ساعات معدودة من الهدوء شهدها قصر الرئيس نبيه بري في المصيلح أمس، قبل أن يزدحم مجدداً مع إقفال صناديق الاقتراع، مستعيداً الازدحام الذي يعيشه منذ أكثر من شهر تحضيراً للاستحقاق
المصيلح ــ آمال خليل
أثبتت المصيلح، خلال الشهر الذي شهد تحضيرات الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب، أنها قادرة على أشياء كثيرة. القاصي والداني، يجد في القصر مطبخ الاستحقاقات في ظلّ من يدير اللعبة. هنا، تدافع الكثيرون خلال الأيام الماضية لأخذ موعد من موظف كبير أو صغير، يتوسطون لديه لضمّه إلى اللوائح التوافقية. ضمّت المصيلح أسماءً وحجبت أخرى. أعلت نجم واحد، وأسقطت أسهم آخر «واللي مش راضية عليه المصيلح الله يعينو»، يردد كثيرون. المفارقة أن لا بلدية للمصيلح، التابعة عقارياً لبلدة المروانية في قضاء الزهراني، إذ يقترع سكانها ذوي الأكثرية السنية في بلدة النجارية المجاورة.
قبيل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، كان مطبخ المصيلح بإشراف «الشيف» نبيه بري لا يزال يحاول تزكية بلدات أو التخفيف من حدّة المعركة في بلدات أخرى. وإذا استدعى الأمر اتصالاً من الرئيس إلى مرشح اختياري أو بلدي، فهو حاضر للأمر من أجل التوصل إلى اتفاق، أو إلى تزكية. بل إن بري كان استقبل قبل ساعات، إحدى المرشحات إلى بلدية صور، التي كانت قد أخّرت إعلان التزكية في المدينة. سمعت الشابة كلاماً حلواً عن تقدير الأستاذ لقرار انسحابها تمهيداً للتوافق، وإيمانه بدور النساء وزيادة حضورهنّ. قبل ذلك وبعده، تناوب معترضون ومتمرّدون ومكسورو الخاطر على لقائه، تلبية لطلب منه أو حتى العكس.
وشهدت زوايا القصر خلال الأيام الماضية خروج العديد من الحركيين، غاضبين بعد رفضهم الامتثال لأوامر القيادة بالانسحاب من المعركة، وإلغاء اللوائح التي ألفوها ضد اللائحة التوافقية. من خضع نال جائزة ترضية، أما من تمرّد فعقابه جاهز خلال الأيام المقبلة. فالقصر يستعد لإعادة ترتيب البيت الداخلي بعد تقويم الانتخابات البلدية، واستناداً إلى الجهد غير المسبوق الذي بذله المسؤولون الكبار في التسوية بين العائلات وأجبابها وأفخاذها، وصولاً إلى الإخوة الأعداء في ما بينهم. لقد تعب القصر من جمهوره، الذي لا يملك إلا أن يسايره بالطرق المناسبة، مسجلاً عتبه على بلدات قليلة أتعبته قبل أن تستكين في النهاية إلى قراره. إلا أن الأستاذ أكد أنه لن يطرد المزيد من طلابه عقاباً لهم على عصيانه، بل سيحوّلهم إلى التحقيق والتأديب أو سيزيحهم من مواقعهم لمصلحة تشكيلة جديدة.
كلّ هذا كان قبل يوم الاقتراع، الذي شهد هدوءاً ملحوظاً أمس. لا طوابير تنتظر لقاء سيد القصر أو أحد أقرب مساعديه. لا تدافع في الطلبات والخدمات والشكاوى من البلدات. ملامح الرئيس نبيه بري كانت توحي بالهدوء أيضاً. تلقاه مرتاحاً على أحد مقاعد حديقته، ما يعكس اطمئناناً دفيناً لوفاء الجنوبيين له. أحد مظاهر الاطمئنان التي نسجها لنفسه، التزامه القصر أمس مع عائلته واحتجابه عن التوجه إلى بلدته تبنين للاقتراع لأن «النتائج محسومة بشبه التزكية، فلا داعي للأمر».
وللمرة الأولى في الانتخابات النيابية والبلدية، لم يكلّف الرئيس نفسه عناء الانتقال من الطبقة العليا للقصر، حيث يتسامر مع الأبناء والأحفاد، إلى الطبقة الأرضية للاطلاع على نتائج فرز الأقلام التي تتابعها الماكينة الانتخابية وتفقد أحوال القرى. بل كان يطمئن من بعيد إلى الوضع الذي حسب حساباته جيداً، ما يعطيه نتيجة «ع قد الخاطر»، ولا سيما في بلدة الغازية التي يعدّها من الإنجازات المهمّة.
إلا أن التزكية، أو التوافق، في العديد من القرى، وإن حجب الوفود فهو لم يلغ الحاجة إلى عشرات الاتصالات المطمئنة أو الناقلة لسير الانتخابات هنا وهناك. وكلّ توتر كانت تصل أصداؤه إلى المكان، كان القصر يعلن براءته منه ويضعه في جيب التنافس العائلي والخلافات الشخصية.

بقي الرئيس يتسامر مع الأبناء والأحفاد مطمئناً إلى نتائج فرز الأقلام
هذا لا يمنع بري من إبداء دهشته بـ«التعنّت» الذي أبدته بعض العائلات في الإصرار على حصتها في التمثيل، أو الصراع في ما بينها من أجل الانتخابات على غرار الرجل الذي طلّق زوجته في قضاء صور، أو البلدة التي خاضت معركة تخليصاً لمشاكل مطلقين وعائلتيهما. وإذا بالرجل الذي ينادي بإلغاء الطائفية، يجد نفسه يبدأ من الصفر لإلغاء الفخذ والعشيرة والعائلية. ولا يخفي البعض هنا بأنهم قد لا يعيدون الكرة بترك الساحة للعائلات لتقرّر سير المعارك الانتخابية.
يتبدّد الهدوء مع إقفال صناديق الاقتراع وتشغيل محرّك الماكينة الانتخابية. يبدأ بعض المسؤولين بالتوافد على التوالي لتلقف النتائج جماعة. ما هي إلا ساعات قليلة حتى يستعيد القصر زحمته المعهودة. فتنهال الاتصالات على الرئيس ومساعديه من مختار يهدي فوزه للمصيلح، أو مرشح متمرّد خاسر يطلب موعداً عاجلاً للرجوع عن الخطأ، أو رئيس بلدية قريب قد بدأ وضع خطة عمله البلدية من المصيلح التي سيستعين بها على قضاء حوائجه وحوائج بلدته الإنمائية والخدماتية. حتى إن عتم الليل لم يمنع البعض من حمل فوزه الطازج لرميه في أحضان المصيلح، قبل أن ينام ملء ولائه لها.


برّي: الجنوب ثلاثة بواحد

أعرب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن ارتياحه للأجواء التي سادت الانتخابات أمس مجدّداً تأكيده «أن التوافق بين حركة «أمل» و«حزب الله» هو من أجل حفظ وحدة لبنان وحمايته»، مستغرباً «الكلام عن العائلات بطريقة وكأن التوافق هو ضد العائلات». وقال في لقاء مع مندوبي وسائل الإعلام في المصيلح: «ليطلعوا من لعبة الجنوب ثلاثة أثلاث، فالجنوب ثلاثة بواحد، وحدة لبنان، وحماية لبنان والوقوف في وجه العدو الاسرائيلي». أضاف: «لولا هذا التوافق لما حصلت التزكية في أكثر من 60 مدينة وبلدة وقرية».
ودعا إلى «أخذ الدروس مما حصل، وتعديل قانون البلديات ككلّ بما فيه الجزء الانتخابي، وهنا لا بد أن أشير الى أن على المجلس النيابي أن يؤدّي دوراً أساسياً لفرض الكوتا النسائية بنسبة 30% لا 20%، وأن ينجز اللامركزية الادارية ليكون التنافس من أجل الانماء لا من أجل الوجاهات». أضاف: «للأسف هناك محاولات دائماً للتفتيت، لقد كنا نطالب بإلغاء الطائفية السياسية، ثم أصبحنا نريد التخلص من المذهبية والعشائرية، من هنا أهمية تعديل قانون الانتخابات ليصبح التنافس على أساس البرامج ويعيد أفق اللبناني الى أوسع».
ورداً على سؤال عن الحكومة وأدائها أجاب: «نحن ننتظر ولم يصلنا حتى الآن شيء بيدنا في المجلس حتى الآن، بل يتحزّرون كيف توضع الموازنة، وأقول المطلوب تطبيق الدستور والقانون ونحن بلد عريق في الديموقراطية وتطبيق القانون».
وقال عن زحمة الوفود إلى لبنان: «تأكدوا تماماً هم لا يأتون إلينا ليقولوا لنا نريد حمايتكم بل يريدون إخافتنا مما لا نخاف منه، وهذا كلّه تهويل في سبيل إحداث دخان تمرّ عبره المحادثات الفلسطينية الاسرائيلية على حساب فلسطين، وهذا ما حذّرت منه في مؤتمر اتحاد برلمانات دول منظمة المؤتمر الاسلامي، لكن هنا أريد أن أوضح أن ليس غاية كل الوفود على هذا الشكل». وعن زيارات الرئيس الحريري الى الخارج أجاب الرئيس بري: «السفر فيه بركة».