صوّب المعلقون الإسرائيليون سهام انتقاداتهم اللاذعة باتجاه المستويات الإسرائيلية المسؤولة عن القرصنة التي تعرض لها «أسطول الحرية»، وطالبوا بتأليف لجنة تحقيق رسمية على خلفية ما عدّوه فشلاً سياسياً وعسكرياً وإعلامياً ودبلوماسياً
مهدي السيد
أجمع المعلقون الإسرائيليون على اعتبار عملية القرصنة البحرية التي تعرض لها «أسطول الحرية» عملية فاشلة بكل ما للكلمة من معنى، لأنها لم تفض إلى تحقيق أي من النتائج التي توختها الحكومة الإسرائيلية عند اتخاذها قرار اعتراض الأسطول بالقوة.
موجة انتقادات المعلقين الإسرائيليين لم تنبع من شعورهم بالحزن والأسى على أرواح الشهداء الذين قضوا، ولا انطلاقاً من رفضهم مبدأ الحصار على قطاع غزة، بل من التداعيات السلبية والضرر الإعلامي والسياسي والدبلوماسي الذي سيلحق بإسرائيل جراء الجريمة التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون، وخصوصاً أن العملية الإسرائيلية أعادت إلى الواجهة، بقوة أكبر، الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة من جهة، وأدخلت العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية في أزمة خطيرة، ما دفع إلى طرح العديد من الأسئلة طالت الجوانب التخطيطية، التنفيذية الدبلوماسية والسياسية لعملية القرصنة.
في هذا السياق، رأى المحلل السياسي في «هآرتس»، ألوف بن، أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في اختبار النتائج، وأنه يتعين فحص القرارات التي اتخذتها الجهات المخولة في إسرائيل. وفيما رأى بن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وشركاءه لا يستطيعون التهرب من مسؤوليتهم عن الأزمة، اشار إلى أنه كان يتعين عليهم مسبقاً التفكير بتداعيات العملية. وفي إشارة إلى خطورة الفشل الذي نجم عن العملية، طالب بن بضرورة تأليف لجنة تحقيق رسمية تطرح أسئلة في عدد من المجالات.
على المستوى التكتيكي، سأل بن عن سبب استخدام القوة لوقف الأسطول، وعن الخطة العملية التي قدمت إلى المستوى السياسي. وسأل عما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية قد قامت بمسعى دبلوماسي لوقف الأسطول، أو أنها سعت إلى المواجهة من دون أن تفحص بدائل أُخرى.
وفي خصوص الحصار على غزة، سأل بن عن غاية الحصار على غزة، وعما إذا كان مجرد استمرار تلقائي لسياسة الحكومة السابقة أم أن له غاية عملية.
بدوره، قال المراسل العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئل، أنه لا يمكن التقليل من أبعاد الضرر الدولي الذي ألحقته إسرائيل بنفسها. وأشار إلى أن العلاقات مع تركيا دخلت في أزمة خطيرة، من شأنها أن تصل إلى مرحلة قطع العلاقات الدبلوماسية.
وتوقف هرئل عند التداعيات المحتملة للعملية الإسرائيلية على الحلبة الفلسطينية، ولا سيما بين فلسطينيي 48، فأشار إلى احتمال اشتعال النار على الحدود مع قطاع غزة أو داخل الضفة، إضافة إلى الخشية من حصول موجة احتجاجات شديدة بين فلسطينيي 48 على خلفية التقارير التي تحدثت عن إصابة الشيخ رائد صلاح.
وفي تقويمه للعملية، عدّها هرئل «فشلاً عسكرياً مدوياً»، وقال إنها «لم تحقق هدفها: السيطرة المعقولة على الأسطول». ورأى أن ثمة نقاطاً عدة تحتاج إلى فحص، وفي مقدمتها طريقة تنفيذ العملية، ونوعية المعلومات الاستخبارية.
لكن صلب الموضوع، كما يشير هرئل، يتمثل في أن القرارات التي صدرت عن المستوى السياسي تفرض فحصاً دقيقاً لكل قرارات المستوى السياسي والأمني الكبير: من فرض الحصار الفاشل على غزة، وصولاً إلى ضلوع كبار المسؤولين في التصديق على خطة السيطرة العسكرية.
ويرى هرئل أنه في ضوء الظروف الصعبة لن يكون هناك مفر من تأليف لجنة تحقيق، متوقعاً بدء سماع روايات متناقضة واتهامات متبادلة بين المسؤولين الإسرائيليين.
من جهته، تطرق روعي كاتس، في موقع «walla» الإخباري، إلى الفشل الإعلامي الإسرائيلي، فأشار إلى أنه رغم الاستعدادات الطويلة، فإن «حكومة إسرائيل تترك مرة أخرى الساحة الإعلامية، ومرة أخرى خسرنا مسبقاً».
وقال كاتس: «إن مواطني إسرائيل يتلقون منذ الصباح التقارير الأجنبية في كل ما يتعلق بالورطة في عرض البحر. كأننا لم نتعلم شيئاً، وتركت الحكومة والجيش الساحة الإعلامية خالية كلياً.
من الممكن القول على نحو أكيد إننا خسرنا المعركة على شاشات التلفزة، ورغم الاستعدادات السياسية والعسكرية والإعلامية منذ أسابيع، تبين أن الحكومة الإسرائيلية ضبطت وهي غير جاهزة». وقال: «يجب أن نتفرغ بسرعة للمعركة العنيفة التي لا تقل أهمية على شاشات التلفزة».
وتحت عنوان «فشل جديد للجيش الإسرائيلي»، قالت «يديعوت أحرونوت» إنه «في الوقت الذي أصبحت فيه عملية السيطرة على القافلة إلى غزة من ورائنا، يبدو أن العاصفة لا تزال أمامنا وسيطلب من الجيش الإسرائيلي تقديم توضيحات للأحداث
القاسية».
وبحسب الصحيفة «سيطلب من الجيش فحص استعداد القوات التي شاركت في الحادثة، والوسائل التي أعطيت للمقاتلين، والطريقة التي تصرفوا بها على السفن وكذلك إدارة العملية على مستوى القيادة العالية جداً».
ورأت «يديعوت» أن «منظمي الأسطول، الذين تعهدوا صدّ عملية السيطرة بواسطة سلاح الدعاية، وليس بالعنف، نجحوا في جذب صور الفيديو الحية من البحر وبثها. وحتى هنا، قد يبدو فشل الجيش الإسرائيلي، الذي تعهد في الأيام الأخيرة منع هذا النصر الإعلامي عبر قطع الإرسال».
ورأت «يديعوت» أنه «بعد الانتهاء من القضية المؤلمة، يبدو أنه سيطلب من إسرائيل العمل الحثيث أيضاً على المستوى الدبلوماسي. الضرر الذي لحق جراء صور السيطرة القاتلة يتطلب إطفاء الحريق حتى في ميدان الدعاية في العالم».