رغم أنّ سنة ٢٠١٤ لم تسجّل معارك كبرى بين الصحافيين والسلطة كتلك التي شهدناها في عامي ٢٠١٣ و٢٠١٢ من حكم الترويكا بقيادة الإسلاميين، إلا أنّها كانت حزينةً على الأسرة الصحافية. غيّب الموت في فترة متقاربة ثلاثة صحافيين في أجمل سنوات عطائهم وهم: عادل رابح (٥٤ سنة) من وكالة «تونس افريقيا للأنباء» على اثر سكتة قلبية، وعبد الرؤوف المقدمي (54 سنة) رئيس تحرير في جريدة «الشروق» بعد صراع مع مرض السرطان لم يمهله طويلاً، والناصر الرابعي (٥٩ سنة) من جريدة « الأنوار» بعد أزمة صحية مفاجئة.
وترقد الصحافية من التلفزيون الوطني مفيدة الماجري (٣٣ سنة) في المستشفى منذ أكثر من أسبوع في حالة غيبوبة بعد تعرّضها لحادث سير خطير تطلّب إجراء عملية جراحية عاجلة، ولم تتجاوز بعد أزمتها الصحية.
الحزن الذي خيّم على المشهد الإعلامي التونسي لم يكن بسبب الموت «هادم اللذات» فقط، بل كان أيضاً بسبب الاعتقال والاختطاف. ما زال الصحافي والمدير السابق لقناتي «الجزيرة أطفال» و«البراعم» محمود بوناب معتقلاً في قطر، وممنوعاً من مغادرة البلاد أو الحصول على مستحقاته من الإمارة القطرية بعد خلافه مع الشيخة موزة واتهامها إياه بالسرقة. تهمة برأته منها المحكمة، ورغم كل الوساطات العربية والدولية، ما زال بوناب محروماً من العودة الى تونس منذ اربع سنوات. وأشارت المحامية سعيدة قراش عضو هيئة الدفاع عن بوناب لـ «الأخبار» الى تقدم المفاوضات بشأن هذا الملف، لكن حتى الآن، ما زال بوناب ممنوعاً من السفر. ونذكر هنا أنّ «جبهة الاتحاد من اجل تونس» التي تمثل تحالفاً لأحزاب من وسط اليسار رشحته للبرلمان عن دائرة العالم العربي في الانتخابات التي شهدتها البلاد في ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لكنه لم يفز، وقد جاء ترشيحه كحركة مساندة رمزية له.
وفي سياق متصل، ما زال الصحافيان سفيان الشورابي ونذير القطاري من قناة «فيرست. تي. في» محتجزين في ليبيا منذ ١٠٠ يوم من دون أي تقدم عملي في الكشف عن مكان وجودهما أو حقيقة الجهة التي تحتجزهما. كل التطمينات التي تلقتها «النقابة الوطنية للصحافيين» و«المنظمة التونسية للدفاع عن الاعلاميين» (المولود الجديد في المشهد الإعلامي) وإدارة القناة ليست اكثر من معلومات مبهمة لا شيء يدل على صحتها، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول هذا الاختطاف الغامض. حتى الآن، لم تتبنَ أية جهة مسؤولية الاختطاف كما لا إشارة عملية (فيديو، شريط صوتي، مكالمة هاتفية) تؤكد أنهما على قيد الحياة وهو ما يضاعف المخاوف على سلامتهما.
ما زال سفيان
الشورابي ونذير القطاري محتجزين
في ليبيا

ورغم أنّ الملاحقات القضائية للصحافيين تراجعت خلال العام الحالي، إلا أنّها لم تغب تماماً. هذا ما ينطبق على الصحافي في جريدة «لابراس» سفيان بن فرحات المهدد بالاغتيال والمحاط منذ ٢٠١٢ بفرقة حراسة من الأمن. بن فرحات مثل في 16 كانون الأول (ديسمبر) الماضي أمام محكمة قرمبالية من محافظة نابل في قضية مفبركة تعود إلى عام 2013، حيث اتّهم بـ «الاعتداء بالعنف».
لكن المعركة الأبرز خلال العام الجاري كانت بين أصحاب القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية من جهة والهايكا (الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي البصري) من جهة أخرى. إذ رفضت الأخيرة منح التراخيص لمحطات عدة من بينها قناتا «التونسية» و»تونس الاولى» وإذاعتا «صحراء أف. أم» و«الديوان» وغيرهما. وقد احتج الصحافيون ومدراء هذه المحطات على قرار المنع ونظموا احتجاجات واعتصامات وإضرابات عن الطعام لكن من دون جدوى. ولم تغب الهايكا طيلة العام عن محاور الجدل، خصوصاً في ملفي التراخيص للمحطات الجديدة، وقرارها بإيقاف بث قناتي «نسمة» و«حنبعل» الذي اصطدم برد فعل من الإعلاميين والأحزاب والمنظمات، ما اضطرها للتراجع عنه.
هكذا تمضي سنة أخرى لم تتوقف فيها الاعتداءات على الصحافيين أثناء أداء واجبهم المهني خصوصاً أثناء تغطية الانتخابات البرلمانية والرئاسية في جهات مختلفة من البلاد.