم النتيجة قبل موعد الانتخابات بأسابيع، بقي في برج البراجنة من رفض خيار الحسم. ليلى الحركة، غسان ناصر وفضل فرحات، ألّفوا لائحة بقيت أبوابها مفتوحة أمام أي مرشّح بلدي يتوافق مع طروحات الثلاثي. إلا أنّه لم ينضمّ أحد إلى هذه اللائحة التي طرحت بعض الشعارات «التقدمية» في مشروعها: لائحة مقاومة لكن بعيدة عن الطائفية، لائحة تطالب بتمثيل المرأة، لائحة تطالب بوجود مشروع انتخابي للترشّح على أساسه، لائحة تملك توجّهاً في السياسة لكنها غير حزبية، لائحة لا تملك من الإمكانيات ما يخوّلها مصارعة الحزب والحركة، ولا نائباً شعبياً كعلي عمار.
دخل الثلاثي المعركة الانتخابية وهم على يقين بأنّ الفوز لن يكون حليفهم، فكانت المعركة صراع إثبات وجود لا أكثر ولا أقلّ. وقبل انتهاء عملية الفرز، ليل أمس، أكد غسان ناصر رضاه عن النتيجة، بغض النظر عن نسبة الأصوات التي نالتها اللائحة.
فثمة ما يعوّض الخسارة، إذ ضمّت الصناديق أوراقاً بيضاء، وإن قليلة، كما أشار مطّلعون على عملية الفرز. وهذا يعني أنّ أهالي البرج ليسوا جميعاً مع مصادرة تحالف الحزب ـــــ الحركة للقرار، وأنّ ثمة «أرضية» يمكن العمل عليها في المرحلة المقبلة، لتحويل البرج إلى ساحة سياسية متعدّدة يمكن الجميع التمثّل أو التنافس فيها. قبل ساعات من انتهاء الفرز، كانت ماكينة الحزب والحركة تشير إلى الفوز بأكثر من 5000 صوت من أصل 7531 مقترع. الأصوات الباقية قد تمثّل في المستقبل أملاً بمنافسة الثنائية الحزبية.