طرابلس ـ عبد الكافي الصمدهذه الانطباعات كانت قد بدأت تتكوّن ابتداءً من بعد ظهر أمس، عندما تلقّى الحريري وهو في طرابلس «صدمة» غير متوقّعة، عندما لم يلبِّ سوى 28 مختاراً من مجموع 60، دعوة للقائه في مقر إقامته في فندق كواليتي ـــــ إن في إطار لقاءاته المتعددة مع الوفود والشخصيات السياسية، ما جعل ذلك يعدّ نموذجاً ومؤشراً إلى أن مشهد الحشود التي كانت تتجمّع في السابق منتظرة لساعات الاجتماع به، قد شهد تغييراً جذرياً يستدعي إعادة نظر، وإجراء عملية نقد ذاتي عميق، لدرس مكامن الخلل وتصحيحه.
عودة الحريري إلى الشمال مجدّداً، استدعاها وفق مصادر سياسية متابعة «التعثّر في الانطلاقة التي تعانيها لوائحه، وعدم تمدّدها تمدّداً كافياً في الأوساط الشعبية»، وهو أمر عكسته أغلبية استطلاعات الرأي الخاصة، التي دلّت على أن تيار المستقبل وحلفاءه «يعانون في الدوائر ذات الأغلبية السنية، مصاعب لم يعهدوها في الانتخابات الماضية، وهي جعلت طريقة استيعابهم الطارئ منها تبدو مشوبة بالارتباك وعدم الخبرة. ولعل هذا ما دفع الحريري إلى التحرك على عجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».
ففي طرابلس، بقيت عقدة النائب مصباح الأحدب بلا حل يهدّئ من بال الحلفاء وروعهم، ولم تُجدِ نفعاً تصريحات الحريري في تشديده على ضرورة التصويت للائحة التضامن الطرابلسي بكامل أعضائها، دون تشطيب أيّ اسم منها، وتبريره ذلك «لأننا ملتزمون التحالف الذي أقمناه مع جميع الأطراف، وعندما يلتزم تيار المستقبل بقرار ما فهو يحترم هذا الالتزام، ولا يتراجع عنه».
فبقاء الأحدب وحده من بين حلفاء الحريري في الساحة، من غير أن يستطيع إقناعه بالانسحاب، كما لم يكن صارماً كفاية في التعاطي معه، بدا كأنه «قطبة مخفية» أثارت ارتياب حلفائه، وإن لم يعلنوها، وخصوصاً أنها تواكبت مع لافتات رفعها أنصار الأحدب في طرابلس، بدت كـ«رسائل مضمرة»، ورأوا فيها أن «باريس من دون برج إيفل، متل بيروت من دون سعد الحريري، ومتل طرابلس من دون مصباح الأحدب».
في غضون ذلك، أشارت مصادر سياسية إلى أن جولة الحريري الشمالية لم تكن لشد عصب جمهوره، ودفعه إلى تأييد لوائحه بلا تشطيب سيكون منفذاً لخصومه، وسيعدّ انتكاسة سياسية وشعبية كبيرة له في حال حصوله، بل لـ«معالجة تداعيات عدد من المشاكل الداخلية، التي تبدأ بالأحدب في طرابلس، وتمر بمحمد علم الدين في المنية، بهدف انتشال لائحة المستقبل في المنية ـــــ الضنية من الورطات التي وجدت نفسها غارقة فيها بلا مواعيد مسبّقة، وتنتهي بإحاطة لائحة المستقبل في عكار بـ«جدار واقٍ» من الأمواج المتلاطمة حولها».
ولفتت المصادر إلى أنه «بعد المشهد الانتخابي الذي ساد أمس في الشمال، لا يمكن إلّا لمكابر أن يستبعد حصول مفاجآت ليست في حساب أحد. ففي طرابلس، لم يعد النائب السابق أحمد كرامي المستهدف الوحيد، أو الحلقة الأضعف في لائحة التضامن الطرابلسي، وإن كان يلقى دعماً كبيراً من الرئيس نجيب ميقاتي، بل إن النائب سمير الجسر هو أيضاً في دائرة الخطر، وإلى حد ما النائب محمد كبارة، لأن الرئيس كرامي إضافةً إلى الأحدب ومرشّحه خلدون الشريف، باتوا يمثّلون تهديداً جدياً للائحة، بعدما فرضوا على الخصوم خوض معركة انتخابية كانت حتى الأمس غائبة عن عاصمة الشمال». وهو ما دفع كرامي إلى القول ممازحاً أول من أمس، بعد زيارته مقر التيار الوطني الحر في طرابلس، إنه «على أنصار الفريق الآخر أن يصوّتوا له، إذ لولاه لما كانت هناك معركة، ولما كانوا سيقبضون أموال البترودولار التي تُصرف بدون حساب، من أجل القبض على قرار طرابلس وأبناء طرابلس».
لا يقتصر الخطر الداهم على لائحة التضامن من الثلاثي السني المذكور فقط، بل إن مرشح جبهة العمل الإسلامي الشيخ بلال شعبان، ومرشح الجماعة الإسلامية ياسر درغام، يمثّلان استقطابا للأصوات سيأخذ من طريق اللائحة، إضافة إلى النائب السابق جان عبيد، الذي أخذ «جرعات مقوّية» في الأيام الأخيرة، جعلت اقترابه من العودة إلى المقعد الماروني في طرابلس مسألة تحمل الكثير من الجدية.
لكن مصادر مقرّبة من لائحة التضامن أوضحت أن جولة الحريري الشمالية، هي بالدرجة الأولى لـ«تأكيد زعامته السنية على مستوى لبنان كله، وهو كان مرتاحاً لمجريات الأمور، وبدا في خطاباته بعيداً عن الحدّة، إلا في ما يعني الشأن الانتخابي البحت».
لكن المصادر أشارت إلى أن الحريري «يدرك أن ماكينة تيار المستقبل الانتخابية ليست قادرة بالشكل الكافي على تجيير أصواتها للّائحة كما يجب، وإن كان جو طرابلس الانتخابي يهيمن عليه المستقبل، لكن هذا الجو يحتاج إلى «شدشدة» براغيه، وهذا ما أتى الحريري ليفعله».
في المقلب الآخر، حمل المهرجان الانتخابي الذي أقامه المرشح للمقعد العلوي رفعت عيد في جبل محسن أكثر من رسالة: الأولى أن أغلبية العلويين في طرابلس يؤيدونه، ما يعني أن صدقية تمثيل أي علوي آخر ستكون موضع أخذ ورد. والرسالة الثانية هي ما تضمّنه موقفه من هجوم عنيف على ميقاتي، بعدما كان قد اتهمه سابقاً بـ«التآمر على الطائفة العلوية». والرسالة الثالثة أنه أقام مهرجانه في الموعد ذاته الذي أقام فيه كرامي مهرجانه، لينفي عن الأخير تهمة كانت جاهزة عند خصومه، ومفادها أن العلويين هم من يحضرون مهرجانات كرامي ويعوّمونها، وجاء مهرجانا أمس ليدحضا هذه التهمة، وليدعمها في موازاة ذلك الحضور اللافت لأبناء منطقة باب التبانة في مهرجان كرامي، وخصوصاً أنها تعدّ «الخزان» الشعبي والانتخابي الأكبر في طرابلس.