في زغرتا فريق يقول إن فرنجية عفا عمّن اعتذر، لكن جعجع لم يعتذر■ كوكب لا تجد ما تقوله للسفاحين وتسأل عن الهدف من الغفران
■ حلفاء القوات في طرابلس حذرون في اختيار كلماتهم عشية ذكرى اغتيال كرامي

العنوان الأساسي لمعركة الأكثريّة النيابيّة اليوم، كما في 2005، هو حماية مسار معرفة هوية مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومحاكمتهم. هذا العنوان، السحر ينقلب على الساحر في زغرتا وطرابلس ودوائر أخرى، حيث تَمثُل جرائم أخرى عليها بصمات بعض الأكثريين المتعالين رغم ارتكاباتهم

غسان سعود
لا يطلّ النائب سعد الحريري مرّة على الناس إلا يبلغهم فيها أن الاقتراع لغير لوائح تيار المستقبل بمثابة مسايرة لقاتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وعادة، بعد هذه العبارة، يقبض الحريري الابن على الميكروفون مردداً بأعلى صوته أن محو الجريمة أو الوصول إلى معرفة الحقيقة مرتبطان مباشرة بنتيجة الاقتراع، وعلى الناخب الاختيار بين الخيارين.
وعلى الطريقة الحريريّة، يجتهد أهل الشهداء الآخرين: سامي الجميّل يحمل صورة شقيقه بيار من بلدة متنية إلى أخرى، داعياً الناس إلى عدم مهادنة القتلة. نديم الجميّل ينسى دور عمّه أمين في العفو عن قتلة والده، ويغضّ النظر عن جلوس وزراء حزبه إلى جانب من يفترض أنهم ممثّلو القتلة، لينهمك بمطالبة أهل الأشرفية بعدم العفو وعدم الاقتراع لحلفاء القتلة. نايلة تويني تكرر في كل مرة بضع كلمات، تتكرر أيضاً في خطابات الحريري، عن معاقبة القتلة في صناديق الاقتراع، كي لا تُمحى الجريمة. ميشال المر تذكر أخيراً أن «القتلة» حاولوا اغتيال نجله الياس. مروان حمادة ومي شدياق لا يحتاجان إلى الكلام. إنهما من الشهداء الأحياء.
هكذا، لكل دائرة شهيدها، حيث تخوض الأكثرية الانتخابات كي تفوز وتتمكن من معرفة قتلته لمحاكمتهم إرضاءً للشعب الغاضب، المنتظر للحقيقة. هذه الحقيقة التي يؤخّرها كل صوت يذهب إلى مرشح منافس، ويسهم في طمس الحقيقة.
عنوان حملة الأكثرية استخدم في الانتخابات السابقة. لكن، هنا، ثمة مفارقة غريبة: قتلة الحريري وبشير وبيار وتويني مجهولون، أما المتهمون بقتل الرئيس رشيد كرامي والنائب طوني فرنجية فمعروفون، وهم من أقطاب الأكثرية. كأن الزمن يسمح بمحو الجريمة أو القفز فوقها، حتى لو لم يعتذر مرتكبها.

«لا ننتخب من قتلنا»

تغنّي كوكب إسكندر: «واقفة عالشط بكّاني السفر، مين متلي تعذب وقدّي نطر! يا طير الطاير قلّن، ولادي كتير شتقتلن، وقلّن بيحبن قلبي، إنكن ضايعين عن دربي، دخلك عدربي دلّن، ويا عالم لا تلوموني، ع فراق ولادي عميو عيوني، وأنا صرت مجنوني».
وحدها تغني، ومع الناس تغني، وفي المقبرة تغني، كأنه اليوم، 13 حزيران 1978، كأن فقيديها سركيس (24 عاماً) وبدوي (17 عاماً) ما زالا في صالون المنزل. تبدو في الثياب السوداء ورأسها المغطى بالمنديل، ويداها المرتجفتان وشفتاها، كأن عمرها تجاوز مئة عام.
كوكب، صاحبة العينين الدافئتين لم تصعد قطّ إلى إهدن بعد الهجوم الكتائبي الذي قاده سمير جعجع واستشهد بنتيجته طوني فرنجية (والد سليمان فرنجية) وزوجته فيرا وابنتهما جيهان (3 سنوات)، إضافة إلى 28 آخرين. وهي تمضي معظم وقتها في المقبرة. كوكب لا تجد ما تقوله لـ«السفاحين» أو لحلفائهم. وتسأل عن الهدف من الغفران لمن لا يطلبه.
قرب كوكب، هناك دائماً أنطوانيت فنيانوس، شقيقة أنطوان الذي كان الشاب الوحيد في أسرة تضم 6 بنات. أنطوانيت تزوّجت قلادة صغيرة فيها صورة شقيقها، وعاشت عمرها قرب قبر «الوحيد». هي تذكر أن شقيقها طلب منها مالاً قبل استشهاده ليكمل المبلغ المطلوب ويشتري غرفة نوم كي يتزوج. وبعد الجريمة مدّت يدها إلى أمواله لتشتري بها له قبراً. أنطوانيت تقول إن الكتائبيين سكّروا منزلها. وبعينين واثقتين تردد: «حاولت كثيراً، لكنني لا أستطيع أن أغفر. وأصلي إلى الله أن يتسلّم أهل القاتل هم أيضاً «هدية» كالتي أهداني إياها. فيُقفل منزلهم».
واكيم يمّين كان رضيعاً يوم مقتل والده في المجزرة نفسها. يختار كلماته بعناية فائقة، قائلاً إن المشكلة ليست أبداً مع شباب القوات، المشكلة حصراً مع سمير جعجع، «المتباهي بجرائمه قبل اعتقاله وخلاله وبعده». ويقول يمّين إنه يرى أن المرشحين باسم التحالف مع القوات في زغرتا اليوم لديهم حيثيّة زغرتاوية يحافظون عليها رغم ذهابهم مع جعجع. والمشكلة تكمن في تحولها إلى حيثية خاصة بجعجع. من هنا، المطلوب إقناعهم بالابتعاد عنه ليحافظوا على وجودهم الزغرتاوي، مشيراً إلى أن معظم الزغرتاويين كانوا يأملون عدم حصول تحالف كهذا. وبعد صمت لثوانٍ قليلة، يرى يمّين أن الجريمة بعد 3 عقود تبقى كبيرة وعصيّة على النسيان. ويرى أن «الموضوع أكبر من انتخابات»، داعياً المقترعين إلى «النظر جدياً في الخيارين المتوافرين، وأخذ العبر من الماضي لا الاقتراع لشعارات من قتلنا. ويشدد على أن الزغرتاويين من دون استثناء تأذَّوا من جريمة إهدن لا آل فرنجية وحدهم».

اعتزاز بالحلف مع المتهم

في زغرتا، الجريمة واضحة. لا الكتائب غسلت يديها ممّا حصل هناك، ولا سمير جعجع الذي ابتعد عن إهدن بعد إصابته إثر الاجتياح الشهير (ثمة روايتان: واحدة تقول إن طوني فرنجية أصابه، ورواية أخرى تؤكد أن أبو جو هو من أصابه. فيما يقول جعجع إنه أصيب قبالة المنزل أثناء انسحابه من المدينة في إحدى السيارات).
لكن، لا يكاد يبالي أحد، ثمّة في المدينة من يتحالف علناً مع من يصفهم بعض الزغرتاويين بالقتلة. وقد بدأ القفز فوق الجريمة مع ذهاب وفد من آل معوض إلى بشري، إثر اغتيال الرئيس رينيه معوض، لشكر جعجع على تعزيته.
اليوم، لا يُعير منافسو سليمان فرنجية على زعامة زغرتا، ميشال معوض وجواد بولس ويوسف الدويهي، اهتماماً، لا لكوكب ولا لأنطوانيت ولا لواكيم ولا للآخرين كافة. فهم حرصوا على إعلان ترشحهم بحضور مسؤولي القوات اللبنانية في المنطقة (فهد جرجس وريكاردوس وهبة وسركيس الدويهي). وغضّوا النظر عن التسريبات التي تؤكد انضمامهم إلى الكتلة المسيحية التي سيرأسها جعجع في حال فوزه.
في كل الحالات، مجرد تكرارهم الاعتزاز بالتحالف مع القوات اللبنانية والكتائب يعني أن ناخبيهم قفزوا فوق الجريمة، غير مبالين بدعوات الحريري ونديم وسامي ونايلة تويني إلى عدم مسامحة القتلة أو من يؤيدهم.
وتنتهي وجهة النظر الزغرتاوية إلى القول إن وجود نائب في زغرتا لجعجع، أو مرشح له يحظى بتأييد أكثر من 40% من الزغرتاويين يعني أن الشعب الزغرتاوي تصالح مع جعجع، ومُحيَت الجريمة التاريخيّة.
في الشكل، يبدو الأمر كذلك، لكن التفاصيل تبيِّن وقوف اللامبالاة عند حدود معينة. والأمثلة العفوية كثيرة، أبرزها تلك التي حصلت في أحد المستشفيات حين مدَّ النائب جواد بولس يده ليصافح أحد الزغرتاويين فتراجع الأخير طالباً منه أن يصافحه باليد الأخرى لرفضه وضع يده باليد التي تسلّم على جعجع، ما أضحك بولس فأجابه المواطن الزغرتاوي: سبق قبل ثلاثين عاماً أن ضحكنا بهذا الشكل من كثرة البكاء.
هكذا، تتخذ القضية طابعاً سجالياً في زغرتا: فريق يقول إن الوزير السابق سليمان فرنجية عفا عن الذين اعترفوا بإطلاقهم النار شخصياً على والدته وشقيقته (تلك الفتاة المفعمة براءة صارت بمثابة القديسة بالنسبة إلى الزغرتاويين الذين لا ينسون صورتها غارقة بدمائها)، وفريق آخر يردّ بأن فرنجية عفا عمّن اعتذر، لكن جعجع، حليف معوض وبولس والدويهي، لم يعتذر. وعادة حين ينتهي الحكم القضائي يفرض على المحكوم السابق البقاء في الإقامة الجبرية وعدم التعرّض لأهالي الضحايا. لكن «قائد القوات»، يتابع أحد الزغرتاويين، بادر إلى صبّ اهتمامه على زغرتا بحثاً عن الوسيلة المناسبة لدخولها أو إقلاق راحة فرنجيّة بمشاكل لم تصل في عزّ تنافسه السياسي مع نايلة معوض قبل خروج جعجع من السجن إلى مستوى التوتر الذي تبلغه اليوم.
وفي رأي بعض مسؤولي المردة، فإن جعجع يبحث عن عنف في زغرتا يلهي فرنجية عن الاهتمام بزعامته في الأقضية المجاورة. ويؤكدون أن فرنجية يوم مقتل أبو جو، مثلاً، ويوم حوصر منزل سمير فرنجية في إهدن احتجاجاً على علاقته بالقوات، تدخل شخصياً لتهدئة الناس، مردداً أن المشكلة ليست مع الخصوم الزغرتاويين، بل «مع معلميهم». المسؤولون أنفسهم يقولون إنهم متأكدون من أن معوض حريص على حيثيته الخاصة، ولن يسمح للقوات اللبنانية بأن تبني حيثيتها على كتفيه، لكنهم يبدون قلقين من النائب جواد بولس، مؤكدين أن حيثيته الشخصية محدودة. من هنا، فإن نمو القوات وركوب بولس الموجة الحزبية يمكّنانه من تعزيز حيثيته وتمتين زعامته الموعودة. وفي هذا السياق، يسأل أحد المرددين: «يكرر جواد القول إن والدته كانت صديقة للسيدة فيرا، والدة سليمان فرنجية، وأنهما رسمتا معاً علم المردة. لكن كيف يقبل بولس الجلوس مع من أمر بذبح صديقة والدته؟».
ريكاردوس وهبة، المسؤول في القوات اللبنانية في زغرتا، يرى أن لا أحد، لا الوزير السابق سليمان فرنجية ولا غيره، يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أو يسمح بقمع حرية الرأي. ويؤكد أن القوات تتحاشى إثارة بعض الحساسيات في زغرتا، آخذة التاريخ في الاعتبار. وهي تنشط نشاطاً شبه طبيعي باحثة عن التوسع المنشود في لبنان كله. ويعتقد وهبة أن الناس أخذوا خيارهم ولا يؤثر فيها كلام من هنا وآخر من هناك، مشيراً إلى أن فوز الوزير فرنجية محسوم، لكن معوض وبولس وكرم والدويهي يتنافسون بجدية على المقعدين الباقيين.

جريمة! أيّة جريمة؟

من زغرتا إلى طرابلس، يبدو الناس أقل تأثراًً بالجريمة التي ذهب ضحيتها الرئيس رشيد كرامي في 1 حزيران 1987، وقلّة تتوقف عند غرابة تحالف ابن رئيس حكومة شهيد مع جعجع المدان بتدبير اغتيال كرامي والمحكوم بالسجن المؤبد. كأن الزمن مرَّ عليها، أو أن التضامن ينتهي مع مرور الوقت، مع العلم بأن ترشيح كتائبي (سامر سعادة) على لائحة المستقبل كان يفترض أن يفاقم استفزاز أبناء المدينة التي سبق أن سارت كلها خلف نعشه.
هل نسي أهل طرابلس الذين ينتخبون من أجل الحقيقة اليوم، الحقيقة الأخرى؟ أم عفَوا؟
يتمهل المرشح عن المقعد السنّي في طرابلس خلدون الشريف، القريب من كرامي، قليلاً قبل أن يحدد 5 عوامل أثّرت كثيراً في الطرابلسيين عموماً:
1ـــــ دم الرئيس رفيق الحريري،
2ـــــ سوء الأداء السوري،
3ـــــ الدعم الإعلامي،
4ـــــ عامل المال،
5ـــــ التحريض المذهبي من كل الأطراف من دون استثناء.
ويرى أن حشد 31 أيار في ذكرى اغتيال الرئيس كرامي سيثبت إذا كان الناس قد قفزوا فوق الجريمة أو ما زالوا أوفياء. ويرى أن العنوان ليس «شهادة رشيد» بحدّ ذاتها، بل «منع إلغاء شهادة رشيد».
وفي المدينة المترقّبة 7 حزيران بحماسة، يبدو أنصار تيار المستقبل، حليف القوات اللبنانية والكتائب، حذرين في اختيار كلماتهم بشأن التحالف عشية ذكرى اغتيال كرامي. ويؤكد أحد مسؤولي تيار المستقبل في المدينة أن المصلحة الوطنية قضت بالعفو عن جعجع، وقد حاول تيار المستقبل بداية مراعاة مشاعر الرئيس عمر كرامي، لكنه أغلق الأبواب كلها، ورفض تفهم دوافع المستقبل.
يبدو العاملون في ماكينة الرئيس كرامي شرسين في الدفاع عن وجهة نظرهم: يسأل أحدهم عن ردّة فعل سعد الحريري إذا طلب منه بعد بضع سنوات أن يغض النظر عن اغتيال الرئيس الحريري ويعفو عن القتلة من أجل الوحدة الوطنية؟ ويشير آخر إلى أن رفع بعض أعلام القوات هنا وهناك في طرابلس لا يعني أن المدينة عفت عن جعجع أو محت من ذاكرتها ارتكاباته، ليس اغتيال كرامي وحسب، بل كل ما فعلته القوات على حاجز البربارة وغيره في حق أبناء الشمال. ويؤكد أن التحدي الأساسي لجعجع يكون في تجرّئه على الحضور إلى طرابلس أو مجرد المرور بالمدينة. ويشير بإصبعه إلى بعض الشبان المجتمعين في إحدى الزوايا مردداً: هؤلاء يدركون الأخذ بثأر الرئيس، وهم ليسوا متأهّبين ضد حضور جعجع إلى طرابلس، لكنهم يرفضون التفكير في إمكان مروره بالمدينة عابراً إلى عكار مثلاً. فيما يؤكد آخر أن خطاب الرئيس عمر كرامي في ذكرى الاغتيال كل عام يكون «قمة» في شد عصب المدينة، وهو هذا العام يتزامن مع موعد الانتخابات النيابيّة ومع ترشح كتائبي في عاصمة الشمال، ما يفترض أن يكون له مضاعفات حتميّة في صندوق الاقتراع. وقبل الانتقال من مكتب إلى آخر في مقر ماكينة كرامي، يقول أحد المسنين: «أوقح ما سمعته في حياتي، هو قول النائب سمير الجسر إنهم لم يمانعوا في انضمام الرئيس كرامي إلى اللائحة، لكنّ الأخير متمسك بموقفه السياسي». كأنهم يريدون من «الرئيس» أن يأتي ليقف معهم قرب حليفهم سمير جعجع، المتهم بقتل شقيقه. ويستغرب المسنّ ما يسميه «وقاحة المستقبل في ما يتعلق بالقوات اللبنانية»، ويجزم بأن الناس «يحبون سعد الحريري كثيراً، لكن ذلك لا يعميهم عن أمور أخرى. وغالبية الطرابلسيين تتفهّم موقف الرئيس من المستقبل ويقدّرون استيعابه الاستفزاز ليجنّب المدينة الخضّات».
بعيداً من طرابلس، في مقاهي المينا، يمثّل سامر سعادة المادة الرئيسيّة لنكت الشباب هذه الأيام. بعضهم يخبر عن نظرة أهل البترون إلى طرابلس وقد راكموا في ذاكرتهم العبارات المؤذية التي سمعوها في عاصمة الشمال الثانية بعد طرابلس. وبعضهم يخبر زملاءه أن سعادة انضم أخيراً إلى مجموعة على الفايسبوك اسمها «تعرّف إلى طرابلس». وثمة في معظم «الجمعات» من يقف فجأة مطالباً بإحضار سعادة إلى ساحة التل معصوب العينين ثم الطلب منه العودة إلى البترون، مؤكداً أن الأخير سينظر إلى المتجمهرين قبالة «سيخ الشاورما» ويرتجف خوفاً. وقد أجّج سعادة نار السخرية منه عبر الصور التي نشرها لسعادته وخلفه قلعة طرابلس، كأنه أراد التذكير بأن القلعة شيّدها الصليبيون لاحتلال طرابلس.

القوات يُخلون جبل لبنان

ابتعاداً بعض الشيء عن الشمال، تثقل مآثر القوات حركتها الانتخابيّة، وتبطئها كثيراً في سعيها وراء الموقع الثاني في الساحة المسيحية بعد التيار الوطني الحر. كأن معمودية السجن لم تكف لتبرئة جعجع من جرائم قواته: في الشوف مرشح قواتي يحاصره الجنبلاطيون الحذرون من عودة القوات إلى الشوف والمجتهدون للحؤول دون ذلك، قاطعين الطريق على محاولات جورج عدوان المتواضعة لتحقيق غاية كهذه. في بعبدا وعاليه لا مرشح ولا حتى مرشحين أصدقاء. في الأشرفية استبعاد علني ومرشحون يتبرّأون من «اتهامهم» بالصداقة مع القوات. في المتن إدي أبي اللمع مرشح يرتاح ميشال المر إلى ضآلة حيثيته الشعبية. في كسروان لا أحد من المرشحين يزور جعجع علناً، وهو الساكن وسطهم. وفي جبيل تبنّى جعجع فارس سعيد فتبرّأ الجميع منه.


حصار الأحقاد

كان يفترض أن تكون أمور سمير جعجع الانتخابية أسهل هذه الدورة، لكن ثمّة «أحقاداً» كثيرة على قائد القوات تحاصره: في عكار عائلات المخطوفين على حاجز البربارة. في طرابلس أنصار الرئيس عمر كرامي. في زغرتا أهل مجزرة إهدن. في أعالي البترون شباب سيدة إيليج. في جبيل طنوس القرداحي (مسؤول الكتائب في القضاء) وأهل عمشيت الشهود على تصفيات القوات. في كسروان منصور البون من جهة وأصدقاء الياس الزايك من جهة أخرى. في المتن الكتائب تهتم بحصار القوات. وفي بعبدا وعاليه والأشرفية هناك عشاق إيلي حبيقة الذي لا يستطيعون رؤية صورة لسمير جعجع إلا يتذكرون أصدقاءهم الذين كتبت ريجينا صنيفر في كتابها «ألقيت السلاح» أن المؤتمرين بجعجع «أثقلوهم ورموهم في البحر»، مؤكدة سماعها أنصار جعجع يعترفون بقتل هؤلاء، وإثقالهم بالباطون قبل رميهم في البحر ليتحلّلوا في قعره ولا يجدهم أحد.


«بدنا نقرفهم»
جواد يختار فرنجية
رفيقان في اللحظات الصعبةولاحقاً، تقدم موكب التشييع الرئيس فرنجية محاطاً بمعوّض والدويهي وسليم كرم وسيمون بولس (والد النائب جواد بولس). لذا، يستغرب بعض الزغرتاويين موقف ميشال معوض وجواد بولس، على اعتبار أن والديهما كانا شاهدين على هول مآثر جعجع.


جعجع أراد احتلال قصر فارغ!ويروي سمير جعجع لريشار لابيفيير أنه اقترح في الاجتماع الكتائبي الأخير قبل الهجوم على إهدن، بحضور بشير الجميّل، احتلال إهدن لأمد محدد. ويؤكد أن المطلوب كان احتلال البلدة، و«استهداف طوني فرنجية وأسرته لم يكن وارداً في أيّ لحظة». وينفي جعجع أن يكون قد دعا طوني فرنجية إلى تسليم نفسه، كما يروي معظم الشهود. ويرى أن ما حصل كان نتيجة تشتّت المهاجمين وبلبلتهم، وأنهم تسلّلوا بهدوء، وانتشروا، وطوّقوا القصر، لاحتلاله فارغاً.
وعن سبب اختيار بشير الجميّل له، يقول جعجع إنّ «مقاتلي بشري كانوا يشكلون قوة من النخبة صعبة المراس، وكان الشيخ بشير يعلم أنني قادر على ضبطها... ولأنّني كنت ذا خبرة عسكرية في الجبهة الشمالية. لهذه الأسباب اختارني». وعن تقييمه لقضية إهدن بعد ثلاثين عاماً، يرى جعجع أن «كل هذا هو عبارة عن قضية تعيسة. كانت آخر حلقة في سلسلة أحداث تعيسة ابتدأت قبل أشهر. قضية إهدن لم تكن قضية اغتيال، بل مرحلة في سيرورة تدهور سياسي، جعل منها آل فرنجية موضوع تجارة سياسية، فيما هي حلقة بائسة في سلسلة من الأحداث».