البقاع الأوسط، مخيم بر الياس. الحرارة نهاراً بلغت ثلاث درجات تحت الصفر. المكان تحديداً: خيمة. تجتمع أربع عائلات حول الصوبيا مدة ساعة. ساعة فقط يخزّن فيها هؤلاء دفئاً مسروقاً، لأن كمية المازوت المتوفرة لا تسمح بإشعالها أكثر. الثلج تجاوز نصف متر. هنا ماتت أول من أمس هالة ابنة الأربع سنوات.البقاع الشرقي، هنا مخيمات عرسال. الحرارة ليلاً انخفضت الى ست درجات دون الصفر. المكان أيضاً: خيمة. الصوبيا موجودة لكنها باردة بسبب عدم توفر المازوت. الأطفال يجلسون في زاوية الخيمة «ملتحفين» جميع الشراشف والبطانيات التي يملكونها، يسمعون إيقاع ضرب أسنانهم بعضها ببعض. مياه الشرب مقطوعة، مجمّدة داخل الخزانات والقساطل.

الجنوب، شبعا. الحرارة لم تتجاوز منذ أمس الواحد دون الصفر. لا خيام هنا، إنما يتوزع الجميع على مبانٍ قيد الإنشاء ومرائب السيارات. مع كل تساقط للثلج تُعزل شبعا، ويُعزل معها آلاف المقيمين واللاجئين. لا يزال «أنس» منذ عاصفة العام الماضي،» أليكسا»، يستخدم الـ»لكَن» نفسه ليشعل فيه ما تلتقطه يداه الباحثتان عن الدفء فقط.
تشير إحصائيات المفوضية الى وجود 408 آلاف لاجئ في البقاع يتوزعون على 850 مخيماً. 56% منهم أطفال لم يتجاوزوا السابعة عشرة. أما في شبعا، فهناك أكثر من 5000 لاجئ. وعلى صعيد لبنان، تبلغ نسبة اللاجئين القاطنين في خيم ومبان غير منتهية 40% من عدد اللاجئين، فيما يتوزع 14% على مخيمات عشوائية. فشل الجميع، مجدداً، ومثل كل عام، في إنقاذ اللاجئين السوريين. المشاهد الآتية من المناطق الجبلية المرتفعة موجعة. وحده البكاء سيطر على وجوه الأطفال الذين حلموا بمكانٍ دافئ يحمي أقدامهم الصغيرة من تسلل الجليد إلى شرايينها. فشلت المنظمات، وعلى رأسها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في تأمين الحد الأدنى الكافي ليعيش 6 أطفال توفوا أول من أمس جراء البرد القارس. فشلٌ يعكس بوضوح سقوط المجتمع الدولي والدولة اللبنانية، في التعامل مع أكبر أزمة إنسانية يواجهها العالم اليوم.
حتى ظهر أمس، أُبلغ عن وفاة طفلين في عرسال: رضيعة وطفل يبلغ من العمر أربعة أشهر. العدد ليس نهائياً ومرشح للارتفاع بشكل كبير بسبب تدني درجات الحرارة في البقاع والجنوب والشمال إلى أكثر من ثلاثة دون الصفر.
جميع المخيمات في البقاع تضررت بشكل رهيب، فالخيام هبطت على رؤوس قاطنيها بسبب تراكم الثلوج فوقها، بينما اقتلعت الرياح القوية عدداً كبيراً منها ومزّقت شوادرها. المخيمات الموزعة في مناطق البقاع الشمالي انقطعت عن العالم لساعات طويلة فتعذّر على المنظمات أن توصل إليها أي مساعدات. المخيمات محاصرة بالثلوج و»شعب الخيام» عالق داخلها من دون وسائل تدفئة، إذ استنفد قسم كبير منهم «غالونات» المازوت التي حصلوا عليها في اليومين الماضيين وبدأوا بتجميع الحطب وحرق الاسفنج وكل ما تقع عليه أيديهم، «الدفء ولا شيء غير الدفء». مياه الشرب تجمّدت داخل الخزانات والقساطل في عرسال وبر الياس وشبعا. انقطعت المياه فجمّع اللاجئون الثلوج وأذابوها على الصوبيات المتوفرة أو على الغازات الصغيرة التي يملكونها، وشربوا.
المشكلة الأساسية التي يواجهها الجميع في المناطق الجبلية هي النقص الحاد في مادة المازوت. بعض العائلات التي حصلت على بطاقات لتعبئة المازوت في شبعا بقيت البطاقات معها. يؤكد المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في منطقة العرقوب محمد جرار أن محطات الوقود في شبعا لا تملك أي مخزون من المازوت، وهناك عدد كبير من العائلات تعيش من دون تدفئة. كذلك غابت هذه المادة عن مخيمات عدة في عرسال حيث لم يحصل الكثيرون على مازوت للتدفئة، ما يعني اعتمادهم فقط على البطانيات. أما الذين حالفهم الحظ فحصلوا على 20 ليتراً فقط تكفيهم ليومين. يقول أحد الناشطين في عرسال إنه «من أصل 20 خيمة نهاراً، هناك خيمة واحدة تُشعل الصوبيا يجتمع فيها عشرات الأشخاص. يوفّر الباقون المازوت لاستخدامه ليلاً حين تنخفض الحرارة بشكل رهيب». يشير بعض أصحاب محطات الوقود الى أنهم لم يخزّنوا كميات كبيرة من المازوت خوفاً من تدني الأسعار الحاصل، أمّا بعض اللاجئين فيتحدثون عن تلاعب في عدادات عدد كبير من المحطات، بينما يقوم البعض بزيادة 2000 ليرة على سعر التنكة.