المفاجأة الحدث أمس إطلالة فيروز على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال في الذكرى السنوية لغياب عاصي الرحباني. إطلالة تاريخيّة أعلنت فيها سيّدة الغناء مجموعة حقائق وشهادات بعضها أبلغ من بعض حول شخصية عاصي الفنيّة الفذّة وريادته وتأسيسه وطاقاته الإبداعية التي لم تعرف مسيرة الفن اللبناني مثيلاً لها. أوّل تعليق يتبادر إلى الذهن فور مشاهدة هذا الفيلم القصير الذي صوّرته وأخرجته ريما الرحباني في منزل أبويها، هو: ليت فيروز تكلّمت من زمان، يليه تعليق ثانٍ: وليتها لا تبخل بعد اليوم بالكلام، فهي صاحبة الخبرة الكبرى والحقّ الأوّل في الشهادة حول أضخم تجربة فنيّة عرفها لبنان وشكّلت منعطفاً أساسياً وبصمة خالدة لا يجوز التلاعب بحقائقها ولا تركها نهباً تارةً للجهل وطوراً للأهواء.تستحقّ شهادة فيروز أن تُنقَل حرفيّاً وتُعمَّم بجميع الوسائل الإعلاميّة، ففيها من الصدق ما فيها من الجرأة، ومن الكشف ما فيها من البصر... ونجحت ريما الرحباني في إيجاد التكامل بين تصريحات عاصي خلال مقابلته التلفزيونية القديمة وتصريحات فيروز أمس، وتوّجت السياق بالمقتطفات الغنائية، مبرزةً مقاطع بالأسود والأبيض من مسرحيات تعود إلى مطلع السبعينات مثل «ناطورة المفاتيح».
بقَدْر ما طال صمت فيروز كبرتْ مفاجأة البارحة. وبقدر ما طال الشوق إلى عاصي أُثلجت الصدور بسماع الحقائق. لقد سهر معنا عاصي الرحباني أمس كما يسهر الراعي مع بنيه، موزّعاً خير نبوغه بتواضع الكبير وخَفَر الأصيل، بدفء صوته النبوي ونصف ابتسامته العارفة، وعاد ينشر الطمأنينة والجمال كما ظلّ يفعل طوال عمره، بانياً وحده وطناً لملايين الحالمين والتائهين.
والأكثر تواضعاً كان كلام فيروز، التي حجبت ذاتها تماماً وراء قامة عاصي، غامطةً نفسها بعض الحقّ، لكن المناسبة تبرّر مثل هذا الامحاء، فضلاً عمّا عُرفتْ به فيروز من وفاء.
ليت كلّ يوم ذكرى عاصي الرحباني. ليت كلّ يوم تطلّ علينا فيروز. ليتكِ لا تسكتين يا شهرزادنا.
(الأخبار)