تذمُّر المرشحين الاختياريّين في دائرتي بيروت الثانية والثالثة من انخفاض نسبة المقترعين أمس، قابله ارتياح رؤساء الأقلام، ففرز الأصوات القليلة لن يطول قبل إعلان النتائج
محمد محسن
هل دفع مخاتير بيروت ثمن حسم معركتها البلدية قبل بدايتها؟ أم أنّ سبب انخفاض التصويت في الصناديق الاختيارية، يعود إلى تذمّر البيروتيّين من لاعبي السياسة في العاصمة؟ أم هي التحالفات الحديدية التي ألّفتها الأحزاب الفاعلة تجنّباً للدخول في معركة أحجام جديدة؟
مهما تكن الإجابة، فالمحصّلة تشير إلى أن انتخابات بيروت الاختيارية كانت باردة جداً، إن لم نقل ترفيهيّة. أصوات الناخبين فيها تحتاج بالكاد إلى ساعتين لتفرز بعدها الصناديق مخاتير العاصمة الجدد. بعض مندوبي لوائح المختارين سئموا من قلّة العناصر، فرموا لوائح ألصقها الحَرّ بأكفّهم. وحدهم المرشحون للمخترة لم يبارحوا الساحة منذ طلوع شمس يومهم الانتخابي. كثيرون منهم تخلّوا عن الثياب الرسمية، واستبدلوها بسراويل الجينز والأحذية الرياضية. ومن مكاتبهم الصغيرة، أداروا شبه المعركة التي حصلت أمس. ومع تقدّم ساعات النهار، تبيّن لكثيرين منهم أن مفاتيح التصويت التي استخدموها في الانتخابات النيابية، صدئت، إذ لم تنفع في جذب نسبة عالية من المقترعين.
في مكاتب المختارين، تنحَّت طلبات بيانات القيد والهويات جانباً لتحلّ مكانها اللوائح والصور وسجلات توزيع الناخبين في الأحياء. يصعب أن تحظى بحديث مع مختار. الناخبون أَولى، شخصياً أو عبر الهاتف. المرشّحون يتخلّون عن «وجاهتهم»، يحملون لوائحهم، ويعطونها يداً بيد لبعض الناخبين كبادرة احترام لصوتهم.
في الباشورة، حفظ المختار مصباح عيدو أماكن توزيع أقلام الاقتراع عن ظهر قلب. يرفع 3 لوائح ويسلّمها إلى جاره، له ولزوجته ولابنه، ويدلّهم إلى أقلامهم. أمام مكتبه الصغير طاولات كبيرة وماكينة متمرّسة عمرها 12 عاماً منذ انتخابات عام 1998. منذ الثامنة صباحاً بدأت تصل إلى مكاتب المخاتير في الباشورة لوائح ملغومة، شُطب منها اسم أحدهم ووُضع مكانه اسم مرشح جديد. على الفور تُمزّق اللوائح وتُستبدَل بالصحيحة. أما تحت جسر البسطة، فـ3 أعلام لحزب الله، تظلّل شباناً يدلّون جمهورهم إلى أماكن أقلام الاقتراع. في الأقلام ذات الثقل الشيعي، يلحظ الزائر تفاوتاً في حجم الأصوات، إذ إن الصناديق الاختيارية امتلأت بأصوات أكثر ممّا امتلأت به الصناديق البلدية، فيما تساوت البلدية والمخترة في الأقلام ذات الثقل السنّي. في زقاق البلاط، لا تعرف امرأة فيليبّينية ـــــ لبنانية أيّ مختار انتخبت. عدم معرفتها ليس مؤثّراً، فصوتها لن يُحتسب، بعدما وضعت ظرف المخترة الأسمر، في صندوق البلديات.
الصورة الباهتة في الباشورة وزقاق البلاط، تتبدّد قليلاً في المزرعة والمصيطبة. في الأولى، تبدو منطقة الطريق الجديدة مختلفةً عمّا سواها. أغانٍ لتيار المستقبل تجوب الشوارع، يخرقها لبرهة صوت ماجدة الرومي في أغنية «ست الدنيا»، التي استعان بها المرشّح عبد الرحمن العبيدي. فيما تحوّل مكتب المرشح صالح العرب قرب مستشفى المقاصد إلى ما يشبه غرفة العمليات. فالطريق الجديدة هي الخزّان البشري لتيار المستقبل، فضلاً عن أن ارتفاع نسب التصويت نسبياً في مدارسها، يعود إلى سببين رئيسيين: انتماء رئيس لائحة «وحدة بيروت» بلال حمد إليها، وضرورة أن تنجح لائحة المخاتير في المزرعة «زي ما هيي»، كي لا يخترقها 4 مرشحين لجمعية المشاريع. أمّا التصويت في المصيطبة، فكان مشابهاً لما جرى في الطريق الجديدة، وأقوى بكثير من رأس النبع ورأس بيروت. فالمنطقة تضم 70 ألف صوت على امتداد أحيائها المليئة بالمندوبين. مخاتير تحالف الأحزاب لهم ماكينتهم التي تشاركها ماكينة الجماعة الإسلامية، بوجه ماكينة لا يستهان بها على مستوى الانتشار والحضور الميداني نشرتها جمعية المشاريع. أبدى جميع المرشحين تفاؤلاً بدأ يتبدّد مع كل ساعة تقترب فيها الصناديق من ساعة الإغلاق. وكلّما اقتربت ساعة إغلاق الصناديق، كانت وجوه المدعومين من الأحزاب ترتاح، فيما المستقلّون يبدون تذمّرهم من «محدلة» أطاحتهم. انتخابات المخترة لم تغيّر شيئاً. عادت الوجوه ذاتها لستة أعوام قادمة. التحالفات السياسية فرضت كلمتها، حتى وإن قال السياسيّون إنّ انتخابات المخترة في بيروت إنمائية.