علي الخفاجي
صحيح أن عام 2009 كان أقلّ دمويةً من السنوات السابقة في العراق، إلا أن حرية الصحافة بدت مهدّدة تهديداً أكبر بعد مطالبة الحكومة والبرلمان بإصدار قانون «ينظِّم العمل الصحافي»، وهو ما عدّته المؤسسات التي تُعنى بحرية الصحافة خطوةً لإعطاء شرعية دستورية لقمع الإعلاميين. وكما هي الحال منذ الاجتياح الأميركي للعراق، كان للصحافيين حصّتهم من عمليات الاستهداف والاغتيال. ولعلّ أبرز هذه الأحداث كان محاولة اغتيال مدير «برنامج الحماية الوقائية للصحافيين» في «مرصد الحريات الصحافية»، والإعلامي في قناة «الديار» العراقية عماد العبادي، بكاتم صوت نهاية العام. وردّاً على هذه المحاولة، شهدت ساحة «الفردوس» تظاهرة لمثقّفين وناشطين في مجال حرية التعبير، حمل هؤلاء لافتات كتب عليها «لا لكاتم الصوت ولا لكمّ الأفواه». فيما رأت مؤسسات وشخصيات معنية بحرية الصحافة في العراق أن محاولة اغتيال العبادي «ضربة قوية موجّهة إلى حرية التعبير والديموقراطية في البلاد».
وكان البرلمان العراقي قد شنّ حملة واسعة أواخر عام 2009 ضدّ الكاتب وارد بدر السالم الذي كتب في صحيفة «المدى» مقالةً بعنوان «برلمانيون تحت الصفر»، وضدّ الإعلامي في قناة «الحرة» علي عبد الأمير وبرنامجه «سبعة أيام». وخصّص مجلس النواب إحدى جلساته للمطالبة بمقاضاة هذين الصحافيَين بعد اتهامهما بالتحريض على المجلس وأعضائه. لكنّ نواباً مستقلين أبرزهم رئيس «حزب الأمة العراقية» مثال الألوسي هددوا بمقاضاة رئاسة البرلمان إذا مضت في اتجاه مقاضاة السالم وعبد الأمير. ورغم الترويج أن العراق بات فسحة واسعة من حرية الصحافة والتعبير بسبب العدد الكبير للصحف والفضائيات التي انطلقت أخيراً، إلا أن منظمات دولية عدّة تؤكّد في تقاريرها أن بلاد الرافدَين لا تزال المكان الأخطر على الصحافيين. وكان لافتاً هذا العام تغيّر طريقة الاعتداء على الصحافيين. فبينما كانت في السابق تحصل من خلال عمليات القتل والخطف والتعذيب على أيدي جماعات مسلّحة، باتت اليوم تحصل من خلال عمليات الاعتداء والضرب والاعتقال وتغريم الصحف ورفع دعاوى عليها. كل ذلك من قبل أطراف مسؤولة في البرلمان والحكومة المركزية فضلاً عن الحكومات المحلية. ولم يقف تدخّل الأجهزة الرسمية عند هذا الحدّ، بل شهد هذا العام خطوات بارزة في سبيل تحويل المؤسسات الإعلامية الرسمية إلى ما يصفه الإعلاميون المستقلون بـ«أبواق للدعاية الحكومية». ولتحقيق ذلك، جرى تغيير أعضاء «هيئة أمناء شبكة الإعلام العراقي» ـــــ التي يفترض أن تكون مستقلة ـــــ وعيّنت مكانها شخصيات مقرّبة من رئيس الحكومة وحزبه. كذلك أصبح الصحافي ومدير قناة «الحرية» برهان الشاوي ـــــ المقرّب من رئيس الجمهورية جلال الطالباني ـــــ رئيساً لـ«هيئة البث والإرسال» التي يفترض أن تكون مستقلة دستورياً. وقد بدأ الشاوي عمله بفرض شروط على عمل القنوات الفضائية! وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد أوعز إلى مستشاريه القانونيين رفع دعوى قضائية ضد قناة «الشرقية» العراقية التي تبث من دبي، وموقع «كتابات»

اعتقال صحافيين وضربهم وتغريم مؤسسات إعلامية

الإلكتروني الذي يعدّ المدونة الشعبية الأولى عراقياً في مقالاته النقدية للأوضاع في العراق.
من جهتها، ذكرت «اللجنة الدولية لحماية الصحافيين» في نيويورك أن وضع الحريات الصحافية في كردستان العراق ليس أفضل حالاً من باقي مناطق البلاد لجهة الاعتداء على الصحافيين بالضرب والتضييق بالدعاوى. مثلاً، أصدر القضاء حكماً ضد رئيس تحرير صحيفة «هاولاتي» عبد عارف بدفع غرامة مالية بعدما اتهمه رئيس الجمهورية جلال طالباني بإعادة نشر مقالة مترجمة للصحافي الأميركي مايكل روبن تتحدث عن فساد حكومي واسع في كردستان.
طبعاً، عند العودة إلى أبرز أحداث عام 2009، لا يمكن أن ننسى إطلاق سراح الصحافي العراقي منتظر الزيدي من السجن في شهر أيلول (سبتمبر).