إذا صدقت التوقعات، فإن الرئيس ميشال سليمان سيلقي كلمة لبنان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم، في ظل غيبوبة إعلامية يعانيها وفد الرئاسة إلى نيويورك، حيث أبرز النشاطات كانت اللقاءات التي جرت مع نيكولا ساركوزي ووليد المعلم
نيويورك ـ نزار عبود
رغم الرؤية الجوية المنقشعة في نيويورك إبان انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدة مهرجانات سياسية كبرى هذا العام، كان مقر البعثة اللبنانية في غابة العمائر محتجباً بضباب دبلوماسي وإعلامي شديد الظلمة. عدا عن أن تحركات الرئيس ميشال سليمان والوفد المرافق له كانت من الأسرار العليا لأمن الدولة، لم يتمكّن مراسلو الإعلام اللبناني على أشكاله من إحراز أي تقدم في الحصول على معلومات رسمية أو حتى غير رسمية مفيدة. كل خطوط الهاتف كانت، إلى جانب أبواب البعثة الدائمة للبنان في الأمم المتحدة، موصدة في وجه المراسلين. وحتى موعد كلمة الرئيس ميشال سليمان كان غائباً عن قائمة الرؤساء، لكنّ بعض مصادر المنظمة الدولية رجّح أن يلقي كلمته اليوم.
مع ذلك، شوهد الرئيس سليمان في مجلس الأمن الدولي يصافح الزعماء، وبينهم الرئيس نيكولا ساركوزي. والتقى الرئيسان في أحد المكاتب الجانبية التابعة لمجلس الأمن، في اجتماع استمر حوالى عشرين دقيقة، سبقه لقاءان بين الرئيسين قبيل بدء جلسة مجلس الأمن الخاصة، أمس، وعلى هامش أعمال الجمعية العمومية أول من أمس، بعيد إلقاء ساركوزي كلمته.
وتناول لقاء أمس العلاقات الثنائية وعدداً من المواضيع التي تهم لبنان بصورة خاصة، حيث جدد ساركوزي دعم فرنسا الكامل للبنان في المحافل الدولية، مبدياً أمله بـ«أن يتفاهم الأفرقاء اللبنانيون على تأليف الحكومة بسرعة لتمكين لبنان من مواكبة سلسلة من الملفات والاستحقاقات في الداخل اللبناني والمنطقة».
كذلك التقى سليمان رئيسَي دولتَي النمسا والبوسنة والهرسك. وأكد الرئيس النمساوي، هاينز فيشر، «أن بلاده ستصوّت لمصلحة انتخاب لبنان للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لعام 2010 ـــــ 2011»، فيما شدد الرئيس البوسني، زلجكو كومستش، على «تأييد بلاده للبنان في المحافل الدولية وعلى مستوى أوروبا».
وأشارت مصادر مطّلعة إلى أنّ سليمان كان قد التقى وزير الخارجية السوري وليد المعلم، مساء أول من أمس، وبحثا العلافات الثنائية. أما وزير الخارجية فوزي صلوخ، فقد شوهد عبر شاشات تلفزيون الأمم المتحدة في احتفال الذكرى الستينية لتأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. وقد ألقى كلمة تحدث فيها عن النكبة التي أوجدت الوكالة التي واكبت خروج أربعة أجيال من الفلسطينيين، وعلاقة لبنان بمحنتهم، وعن واجبات المجتمع الدولي حيال أوضاعهم، مشدداً على ضرورة تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بإعادتهم إلى وطنهم الأصلي، رافضاً أي تفكير في توطينهم في لبنان.
وأكد صلوخ مسؤولية المجتمع الدولي بأسره تجاه الجانب السياسي لقضية اللاجئين كأولوية تتقدم سواها. وأشار إلى أن السبيل لحل المسألة يكمن في «تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، مع ما يتطلّبه ذلك من انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس». وشدد على وجوب ضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي اقتُلعوا منها، منوّهاً بفحوى قرار مجلس الأمن الدولي 194 القاضي بحفظ حق اللاجئين بالعودة إلى منازلهم، كما نوّه بكل القرارات التي تحفظ حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرّف.
وبشأن سياسة لبنان الخارجية وموقفه من التسوية الشاملة في المنطقة، قال وزير الخارجية إن لبنان «يدعم الجهود المبذولة لمعاودة العملية السلمية في الشرق الأوسط، ويلتزم مع أشقائه العرب بما نصّت عليه مبادرة السلام العربية التي تمثّل عرضاً سخيّاً وكاملاً لم تتجاوب إسرائيل معه حتى الآن». وشدد على رفض لبنان لجميع أشكال توطين اللاجئين الفلسطينيين على أرضه، «لا لاعتبارات سياسية وديموغرافية خاصة به فقط، بل حفاظاً على حق كل لاجئ في العودة إلى الأرض التي اقتُلع منها بالقوة».
وتحدث صلوخ أيضاً عن دور وكالة «الأونروا» التي تتعرّض لضغوط مالية كثيرة وتحرم من الدعم الدولي لنشاطها، ووصف رسالتها بالإنسانية النبيلة. كذلك ندّد «باستهداف العدو لمقارّها، وكان آخره في غزة». ودعا «المجتمع الدولي، ولا سيما الدول المساهمة، إلى تجديد الالتزام حيالها من خلال مواصلة مدّها بالدعم المالي والمؤسساتي غير المنقوص لتمكينها من متابعة تأديتها لدورها الحيوي».
وقال صلوخ إن لبنان، الذي يستضيف منذ 60 عاماً مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، يبذل المستطاع «ضمن الإمكانيات المحدودة المتوافرة لتحسين أوضاعهم المعيشية في المخيمات بالتعاون الكامل مع الأونروا. وقد عُدّلت لهذه الغاية أنظمة العمل على نحو يتيح لهم ممارسة عدد واسع من المهن، وأنشئت لجنة للحوار اللبناني الفلسطيني تعمل على تعزيز التواصل والتعاون بين الجانبين لإيجاد حل لجملة من المسائل، من ضمنها الشؤون الحياتية للاجئين. إلا أن محدودية الموارد المالية تبقي الخدمات دون المستوى المرجو».
وشكر صلوخ الدول التي تسهم في إعادة إعمار مخيّم نهر البارد الذي دمّر جرّاء الحرب على تنظيم فتح الإسلام في 2007. وناشد الدول التي تعهدت بالمساهمة في إعادة الإعمار في مؤتمر فيينا الإيفاء بالتزاماتها.
وكان الرئيس سليمان قد قام أمس بمجموعة من النشاطات، بدأها بحضور جلسة مجلس الأمن التي ترأسها الرئيس الأميركي باراك أوباما وحملت عنوان «منع انتشار الأسلحة النووية».