في مثل هذا الشهر من عام 1960 انتخبت نقابة المحررين في لبنان نقيباً لها. لم يخطر ببال أحد يومها أن الصحافي ملحم كرم، النقيب الجديد، سيبقى متربعاً على العرش لمدة 50 سنة. إذ إن أسلافه العشرة أمضوا في مناصبهم بين السنتين والأربع سنوات حداً أقصى. لكن أجيالاً من الصحافيين تخرّجت وعملت وتقاعدت، والنقيب واحد. حروب واجتياحات وتبدلات سياسية مرّت على لبنان، والنقيب واحد. محررون قُتلوا، لوحقوا، قُمعوا وصُرفوا والنقابة كانت تتحرك... فتصدر بيانات استنكار!
صباح أيوب ــ ثائر غندور
«يحتفل» المحرّرون اللبنانيون هذا العام بمرور 50 عاماً على تنصيبهم نقيباً واحداً. 50 عاماً من الحقوق المغيّبة، من الانتخابات الصورية، من العمل النقابي المشلول، من التبعية والاستزلام. 50 عاماً من الصمت والتكتم على إحدى أكبر المغاور السوداء في إدارات البلد الرسمية. فماذا عنها؟
النقابة تعريفاً هي إطار فئوي يمثل مصالح شريحة معينة من الناس. نقابة المحررين في لبنان لا تشبه بشيء هذا التعريف، ولا تطبق معاييره. فبدل أن تضمّ هذه الهيئة التمثيلية كل صحافيي البلد وفق شروط تضعها من خلال قانون محدد (كما هي الحال في باقي نقابات المهن في لبنان)، ها هي تتحول إلى دائرة مقفلة مفتاحها بيد النقيب، وتضم فئة محدودة من المنتسبين موزعين حسب كوتا طائفية وسياسية وفئوية ضيقة.
النقابة تعريفاً، هي الإطار الدستوري الذي يدافع عن حقوق العاملين في مهنة معينة ويرعى مصالحهم ويحميهم. والحال اليوم على الشكل الآتي: لا ضمان صحياً للمحررين، لا ضمان شيخوخة، لا معاش تقاعدياً، لا تسهيلات في العمل، لا وسيلة ضغط للدفاع عن الحريات ورعاية الحقوق المهنية للصحافيين.
النقابة منطقياً يجب أن تمثل مصالح العمال عند أرباب العمل، لا العكس كما هي حال النقابة المتمثلة بالنقيب الذي يحرص على علاقات «طيبة» مع أصحاب الصحف، وهو واحد منهم!
أكثر من نصف صحافيي لبنان العاملين في مؤسسات مرخصة ليسوا أعضاءً في النقابة. إذاً، أكثر من نصف الصحافيين هم قانونياً «منتحلو صفة» لا يحق لهم ممارسة المهنة. هكذا عندما يحلو للنقيب أن «يعاقب» صحافياً، يمكن أن يتهمه بخرق القانون والعمل على نحو غير شرعي (كما حصل مع الصحافي يوسف بزي). كيف تجري الأمور داخل النقابة إذاً وما الذي يمنع كل المحررين من الانتساب إليها؟

روايات المنتسبين وغير المنتسبين

يأس وتهكّم يطغى على حديث معظم أعضاء النقابة الذين فضّلوا عدم الكشف عن أسمائهم خوفاً من المحاسبة. أحد أعضاء المجلس النقابي وصف النقابة بـ«الجسم المريض الفارغ». هو يسلّم بأن الهيئة التمثيلية لا تقوم بدورها، وباتت مهمتها «القيام بالزيارات وإصدار البيانات التافهة فقط!». عضو آخر منتسب يبدي يأسه من الوضع. فهو انضمّ إلى النقابة «ليغيّر من الداخل»، لكنه اصطدم بعقبات كثيرة تمثلت بقانون تنظيم المهنة القديم، وسيطرة النقيب على النظام الداخلي والانتخابات والانتسابات، إضافة إلى غياب الوعي لدى المحررين. «حاولنا أن نؤلّف نقابة أخرى بديلة لكن عددنا كان قليلاً. المحررون مخدّرون وغير واعين لمصالحهم»، يقول أحد المنتسبين. وفيما «المجلس النقابي طُعّم أخيراً بدم جديد»، فإن الكل يؤكد أن المنتسبين الجدد حصلوا على «رضى النقيب»، إذ دخلوا ليكملوا خارطة التوزيع الطائفي والحصص المخصصة لكل جريدة.
الصحافيون من خارج الجدول النقابي (وهم يمثّلون الأكثرية) غير راضين عن الوضع أيضاً. منهم من حاول مراراً الانتساب إلى النقابة، ولكنه فوجئ بأن «طلبه كان يضيع» في كل مرة. البعض الآخر يرى الضعف في الجسم الصحافي الذي لم ينجح بتغيير الوضع المتردي منذ أكثر من 20 سنة. يقول الصحافي والأكاديمي جورج صدقة إن «المطالبات بفتح الجدول النقابي وإجراء انتخابات شفافة وتحديث القوانين هي مطالبات قديمة لكنها فردية». ويشير صدقة إلى أنّ «المحررين مقصّرون أيضاً بعدم التحرك جماعياً وبفعّالية». يصف صدقة وضع المؤسسات الإعلامية في لبنان من نقابتي الصحافة والمحررين ووزارة الإعلام بأنها «بنى إعلامية عجوز لا تعرف ماهية دورها بالضبط». ماذا عن الحلّ؟ يرى صدقة أنّ «التغيير لا يحدث بالقوة، والمطلوب هو إيقاظ الوعي عند النقابيين والجسم التحريري في البلد».
ربما لا يدرك معظم الصحافيين الجدد أنّ من حقهم أولاً الانضمام إلى النقابة تلقائياً لمجرّد استيفائهم شروط نيل الشهادة الجامعية والعمل في مؤسسة صحافية. لكن هذا الحق معطّل، وبات مرتبطاً بفتح باب الانتساب الذي يخضع لمزاجية النقيب. هم لا يدركون أيضاً أن من حقهم أن يكونوا مضمونين صحياً، وأن يؤمَّن لهم معاش تقاعدي عند نهاية الخدمة.
كما أنّ من حقهم أن يكونوا «مدعومين» من هيئة رسمية تصون حقوقهم كعمال عند أرباب العمل، ناهيك بالتسهيلات والخدمات التي يمكن أن تؤمنها النقابة لأعضائها، كما تفعل معظم نقابات لبنان، كالمحامين والأطباء والمعلمين وعمال شركة الكهرباء...
النقابة تؤمّن عادةً شعوراً «بالوحدة»، يقول أحد الصحافيين الشباب الذي يتذكر كيف حصل على حماية نقابة الصحافة في إحدى الدول الأوروبيّة تلقائياً بعد وصوله إلى البلد.
لكن الشاب عاد إلى مؤسّسته في الوطن الأم منذ فترة، وقرّر أن يُثير موضوع نقابة المحررين انطلاقاً مما لمسه من اختلاف بينها وبين نظيراتها في الخارج. أعطته مؤسسته الضوء الأخضر للقيام بتحقيق صحافي. وبعد إنجاز العمل الميداني، اكتشف أن «أخطبوطاً ما قام بعشرات الاتصالات لمنع بث الموضوع»، كما يقول. لكن مؤسسته حمته وأصرّت على بث التقرير. فخرج الشاب بخلاصة تقول: غريب أمر النقابة، بدل أن تحمي الصحافيين من تدخلات السياسيين، ها هي تتدخل لتحرّض على منعهم من تأدية واجبهم المهني. ليس في هذه الرواية من جديد. هي تكرار لتجارب العديد من الصحافيين. منهم من كتب موضوعه، وجهّزه، وغادر مؤسسته ليلاً على وعد النشر، وفوجئ في اليوم التالي بأن الموضوع لم يُنشر. يتهكّم أحد هؤلاء ويقول: «ربما تُنشر ورقة نعوتي في مؤسستي قبل أن أتمكن من نشر موضوع عن تلك المافيا المتحكّمة برقاب الصحافيين».
أما الصحافيون الذين تعرضوا للصرف من مؤسساتهم، فلديهم تجاربهم الخاصة مع «نقابتهم».
كتبت الزميلة مي عبود أبي عقل في جريدة «النهار» بتاريخ 15 تشرين الثاني 2002 بعد إقفال قناة الـMTV: «أردنا القيام باعتصام رمزي لمدة ساعة فقط، ندعو فيه الصحافيين والإعلاميين فقط، وممنوع دخول السياسيين أو أي أطراف أخرى، واخترنا المكان نقابياً نستظل به ولا نكون مضطرين إلى طلب ترخيص من أحد. لكن الجميع رفض استقبالنا: نقابة المحررين، نقابة الصحافة، الاتحاد العمالي العام، وحتى نادي الصحافة». وهذا ما يسلّط الضوء أيضاً على غياب نقابة للعاملين في قطاع المرئي والمسموع الذين لا يملكون أية هيئة تمثيلية ترعى حقوقهم لغاية اليوم.
أما المصروفون أخيراً من الصحف، فهم «لم يفكّروا بقصد النقابة لاسترجاع حقوقهم»، بل قصدوا القضاء مباشرة لدرايتهم بأن «النقابة لن تجدي نفعاً ولن تحصّل لهم حقوقهم». تقول مي ضاهر يعقوب، الصحافية التي صرفت أخيراً من «النهار»، أنها لم تلجأ إلى النقابة لأن «في ذلك تضييعاً للوقت». وهي تذكّر بأن نقابة المصوّرين ضغطت على إدارة «النهار» عام 2000، فنجحت بالحصول على تعويضات للمصوّرين المصروفين تعسّفاً من الجريدة، لكن نقابة المحررين لم تحرّك ساكناً في قضية الصحافيين لا في عام 2000 ولا في 2009.
ولكن إذا كانت النقمة على أداء النقابة بهذا الحجم، والاعتراف بأخطائها واضحاً من الداخل والخارج، فكيف يعيد الجميع انتخاب النقيب كل 3 سنوات ولا يجرؤ أحد على التغيير؟

يوم انتخابي نموذجي

تبدأ حملة النقيب الانتخابية حين يدفع المجلس النقابي للاستقالة قبل أوانه ويعيّن موعداً جديداً للانتخابات فوراً. يبدأ كرم بالجردة: يُتَّصل بالصحافيين لتبليغهم بالحضور للانتخابات في تاريخ معين. وهنا يروي أحد الزملاء أنه علم بأنه أصبح عضواً في النقابة عندما اتصل به النقيب ليدعوه إلى الاقتراع، مؤكداً له أنه قُبل طلبه بعد دورتين من المحاولات الفاشلة!
ومن الأمور المثيرة للعجب أن انتخابات النقابة تجري دائماً قبل أشهر من الانتخابات النيابيّة. وقد حصلت آخر انتخابات في أيار 2009، وصدر خبر تزكية كرم ولائحته يوم الاثنين 18 أيار 2009.
ومن المفارقات التي يُسجّلها الزميل عماد موسى في مقال له: «أن النقيب كرم، وخلال مهلة الترشيحات التي دامت 3 أيام (بنهاراتها ولياليها)، تلقى 1052 اتصالاً من الأعضاء المسجلين على الجدول النقابي والبالغ عددهم 1092، ومحض فيها أصحابها النقيب كرم ثقتهم المطلقة له وللائحة التي يرأسها. فبحساب بسيط يتبين أن النقيب تلقى ما معدّله 350 اتصالاً في اليوم، أي بمعدل 35 اتصالاً في الساعة، إذا اعتبرنا أن النقيب يعمل 10 ساعات في اليوم. ويبدو لي أن استعلامات أوجيرو تعجز عن استيعاب هذا الكم من الاتصالات التي تلقاها النقيب».
ويروي موسى ما يجري معه قبل الانتخابات: اتصلت بي سكرتيرة كرم وقالت «النقيب بدو يحكيك». وأذكر ما قاله لي حرفياً وباستعجال «عماد حبيبي عاوز من وقتك 10 دقايق». فهمت منه حينها أن عرس التجديد له قد زفّ. سألته سؤال الجاهل: ما المناسبة؟ فأجاب «ولو حضرة الزميل كرمال الانتخابات بالنقابة!».
يحين الموعد المنتظر، «صالون» النقابة يفتح على وسعه، النقيب واقف في صدر الدار وبجانبه أحد مساعديه. يدخل أحد المقترعين، فيهمّ مساعد النقيب بهمس اسم الصحافي الداخل في أذن النقيب كي يتعرف عليه بسرعة. «أهلاً أهلاً بفلان... تفضّل هذه الورقة، ضعها هناك في الصندوق». يتناول المقترع ورقة لا يدري ما محتواها ويسقطها في الصندوق. وهكذا يتقدم المشاركون كل بدروه بنسبة اقتراع تفوق الـ90% من المسجلين على الجدول النقابي. وبعد ساعات قليلة، تصدر النتيجة: 100% نعم للنقيب ملحم كرم. «هناك شبه تسليم منذ سنوات بأن النقيب بات كبيراً في السن، ويجب مراعاته وعدم إحباطه في الانتخابات»، يقول أحد أعضاء مجلس النقابة الذي دأب على المشاركة في الانتخابات دون سواها من النشاطات.

حقوق وامتيازات مُصادرة

قدمت نقابة المحررين للمنتسبين لها عدداً من المكتسبات على مر السنين، لكن تمّ التنازل عن معظمها تباعاً:
حسم خمسين في المئة من فاتورة الهاتف الثابت.
حسم خمسين في المئة من قيمة تذكرة السفر (درجة أولى) على طيران الشرق الأوسط.
حسم على تذكرة الدخول إلى الأماكن السياحية في مصر.
بطاقة مخصصة للسيارات تسمح باستخدام موقف «لحظة» دون تغريم أو ضبط.
تخويل المنتسبين بشغل منصب مدير مسؤول في الصحف، وما يترافق مع ذلك من زيادة في راتبه.
مشروعان لحسومات على فاتورة كهرباء السكن، وعلى فواتير بعض المحال التجارية الكبيرة وبعض المطاعم.
أُلغيت معظم تلك الحسومات أو ما يسمى بالبدلات المقطوعة عام 2003 بقرار حكومي، ولم تتحرّك نقابة المحررين وقتها. ويقال إن رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أرضى النقيب كرم حينها بوعده بإعطاء النقابة مبلغاً من المال، بحيث تستطيع أن تُغطي هذه المكتسبات. وفي جميع الحالات، فإن الحصول على هذه الحسومات كان مرتبطاً بتقديم طلب للنقيب والحصول على ورقة منه تفيد بأنه موافق على إعطاء الصحافي تلك «الامتيازات». وقد حصل المنتسبون أخيراً على امتياز الدخول إلى المسابح العسكرية بأسعار مخفضة أسوة بالضباط.
أما الحقوق المهدورة التي لم تسع النقابة لتأمينها فهي في حدودها الدنيا:
الحصول على ضمان اجتماعي.
التمتع بنظام تقاعدي وتأمين راتب شهري عند نهاية الخدمة.
حق الصحافي بوضع إشارة «صحافي» في خانة المهنة في جواز سفره، وهو ما يخوله الحصول على ميزات عدّة ويُسهّل تنقّلاته وحصوله على تأشيرات الدخول.

أكثر من نصف الصحافيين هم قانونياً «منتحلو صفة» لا يحق لهم ممارسة المهنة

نقابة المحررين لم تحرّك ساكناً في قضية الصحافيين المصروفين عام 2000 أو 2009
الحصول على ما يُسمى بالهوية الصحافيّة الدوليّة، من الاتحاد الدولي للصحافيين، وهو أمر غير متوافر حالياً.
الحماية القانونيّة للصحافي، عبر حصر استدعائه للتحقيق بالحصول على موافقة نقابة المحررين، على أن يحضر ممثل عنها التحقيق. وعندما تسأل أحد أعضاء مجلس النقابة عن واجباتهم تجاه زملائهم، يقول: «نحن نُصدر بيانات تضامن مع جميع الصحافيين، وأتحدى أن يكون أحد قد تعرّض لاعتداء أو تحقيق وألا نكون قد تضامنّا معه»!

ماليّة النقابة سرّ من أسرار الآلهة

يقول أحد الصحافيين إنه يوم قُبل انتسابه، ذهب ليدفع الرسوم المتوجبة عليه وفق ما ينص عليه القانون، فأجابه النقيب كرم: «معقول أن نقبل منك مالاً يا زميل؟ رسومك مدفوعة». كيف تموّل النقابة نفسها؟ وماذا عن مصاريفها؟
عند السؤال عن ماليّة النقابة، يغيب الجواب. فوفقاً للنظام الداخلي للنقابة الذي عُدّل ووقعه النقيب كرم وأمين السرّ وجيه مزبودي ووافق عليه وزير الإعلام في حينه ميشال إده وصدر في 10 آذار 1981، تحدّد المادة السابعة في الفصل الثالث أن «موارد النقابة تتألف من:
1ــــ رسوم القيد التي يؤديها المحررون.
2ــــ رسوم الاشتراك.
3ــــ المنح والمساعدات من المصادر الوطنيّة وريع الحفلات التي تُقيمها النقابة.
4ــــ التبرعات من أفراد أو هيئات لبنانيّة أو عربيّة أو إنسانيّة.
وإن النظام الداخلي يُحدّد في المادة الثانية من الفصل الأول استيفاء رسم قبول مبلغ 3000 ليرة، أي ما يُعادل نحو 750 دولاراً أميركياً في ذلك الحين، والمادة الثامنة من الفصل الثالث تُحدد رسم الاشتراك السنوي بـ250 ليرة، أي ما يُعادل 50 دولاراً في حينه. وقد باتت الرسوم الآن على الشكل الآتي: رسم الاشتراك السنوي 700 ألف ليرة، ورسم الانتساب 3 ملايين ليرة. وقد يكون من النادر الحصول على صحافي دفع اشتراكه بنفسه خلال السنوات العشرين الأخيرة.
ورغم أن كرم يرفض قبول الرسوم، فإنه يمنع الصحافيين من الترشّح في وجهه بحجّة أنهم لم يدفعوا اشتراكهم، وهو ما حصل مع الزميل راشد الفايد في عام 1997.
تبيّن موازنة الحكومة اللبنانية لعام 2008 تخصيص مبالغ ضخمة لنقابتَي المحررين والصحافة على الشكل الآتي:
نقابة الصحافة: 450 مليون ليرة لبنانية.
نقابة المحررين: 450 مليون ليرة لبنانية.
مساهمة صندوق ضمان أصحاب الصحف والصحافيين: 4 ملايين ليرة لبنانية.
مساهمة صندوق تعاضد المحررين: 4 ملايين ليرة لبنانية.
جدير بالذكر أن نقابة المحررين لا تملك صندوقاً للضمان ولا صندوق تعاضد، مما يجعل السؤال ملحّاً: أين تصرف تلك المبالغ؟

البحث عن النقيب

أردنا التحدث مع النقيب كرم في كل تلك الأمور لسماع وجهة نظره. لكننا كصحافيين (منتسبين وغير منتسبين) لا يحق لنا قصد مبنى النقابة من دون موعد. فهي ليست كما يخيّل للبعض «بيتاً مفتوحاً للجميع».
اتصلنا بمكتب النقيب أول مرّة، فطُلب منا رقم هاتفنا الشخصي وهاتف العمل: «نحن نعاود الاتصال بكم» قالت السكرتيرة. وبعد يومين، عاودنا الاتصال، فجاء الجواب: «من الصعب تحديد موعد بسهولة لأن النقيب يعمل من خارج مكاتب النقابة».
وبعد أيام نعيد الكرّة، والجواب هذه المرّة: «لا ندري إن كان النقيب في البلد أو مسافراً»!
تسري شائعات في الأوساط الصحافية أنه مع تقدّم كرم في السن، باتت نشاطاته وتحركاته محدودة جداً. لكن الشائعة الأخطر تفترض أن كرم سيرشح ابنه لتوريثه منصبه من بعده في الدورة المقبلة!
أهلاً بكم في امبراطورية «نقابة المحررين اللبنانيين».


جمعيات بديلة؟

تأسست في لبنان بعض الجمعيات لضم متخرّجي كليات الإعلام، منها «رابطة متخرّجي كليات الإعلام» التي تأسست عام 1972، ويرأس هيئتها الإدارية عامر مشموشي، و«نادي الصحافة»، تأسس عام 1994، ويرأس هيئته يوسف الحويك (الصورة)، ومعظم أعضائه من متخرّجي الفرع الثاني في كلية الإعلام. ولكن هاتين الهيئتين تسيران على خطى النقابة في التحركات والتناوب على السلطة





تاريخ النقابة

وُلدت نقابة محرري الصحافة اللبنانية في نادي المهاجرين ببيروت إثر أربع جلسات متوالية في 29 آب عام 1941، وتوحدت مع نقابة الصحافة عام 1950، لكنهما انفصلتا من جديد عام 1953 بموجب قانون كرّس الفصل ونصّ على إنشاء نقابة المحررين.
تعاقب على رأس مجلس نقابة المحررين منذ 1941، 11 نقيباً. من عام 1941 حتى عام 1950، كانت ولاية النقيب مدتها سنة واحدة. ومن عام 1953 حتى عام 1963، كانت مدة ولايته سنتين. وحين عدّل قانون المطبوعات عام 1963، لم يحدد سقفاً لعدد ولايات النقيب، وأصبحت دورة رئاسته مجلس النقابة 3 سنوات. أما النقباء الـ١١، فهم:
ــــ روبير أبيلا 1941 ــــ 1944
ــــ نسيب المتني 1944 ــــ 1945
ــــ سليم أبو جمرة 1945 ــــ 1946
ــــ ممتاز الخطيب 1946 ــــ 1948
ــــ فريد الطيارة 1948 ــــ 1949
ــــ كميل يوسف شمعون 1950 ــــ 1951 (نقيب صحافة بعد دمج النقابتين).
ــــ فريد الطيارة 1951
ــــ جودت هاشم من أيار 1953 حتى كانون الثاني 1954
ــــ وفيق الطيبي 1954 ــــ 1958
ــــ إسحق منصور 1958 ــــ 1960
ــــ ملحم كرم انتخب في 14 كانون الأول عام 1960 ولا يزال حتى اليوم رئيساً لمجلس النقابة.
تجدر الإشارة إلى أن نقابة المحررين اليوم تقع في الأشرفية، السيوفي بناية طراد الطابق التاسع (حيث دار «ألف ليلة وليلة» ومطبوعات عائلة كرم)، وهي لا تملك لا رمزاً بريدياً خاصاً ولا موقعاً على شبكة الإنترنت ولا بريداً إلكترونياً.


بين «الصحافة» و«المحرّرين» ضايعة الطاسة!

ثمّة تداخل عجيب بين نقابة الصحافة برئاسة محمد البعلبكي (التي تضم أصحاب الصحف) ونقابة المحررين (التي تضم الصحافيين). يطالب معظم الصحافيين باستقلالية نقابة المحررين، وفصلها كلياً عن تلك التي تخص أصحاب الصحف. فما يسمى لجنة الجدول مثلاً، والتي تقرر انتساب الصحافيين (العمال) إلى نقابة المحررين، تقررها لجنة مؤلفة من أصحاب الصحف (أرباب العمل) ونقابة المحررين. ومجلس النقابة (12 عضواً) يضم بعض ملاّك الصحف، وهذا مخالف لقانون المطبوعات وللنظام الداخلي للنقابة، إذ يمنع على كل صحافي صاحب مطبوعة أن يكون عضواً في نقابة المحررين. الجدير بالذكر أن النقيب كرم يملك دار نشر «ألف ليلة وليلة» التي تنشر حوالى 12 مطبوعة في لبنان («الحوادث»، «البيرق»، Monday Morning، La Revue Du Liban)، ولكن كرم صرح أكثر من مرة أنّ تلك المطبوعات هي لـ«عائلة كرم وليست ملكه شخصياً». وللمفارقة، فإن النقيب كرم استقال من نقابة المحررين في تشرين الثاني 1999 من أجل خوض معركة نقابة الصحافة، ما يدل على امتلاكه على الأقل مطبوعة واحدة. أما كرم، فيبرر ذلك قائلاً في إحدى المقابلات الصحافية «كنت سأنقل امتياز جريدة «البيرق» من اسم الشركة إلى اسم ملحم كرم، لكني تراجعت عن ذلك». معظم الصحافيين يستغربون أصلاً كيف بإمكان النقيب، وهو ربّ عمل، أن يدافع عن حقوق الصحافيين العمال.
هذه المخالفات كانت موضوع دعوى قضائية لدى مجلس شورى الدولة، تقدم بها عضو النقابة نبيل الرياشي، وهو طعن في «طريقة اختيار مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية الحاصلة بتاريخي 17 و22 أيلول 1995».