Strong>لم تكتمل صورة المشهد الانتخابي بعد، قبل 31 يوماً على يوم الانتخاب. لا استُمكلت تعيينات المجلس الدستوري، ولا تمّ تعيين محافظين في الأماكن الشاغرة، ولا انتهى تأليف اللوائح الانتخابيّة، رغم أن حماوة الخطاب السياسي ارتفعت إلى حدودها القصوىفي تطوّر هو الأول من نوعه، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أن حكومته ستقوم بمبادرة في قرية الغجر قبل الانتخابات النيابية في لبنان، مطلع الشهر المقبل. ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن ليبرمان قوله، أول من أمس، خلال لقائه بنظيره الإيطالي، فرانكو فراتيني، في روما، «لدينا أفكار نريد أن ننفذها في الغجر قبل الانتخابات في لبنان»، مضيفاً: «نحن ندرك أن مسألة التوقيت مهمة في الحالة الراهنة». وأشارت صحيفة هآرتس إلى أن ليبرمان هو الذي أثار قضية الغجر خلال مباحثاته مع فراتيني، منوّهاً بدور قوات اليونيفيل المنتشرة في جنوب لبنان بقيادة الجنرال الإيطالي كلاوديو غراتسيانو. وذكرت الصحيفة أن فراتيني شكر ضيفه على مبادرته، وأعرب عن سروره لنية «إسرائيل الإعلان عن خطوة في الغجر قبل الانتخابات النيابية في لبنان»، مضيفاً «يجب بذل كل الجهود لتقوية حكومة فؤاد السنيورة».
ورأى الرئيس فؤاد السنيورة، أمس، بعد لقائه نائب الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حفظ السلام آلان لوروا، يرافقه قائد قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان الجنرال كلاوديو غراتسيانو، أن «هذه المناورات الإعلامية والسياسية ليست جديدة على إسرائيل».
وقال الرئيس السنيورة: «إن سياسة إسرائيل بالهروب إلى الأمام عبر الحروب لم ولن تحل المشكلة في المنطقة، بل تزيد من تعقيد الأمور وتوليد العنف وتعميق المآزق، وخصوصاً لإسرائيل نفسها».
وفي الشأن الانتخابي، يسعى رئيس كتلة المستقبل النيابيّة إلى إعلان لائحته في بيروت الثالثة، يوم غد، فيما يصرّ أعضاء الكتلة الحاليون وبعض المقرّبين منهم على التكتّم في موضوع الأسماء التي ستضمّها اللائحة، تُشير بعض المعلومات إلى أن المرشّح عماد الحوت سيحلّ مكان النائبة غنوة جلول في حال ضمّه إلى اللائحة.
وقد كتب مراسل «الأخبار» في الشمال، عبد الكافي الصمد، أن وسطاء كثراً بين الجماعة الإسلامية وتيار المستقبل، يتسابقون مع الزمن لإنتاج صيغة الحد الأدنى من التوافق الانتخابي بينهما، قبل أن يقفل الحريري الباب نهائياً أمام مرشحي الجماعة على دخولهم لوائحه. وجاء تجاوب الجماعة مع الوسطاء على شكل مبادرة أقرها مجلس الشورى، أبلغها للرئيس فؤاد السنيورة، أول من أمس، بعد زيارة قام بها عضو المكتب السياسي عبد الله بابتي إلى السرايا. وتقضي هذه المبادرة بالتوافق على دخول مرشح الجماعة عماد الحوت في لائحة المستقبل في بيروت الثالثة، مقابل انسحاب رئيس المكتب السياسي علي الشيخ عمار من معركة صيدا تسهيلاً لمعركة السنيورة فيها، على أن يخوض المرشحون الأربعة الباقون للجماعة معركتهم الانتخابية منفردين في دوائر الشمال والبقاع.
مصادر مسؤولة في الجماعة أوضحت لـ«الأخبار» أن «حظوظ التوافق أو الافتراق بيننا وبين المستقبل متساوية، وأن من سيحسمها هو الموقف النهائي الحريري من طرحنا». وتلفت المصادر إلى أن المفاوضات الأخيرة كشفت أن المستقبل يرى عدم سحبنا مرشحينا من دائرتي المنية ـــــ الضنية والبقاع الغربي ـــــ راشيا تحديداً، كعقدتين رئيسيتين أمام التوافق في ما بيننا». وأشارت المصادر إلى أن الحريري قال لهم في أحد اللقاءات الأخيرة إن بقاء النائب السابق أسعد هرموش مرشحاً في دائرة المنية ـــــ الضنية يعني أنه «لن ينجح أبو جهاد (هرموش)، بل سينجح جهاد (الصمد)».
وإذ نفت المصادر وجود وساطات سعودية أو مصرية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، أشارت إلى أنه «قدمت إلينا عروض بمساعدات مالية للمؤسسات التربويّة والصحيّة المتعثرة العائدة للجماعة، وتلقينا هذه العروض مقابل الموافقة على السير بالانتخابات وفق رغبة الحريري، إضافة إلى وعود بتوزيرنا في الحكومة المقبلة بعد الانتخابات، وبرئاسة بلدية صيدا، وبوظائف ومراكز داخل دار الفتوى ومراكز الإفتاء في المناطق». إلا أن هذه العروض قابلتها الجماعة بالرفض.
ومع أن المصادر أكدت أنه «لن نخسر شيئاً إذا لم نتحالف مع المستقبل، لأنه في الأساس لا نواب لدينا حالياً في المجلس النيابي لنحافظ عليهم، عدا عن أن لنا حظوظاً بالنجاح وخرق اللوائح في أكثر من دائرة، ومن «كيسنا لا على حساب غيرنا»، أوضحت أن «الساعات الأخيرة المقبلة قبل موعد إعلان الحريري أعضاء لائحته ستحدد أي الاتجاهين سيغلب في النهاية: الأول زيادة الضغوط علينا للرضوخ لعرضه، والثاني أن يجد الحريري نفسه مضطراً لقبول عرضنا الأخير عليه، وإلا فإن الطلاق الانتخابي بيننا سيكون أبغض الحلال».
في موازاة ذلك، أوضحت أوساط في الجماعة الإسلامية لـ«الأخبار» أن الموقف من التحالف الانتخابي مع تيار المستقبل «يتنازعه داخل الجماعة فريقان: الأول يمثله مسؤولو الجماعة في بيروت، الذين لا يجدون حرجاً في تقبّل فكرة إعطائنا مقعداً واحداً، ويعطون لذلك تبريرات كالحفاظ على وحدة الطائفة السنية، وأن عصفوراً مضموناً في اليد أفضل من عشرة على الشجرة!».
أما الفريق الثاني داخل الجماعة، الذي يعارض تحالفها مع المستقبل وفق هذه الصيغة، فينطلق في موقفه من أن الجماعة «تستحق حصة نيابية أكبر من المعروضة عليها، لأنه سبق لها أن ترشحت منفردة وحققت أرقاماً وخروقاً مهمّة، كذلك فإن مفاوضاتها الانتخابية مع القوى في السابق كانت تتم من موقع قوة لا من موقع استلحاقي، كما يحصل اليوم مع المستقبل».
وإذ أشارت الأوساط إلى «وجود نقمة تتزايد كل يوم داخل أوساط الجماعة وقواعدها الشابة»، إلا أن الأمور لم تقف عند هذا الحد، بل اتخذت مساراً غير مسبوق داخل صفوف الجماعة من شأنه أن يهدّد تماسكها. ولفتت الأوساط إلى أن «اعتراضاً واسعاً يسود صفوف الجماعة في طرابلس والشمال، لأن هذه المناطق التي تمثل الثقل الأساسي للجماعة ستُغيَّب إذا تمّ التوافق مع المستقبل وفق الصيغة المقترحة، إضافة إلى ما لمسوه من أن قبول الحوت في دائرة بيروت الثالثة يعود لكونه عضواً في المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، ويحظى بدعم المفتي محمد قباني، ما يزيد مخاوفنا من أن تقدم قواعدنا على ردّة فعل بدأت تصل إلينا أصداؤها، من أنهم سينتخبون مرشح الجماعة في طرابلس رامي درغام إضافة إلى لائحة المعارضة».
وفي زحلة، نقل مراسل «الأخبار»، عفيف دياب، عن المرشح عقاب صقر، وجود بعض «الأمور غير المحسومة، بانتظار صدور نتائج بعض الاستطلاعات حول المقعد الشيعي التي أنجزت أمس». ولمّح إلى وجود مؤشرات حول وجوده على اللائحة، من دون أن يخفي إمكان أن يكون المقعد من نصيب النائب السابق محسن دلول. وأعرب صقر عن اعتقاده بأن لائحة 14 آذار في زحلة «لن تعلن قبل نهاية هذا الأسبوع». وهذا ما أكده أيضاً أحد قادة تيار المستقبل.
وانسحبت عقدة المفاضلة بين صقر ودلول على مقاعد أخرى بعد تعدّد وجهات النظر داخل هذا الفريق الذي لم ينجز ماكينته الانتخابية بعد في الشارع المسيحي. ويقول متابعون لتشكيل اللائحة في البقاع الأوسط إن نقاشاً فتح من جديد حول المرشح الكاثوليكي الثاني، إذ يحبّذ تيار المستقبل وجود المرشحة ماكدا البريدي على اللائحة، فيما يرى النائب فتوش في وجود المرشح طوني أبو خاطر «رافعة لا بد منها».
ومع عودة النقاش الداخلي بين قوى الأغلبية حول المقعد الكاثوليكي الثاني في زحلة، بدأت هذه القوى تواجه عقدة المرشح الأرمني. فاتفاق بعض القوى الأرمنية على اسم المرشح ناريك ابراهيميان بدعم من تيار المستقبل، فتح النقاش مجدداً حول مدى قدرة هذا المرشح على تجيير عدد لا بأس به من الأصوات الأرمنية لمصلحة جميع أعضاء اللائحة. وتعزو مصادر في القوات اللبنانية اعتراضهم على قائد «الأرمن الأحرار» إلى دعمهم المرشح ادي دمرجيان «الأقرب إلينا سياسياً». ويشير هؤلاء إلى أن القوات «قد تقبل بسحب مرشحها في بيروت الأولى ريشار قيومجيان إذا أخذ برأيها بتبني المرشح دمرجيان في زحلة».
في المقابل، لم تستطع الأقلية في زحلة، التي تعتمد شعارات ذات نكهة طائفية وقبلية، حسم اسم مرشحها السني. فالوزير سكاف يستقبل يومياً أكثر من مرشح سني، ما أدى إلى تعقيدات هو بغنى عنها، حيث إن التأخر غير المتعمّد في تسمية المرشح السني في لائحته، فتح الباب أمام تيار المستقبل لإعادة تنظيم صفوفه في الشارع السني المحلي. واستطاع المستقبل فتح قنوات اتصال مع هؤلاء المرشحين الذين يفكرون في الانسحاب لمصلحته.
طرابلسياً، عقدت لائحة التضامن الطرابلسي أول مؤتمر صحافي لها في طرابلس، بحضور جميع أعضائها. وأكد الرئيس نجيب ميقاتي أن التحالف «ليس تجمّع تناقضات كما يصوّر البعض، ونحن أمام تحدّ كبير لإثبات الانسجام والتضامن الحقيقي بين أعضاء اللائحة»، فيما أكّد الوزير محمد الصفدي أنه لا إنماء لمدينة طرابلس من دون وحدة الموقف السياسي والانتخابي.
وفي صيدا، أكد النائب أسامة سعد «أننا نواجه في معركة صيدا الانتخابية حملات تحريض مذهبي واستثارة للغرائز والعصبيات المذهبية». واتهم تيار المستقبل باتباع أساليب التحريف والتضليل التي تهدد بعواقب مؤذية للمدينة. واستغرب سعد التضليل الذي مارسه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة: «عندما سألني، وأنا النائب خارج السلطة التنفيذية، ماذا قدمتُ لصيدا من مشاريع إنمائية؟ وقال نحن من يحقّ له أن يسألك ماذا قدمت أنت لصيدا، وقد كنت في موقع القرار والسلطة لأكثر من 15 عاماً؟».
ومن جبيل، أُعلنت لائحة «القرار الجبيلي المستقل»، وضمّت النائبين السابقين ناظم الخوري وإميل نوفل عن المقعدين المارونييّن، ومصطفى الحسيني عن المقعد الشيعي.
وأشار الخوري إلى «أننا نخوض هذه الانتخابات كقوى مستقلة، طارحين نهجاً يحول دون جعل الدستور والقضاء وجهة نظر يفسرها كل فريق كما تقتضي مصالحه. إن هدف الكتلة المستقلة يكمن في صون دور النائب وتفعيل عمله التشريعي والرقابي وإيجاد ذراع برلمانية مستقلة ينبثق عنها تمثيل وزاري يحول دون عرقلة الحكومة ويؤسس لانطلاقة حقيقية لعهد رئيس الجمهورية ميشال سليمان».