strong>غسان سعوديعتبر الصراع على استقطاب الشباب أحد العناوين الأساسية في المعركة الانتخابية المستمرة منذ بضعة أسابيع، إذ تسعى المعارضة والموالاة على حد سواء للقول إنهما يمثّلان الشباب ويعطيانهم فرصة للتعبير عن أنفسهم، اقتراعاً وترشيحاً. وقد بدت الأكثرية أشطر من المعارضة، إذ برّزت إفساحها المجال أمام الشباب عبر عدد من المرشحين، منهم نايلة (جبران) تويني، نديم (بشير) الجميّل، سامي (أمين) الجميّل، وسامر (جورج) سعادة. غير أن أداء هؤلاء، عطفاً على إرثهم السياسي والاجتماعي، يظهر خللاً في فهم الأكثرية لتطلّعات الشباب، حتى تبدو محاولات الأكثرية إقناع الشباب بأن الشباب الأربعة هؤلاء يمثّلون جيلاً كاملاً هي أشبه بالاستهزاء بالجيل الجديد والضحك عليه.

أبناء جيل لا يعرفونه

ينظر معظم المواطنين، بما في ذلك جيل الشباب، إلى المرشحين الشباب بوصفهم ورثة، وقد ولدوا والملاعق الذهبية في أفواههم. فلم يستطيعوا مواكبة جيلهم: اشتهت تويني الكشافة فنصّبها جدّها ميشال المر قائدة لفوج كشفي بتغريني. قصدت الجامعة اللبنانية بحثاً عن التواضع، فوجدت الأساتذة يسترضونها. ذهبت إلى «النهار» لتكتب، فعُيّنت مساعدة مدير عام.
عاش نديم ذعر الوالدة. فقبل إنهائه دروسه الثانوية، ذهبت به والدته إلى باريس. ولم يكد يعود إلى لبنان حتى رتّبت له، وبدلاً منه، سفرة إلى قطر بحجة العمل. وحين أراد مباشرة العمل الحزبي في الكتائب، وجدهم ينصّبونه نائباً لرئيس منطقة الأشرفية، في الموقع الذي شغله والده.
سامر سعادة، ربما، رغب في أن يكتشف البؤس في منطقة باب التبانة في طرابلس، حيث يترشّح، لكنّ ظروف والدته أجبرته على أن يعيش طفولته متنقلاً بين قرنة شهوان في المتن، وكفرحباب في كسروان. وحين سعى لمنافسة رفاقه الكتائبيين في تقلّد المناصب في البترون، وجد أن ثقافته السياسية ودهاءه بحكم نموّه في «بيت سياسي» يجبرانه على الترقّي من منصب إلى آخر قافزاً فوق المنافسين.
أما سامي الجميّل، فيبدو متقدّماً على أقرانه. هو أيضاً لم يعرف المعاناة والقلق والسعادة التي يعرفها أبناء جيله. لكنّه، في السياسة، حاول أن يشطح بعيداً من الله والوطن والعائلة، قبل أن يكتشف أن الطريق إلى النيابة، إذا وجدت، تمرّ حكماً بمنزل الوالد.

انفصام في الشخصية

يبدو المرشحون الشباب، في إطلالاتهم الأخيرة، شبه مصابين بانفصام في الشخصية. فمن جهة يريدون القول إنهم هنا ليمثّلوا جيلاً جديداً، وإنهم يترشّحون عن استحقاق، وإنهم أبرياء من التوريث السياسي. ومن جهة ثانية لا تترك تويني مناسبة دون التذكير بوالدها الشهيد جبران تويني، ويتنقل نديم من مطبخ إلى آخر محاولاً تقليد والده في تذوّق الطبخات واشتهاء الفواكه.
هكذا، يسهب نديم الجميّل في الحديث عن دور الشباب وحقّهم في المشاركة. ثم يقول في حوار مع صحيفة «السياسة» (الكويتية) إن ترشّحه في بيروت وترشّح ابن عمّه سامي في المتن أمر طبيعي، «لأنه كان قائماً منذ أيام الشيخ بيار الجد والشيخ موريس». وقد شاء ابن بشير أن يفسّر أسباب ترشّحه عن الأشرفية «لرمزيتها من وجهة نظر المقاومة اللبنانية التي رأسها بشير الجميّل (...)»، مكرراً شعارات كررها والده: «هدفي هو الحفاظ على الدور السياسي للمسيحيين، وقد اكتسبت مؤهلات تخوّلني متابعة حلم والدي وتحقيقه».
وتنفعل تويني حين تُتّهم بالوراثة السياسية، وتردد القول، كما في 8 أيار 2009 خلال لقاء في الأشرفية: «إننا بحاجة إلى دم جديد ووجوه جديدة». قبل أن تكرر ما قالته يوم إعلان ترشّحها (5/2/2009) أنها تترشح «على خطى والدي». وفي 30 نيسان 2009، تجد تويني منفذاً، فتقول إثر زيارتها «الرابطة الأرثوذكسية» في الأشرفية إن «الخوف ليس من الوراثة السياسية، بل من الإقطاعية السياسية».
والسؤال الأساس هنا، هو عن حال تويني والجميليين بصفتهم شباباً، وعلاقتهم بالانتخابات لو لم يكونوا أحفاد ميشال المر وبيار الجميّل، وخصوصاً أن النشاط الاجتماعي للمرشحين هؤلاء في المجتمع وفي الأحزاب لم يرقَ إلى مستوى يؤهّلهم للانتقال إلى النيابة. فلا سامي صنع عبر القاعدة الكتائبية إنجازات، ولا نديم حقق قفزة حزبية نوعية في الأشرفية، حيث هو نائب للرئيس (لماذا لم يترشح الرئيس مثلاً؟ ولماذا لا أحد غير المعنيين بالموضوع يعرف من هو رئيس الإقليم أصلاً؟)، ولا نايلة حققت في رئاستها حكومة الظل الشبابية ما يجعلها قادرة على الانتقال إلى العمل التشريعي.

خطاب أجدادهم

تهرّب 3 من هؤلاء المرشحين من وسائل الإعلام، وضعف قدراتهم في الكلام، عنوانان يجعلانهم يسيئون إلى جيل يفترض أنهم يمثّلونه. هذا الجيل الذي اجتهد ليحافظ على بعض الدينامية في ظل ترهّل الأحزاب، وأوجد حداً أدنى من النقاش السياسي والاجتماعي في مرحلة ما قبل انسحاب الجيش السوري. والمرور سريعاً على مواقف هؤلاء المرشحين يظهر أنهم يعيشون عقدة أجدادهم لا آبائهم فحسب، إذ تخلو خطاباتهم من أي أفكار شبابية جديدة، ومعظمها إما تكرار ببغائي لمنشورات الأحزاب، وإما اقتطاع من خطابات أسلافهم:
في 21 تشرين الأول 2008، يتحدث نديم الجميّل عن «ضرورة الحفاظ على الكيان المسيحي». وبعد ستة أيام، يحدد قضيته: «مهما تنوّعت الطروحات، يبقى وجودنا الحر هو القضية». وعلى سيرة ناقوس الخطر البشيري، في مناسبة أخرى، يقول: «لقد تمكّن بشير الجميّل خلال 21 يوماً من إجبار الإدارة على تطهير نفسها. وهذا ما يجب أن نهدف إليه اليوم». ولأن الخطابات منسوخة من بيانات قديمة، يغيب عن الجميّل أن سوريا افتتحت سفارة في لبنان، فيقول في 24 آذار 2009 إنه «غير مستعد لفتح أي حوار مع سوريا ما دامت لم تعترف بنهائية الكيان اللبناني».
أما أرشيف سامي الجميّل، فغني جداً، وأصدقاؤه يفتخرون بأن قائدهم يحفظ خطابات عمّه بشير غيباً. في 27 نيسان 2009، يضع الجميّل المتنيين أمام خيارين، «الدولة أو غزّة»! وفي اليوم التالي، يخاطب الكسروانيين بالإصبع الكتائبية الشهيرة: «عليكم أن تكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقكم، ولا يحق لكم أن تخذلونا». وانسجاماً مع الجمهور، ينسى الجميّل في 10 أيار 2009 من هم حلفاؤه، فيقول: «هناك فاسدون أينما كان، ولكنّ الفاسد الأكبر هو النظام السوري الذي كان الراعي الأكبر لكل الفاسدين. ولا مشكلة في أن نتصالح مع الفاسد الأكبر، أي مع النظام السوري، لكن علينا أن نحاسب الفاسدين».
لعل شقَّ المرشحين هؤلاء طريقهم أصعب نظراً إلى فقدان معظمهم دعم الوالد في سن مبكرة. لكن المشكلة تكمن في اعتبار هؤلاء ممثّلين لجيل الشباب.
ثمّة جيل شبابي يحبطه ترشّح هؤلاء باسم الشباب، إذ يعجز أن يرى فيهم إلا صور آبائهم. والمشكلة أنهم أنفسهم سعداء بهذه الصورة، لا يسعون إلى الانتفاض عليها، متجاهلين أن قوة الشباب تكمن في ثورتهم على الأهل.


مكافح ومبادر

في الانتخابات السابقة، نجحت الأكثرية في إيصال نائبين شابين إلى المجلس. الفرق الرئيسي بينهما وبين مرشّحي الأكثرية الشباب في هذه الدورة هو الخبرة السياسية.
فالنائب وائل أبو فاعور لم يأتِ من عائلة سياسيّة، هو شاب من عائلة متواضعة، عاش طفولته في بلدته تلميذاً في مدرسة حاصبيا الرسمية. ولاحقاً نجح في دخول الجامعة الأميركية في بيروت. هناك تمرّس في العمل الحزبي ضمن منظمة الشباب التقدمي التي ترأسها في ما بعد، وقد أسس شبكة علاقات واسعة. وهو عرف كيف يؤدي دوراً شبه استثنائي، فيشدّ عصب الاشتراكيين انطلاقاً من أنهم أبناء فكر كمال جنبلاط ونضالاته، مع فهم لخيارات وليد جنبلاط وتسويغها.
وقد أحسن إدارة الملف المسيحي، فمهّد منذ أواخر التسعينيات الجسر لجنبلاط نحو القوى المسيحية المعارضة للوجود السوري في لبنان.
يمثّل النائب والوزير السابق بيار الجميّل نموذجاً ثانياً. الجميّل ابن العائلة السياسية المخضرمة لم ينتظر المجد، فذهب هو إليه، إذ ترك والده في فرنسا، وعاد إلى لبنان عام 1998 ليؤسّس لحركة سياسيّة عمد إلى تشييدها حجراً تلو آخر، متنقّلاً من منطقة إلى أخرى، ملتقياً الصغير قبل الكبير. ورغم الإرث «الذي يشدّ إلى الأسفل» الذي تركه له والده قبل مغادرته لبنان، حاول التواصل مع القوى السياسية كلها، وفتح ثقوباً في نجح في الفوز في الانتخابات عام 2000 بعرق جبينه، وعلى الصعيد الحزبي، كان للجميّل الفضل في إعادة إدخال والده الرئيس أمين الجميّل إلى الحزب عام 2005.