رافق اعتصام حركات المجتمع المدني وتظاهراته سوء تفاهم دائم تقريبا مع الاجهزة الامنية والقوى العسكرية، منذ اليوم الاول للنزول الى الشارع ودخول مواجهة مع الطبقة السياسية. سيقت الى الاجهزة الامنية اتهامات شتى منها تشويه صورة الحراك، والى القوى العسكرية معاملته بقسوة وعنف.
لكن للاجهزة الامنية، شأن حملات المجتمع المدني، وجهة نظر.
بلا تردد، يقول مسؤول امني رفيع انه لا يستبعد وجود «اختراق» في صفوف الحراك الشعبي وداخل بعض حملات المجتمع المدني: «الغالبية الساحقة منهم سلميون عابرون للمذاهب والطوائف، يحملون مطالب محقة نشاطرهم اياها لأن احداً لا يسعه الا ان يصرخ صراخهم في حقوقهم في الكهرباء والمياه والعدالة والعمل والرواتب والاقساط المدرسية وانهاء ازمة النفايات والشؤون الحياتية الاخرى. هل يمكن لأحد ان ينكر الفساد في الحياة السياسية والعامة في البلاد، فيما الحراك يقول انه يخوض معركة ضد الفساد؟ قد يكونون يتوسلون المدينة الفاضلة. لكن هذا الحراك مخترق ببعض الاشخاص، من دون ان يعني ذلك ان كل مَن ينزل الى التظاهر مشروع مخترق. طبعا لا. لكن بين بعض رموزهم مَن يعمد الى تحريك ادوات في الاعتصامات بغية الوصول الى غايات بعيدة كل البعد عن مطالبهم المعلنة والمشروعة، وان يكن بعض شعاراتهم وهميا كالمطالبة باسقاط النظام. نحن نراقب هذه التجمعات على غرار «بدنا نحاسب» و»طلعت ريحتكم» وسواهما، ونتتبع حالات انسجامها وحالات تنافرها. المعطيات المتوافرة لدينا عن تحركات هذه الحملات انها تواجه اختلافا في الرأي، حاداً احياناً، ليس على المطالب فحسب، بل ايضاً على الاولويات. بينها مَن يريد السياسي يتصدر الحياتي، وبينها مَن يريد تصدّر الحياتي على السياسي. نعم، يمكنني القول ان العين مفتوحة على هذا الحراك. لاحظنا ايضاً، في معرض تبيان تناقض المواقف والشعارات، ان بعض الحراك رفع صور زعماء طوائف سرعان ما امتعض معتصمون ينتمون الى مذهب هذا الزعيم او ذاك، فاحتجوا وأنزلوا الصور تلك رافضين مسّ زعمائهم او جعلهم دعاية للاعتصام والتظاهر، وسوق الاتهام على انهم عنوان للفساد. كيف يمكن لهذا الحراك ان يستمر ويعيش طويلا في ظل هذا التأثير؟».

لا ادلة على
ضلوع سفارات وانما وسطاء يعملون على خط بعض الدول


هل يعتقد بأن الطبقة السياسية قادرة على التغلغل في هذا الحراك ومحاولة التلاعب به؟
يجيب: «طبعا. مراقبتنا الحراك جعلتنا نجمع معلومات واضحة عما يجري. هناك مشاركون في الاعتصامات والتظاهرات معروفو الولاء والانتماء الحزبي. وجوه ليست بريئة في هذا الدور، بل مكلفة مهمة محددة. لا أتحدث على المستوى السياسي فحسب، بل ايضا على المستوى الامني. هناك مَن يتغلغل في المعتصمين والحراك نعرفه تماماً. بعض من هؤلاء موقوفون كانوا قد ارسلوا الى التجمعات لافتعال شغب بتوجيه وتعليمات محددة توصلنا اليها. لم يكن هدف هذا الشغب بالضرورة ضرب حركة المجتمع المدني، بل تبادل تصفية حسابات سياسية بين اكثر من طرف، بعضهم ضد بعض».
هل يلاحظ تمويلاً غامضاً يقف وراء الحراك المدني وتوسع نشاطاته واستقطابه؟
يقول: «بالتأكيد ليست لدينا شكوك فقط حيال تمويل غامض، بل ثمة معطيات حسية متوافرة لدى الاجهزة الامنية. على قادة الحراك ان يوضحوا للرأي العام مصادر تمويل تحركهم الذي تدور حوله ظنون وشبهات بالنظر الى وجود عناصر تنظيم واجتذاب ووسائل حشد. ليس المطلوب منا كأجهزة امنية ان نطلب من قادة الحراك ان يفصحوا عن مصادر تمويلهم، بل لأن عنوان تحركهم هو الشفافية والوضوح والنصاعة ومكافحة الفساد والابتعاد عن البعد الخارجي، يقتضي ان يبادروا ويبرروا تمويل الامداد اللوجيستي بين ايديهم. كأجهزة امنية لدينا اكثر من شكوك. بل معلومات حيال هذا الامر. نحن لا نتهم دولاً وسفارات، وليست هذه مهمتنا، بل كشف الوقائع والحقائق والمعطيات. ليس هناك حراك واحد بل حراكات، ما يحملني على القول ان لكل منها اجندة مستقلة في بعض جوانب التحرك».
هل لدى الاجهزة الامنية ادلة؟
يقول المسؤول الامني الرفيع: «لدينا خيوط. كمسؤول امني لا اتهم، بل انطلق من الشكوك بغية الوصول الى الحقائق. انا على ابواب الوصول الى اليقين. لسوء الحظ ستقودنا هذه الخيوط الى كشف الضالعين في توريط بعض المجتمع المدني وحملاته وتجمعاته في ما ليس في أهدافه. ثمة دول متورطة. لا ادلة لدينا على ضلوع سفارات، وانما وسطاء يعملون على خطوط تلك الدول في اتجاهات عدة. لا اريد حصر الشبهة والشكوك بوجهة محددة، بل ثمة اكثر من لاعب خارجي. شكوكنا تدور على دول اجنبية، وليس عربية، لها اجنداتها».
هل من تواصل بين الاجهزة الامنية والحراك؟
يعقب: «يرفض الحراك التحاور مع السلطة بأوجهها كلها، بما فيها الاجهزة الامنية. لا يريد التواصل معنا، ما يصعّب مهمتنا. لكنه لا يعطلها ولا هو دليل عافية ابدا. ثمة نص مرجعي مستقى من احد الكتب اظهر لنا ان قادة الحراك يعتمدونه دليلهم في ما يسمونه انتفاضتهم، والبعض الآخر ثورتهم. دليل من جملة بنود ترسم مخططاً لسبل قيام ثورة وقيادتها، والوسائل التي تتوسلها بغية بلوغ اهدافها. من خلال مراقبتنا، لاحظنا ان الشبان يتقيدون بالتعليمات تلك حرفياً من الالف الى الياء كأنها خارطة طريق تحركهم. رغم انقطاع التواصل ورفض الحراك التحاور معنا، ليس للاجهزة الامنية سوى القيام بواجبها المزدوج، وهو حماية المتظاهرين واعتصامهم وفي الوقت نفسه منع الاعتداء على المنشآت والادارات والمقار الرسمية. حماية مؤسسات الدولة اولى مسؤولياتنا».
هل يخشى ان يفضي الحراك الى الاخلال بالاستقرار؟
يقول المسؤول الامني الرفيع اخيرا: «لاً، خصوصا في ظل نفوذ الطوائف والمذاهب الى هذا الحد. رغم كل سلبية التركيبة المذهبية والطائفية، فإنها لا تزال تشكل الضامن الفعلي لمنع العبث بالامن والتلاعب بالاستقرار. لا اعتقد ان للقيمين على الحملات والحراك المدني اجندة تقويض الاستقرار والامن، وليس هو في اهدافهم. ربما رد فعل المعتصمين كان احياناً عنيفاً على قوى الامن واعتدوا عليها، او حاول بعضهم مهاجمة الدوائر والمنشآت الرسمية واحتلالها. الا ان ذلك مرفوض حتماً».