خرقت إسرائيل كلّ الخطوط الحمراء التي تمّ إرساؤها خلال العامين الأخيرين، بإقدامها على اغتيال مجموعة من كوادر المقاومة في الجنوب السوري. واختيار ميدان القنيطرة تحديداً، أبعد من «الاستطلاع بالنيران» الذي أجرته إسرائيل أمس لاختبار مدى جديّة محور المقاومة بالردّ على الاعتداءات الصهيونية في سوريا ولبنان.
إذ يأتي الاعتداء بعد أيام على مقابلة الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصرالله، وحديثه عن المقاومة في الجولان وقدرة المقاومة على الدخول إلى الجليل، والتعاون العلني بين إسرائيل و«جبهة النصرة». وإذا كان اغتيال الشهيد حسن حيدر عبر تفجير جهاز تنصّت إسرائيلي في بلدة عدلون الجنوبية في تشرين الأول الماضي، استدعى ردّاً مباشراً من المقاومة في مزارع شبعا، فلا شكّ بأن إسرائيل لديها يقين بأن المقاومة ستردّ على اعتداء أمس، ردّاً موجعاً.
منذ الصباح الباكر، لم تغب طائرات الاستطلاع الإسرائيلية عن أجواء الجولان المحرّر وجبل الشيخ. وحوالي الساعة 12 ظهراً، كانت مجموعة كوادر المقاومة (بينهم القيادي الشهيد محمد عيسى الملقّب بأبو عيسى، والشهيد جهاد عماد مغنية)، تتحرّك بسيارتي «شيروكي» و«كيا سيراتو» على طريق حرفا ــ حضر في القطاع الشمالي من محافظة القنيطرة على مقربة من منطقة «مزارع الأمل» ، التي تبعد حوالي 7 كلم عن الحدود مع الجولان المحتل، في زيارة استطلاعية للمناطق المتاخمة للحدود. وبعد عبور السيارتين مسافة 400 متر من مقرّ القوات الدولية العاملة في الجولان «أندوف» باتجاه حضر، قبل مقرّ «الدفاع الوطني»، أغارت مروحية إسرائيلية على الموكب بصاروخين موجّهين، أديا إلى استشهاد أفراد المجموعة.
اغتالت إسرائيل الشهيد
موفّق بدرية في حزيران
الماضي بالأسلوب نفسه


إسرائيل لم يعد باستطاعتها
فصل الجبهات، من الناقورة إلى الجولان والسويداء

وهذا ليس الاغتيال الأول من نوعه في هذه المنطقة، وبالوسيلة نفسها. إذ استهدفت مروحية إسرائيلية في 17 حزيران الماضي، سيارة الشهيد موفّق بدرية (ابن بلدة حضر، أحد كوادر المقاومة السورية في الجولان)، بصاروخ موجّه على طريق بلدة مقروصة القريبة، على خلفية استهداف مواقع للعدو في الجولان المحتل بالقصف الصاروخي.
خلال العام الأخير، توسّع النشاط الإسرائيلي في محافظتي القنيطرة ودرعا عبر دعم الجماعات الإرهابية المسلحة بالمال والسلاح. وتعدّى الدعم الإسرائيلي معالجة الجرحى وتقديم المعلومات للمسلحين عن مواقع الجيش السوري، إلى توجيه إرهابيي «النصرة» و «لواء شهداء اليرموك» وجماعات أخرى لإسقاط مواقع معينة بطريقة منهجية، بدءاً بـ «التلول الحمر الشرقية والغربية» في القطاع الأوسط من القنيطرة وقريتي الحميدية والقحطانية، وصولاً إلى «تل الحارة» الاستراتيجي، الذي قامت «النصرة» بنقل محتوياته إلى داخل الكيان الصهيوني عبر معبر القنيطرة في وضح النهار. حتى أن بعض قادة المجموعات المسلحة و«النصرة» يحملون هواتف بأرقام خلوية إسرائيلية كمحمد البريدي قائد «لواء شهداء اليرموك» والقيادي في «النصرة» المعروف بـ «أبو الدرداء»، بالإضافة إلى مراسل «قناة أورينت» في القنيطرة، للتواصل المباشر مع ضباط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان). وعدا عن قيام إسرائيل بإسقاط طائرة ميغ 23 سورية قبل أشهر خلال قيامها بغارات على مواقع المسلحين، قامت الطائرات والمدفعية الإسرائيلية من موقعي «تل الفرس» و «تل أبو الندى»، في الجولان المحتل، بالتدخل مرات عدة لاستهداف مرابض مدفعية وصواريخ للقوات السورية خلال المعارك مع الجماعات المسلحة، لا سيّما مقرّ اللواء 90 في منطقة «الكوم». ومع ذلك، يفشل المسلحون منذ أشهر بالتقدم في مدينتي خان أرنبة والبعث في القنيطرة. وتشير معلومات الأجهزة الأمنية السورية وجهاز أمن المقاومة، بالإضافة إلى استخبارات الجيش اللبناني، إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعمل بشكلٍ حثيث على إعداد «قوائم أمنية» وخلق شبكات من العملاء من عناصر الجماعات المسلحة، على غرار عملاء جهاز الـ 504 في جنوب لبنان، عبر تجنيد الجرحى الذين يعالجون في مستشفى صفد، بالإضافة إلى مستشفى «بوريا» قرب بحيرة طبريا، وآخرين في الأراضي المحرّرة وقرى الجولان.
في المقابل، لم يكن خافياً خلال العام الماضي، سعي المقاومة وأجهزة الأمن السورية الى تشكيل قوّة مدرّبة ومجهّزة من أبناء قرى الجولان، تستطيع الدفاع عن القرى القريبة من الحدود مع الجولان المحتل وفلسطين المحتلة من هجمات الإرهابيين، وكذلك قوّة أخرى مخصّصة لتنفيذ عمليات مقاومة انطلاقاً من الجولان وجبل الشيخ ضدّ العدو الإسرائيلي حصراً. وهذا بالمناسبة ليس حكراً على المقلب السوري من جبل الشيخ، فالمعلومات الآتية من المقلب اللبناني للجبل، تشير إلى أن حاصبيا وشبعا لن تكونا في أي معركة مقبلة مع إسرائيل، مختلفتين عن قرى وسط وغربي الجنوب اللبناني لجهة ضراوة القتال ضد القوات الإسرائيلية .
مصادر أمنية معنية في القنيطرة تؤكّد أن «اغتيال عدد من قادة العمل الميداني لا تضعف العمل في الجولان، بل على العكس، فدماء الشهداء تزيد المقاومين إصراراً، وهناك قرار واضح في محور المقاومة للتعامل مع الواقع الإسرائيلي في الجنوب السوري على قاعدة الجنوب اللبناني». ويقول المصدر إن « إسرائيل لم يعد باستطاعتها فصل الجبهات، من الناقورة إلى الجولان والسويداء كما أنها لا تستطيع منع المقاومة من دخول الجليل في الحرب المقبلة». و«الردّ على جريمة اليوم (أمس) قريبٌ جداً»، يجزم المصدر.