عمر البشير كان نجم الحدث. فرسالة التحدي التي أرادها هو وزملاؤه من الزعماء العرب تقول إن أي جهة دولية لا يمكنها أن تُسقط رئيس دولة. الرسالة يتبناها الزعماء العرب، لكنها تحظى باختلاف بين الصحافيين السودانيين في القمّة العربية
الدوحة ــ شهيرة سلّوم
من النادر أن تلتقي بشخص ينفي مسؤولية الرئيس السوداني عن أحداث درافور، فهو في نهاية المطاف طرف أساسي في الحرب المريرة في الإقليم. وإذا أخذنا في الاعتبار الضجة الإعلامية التي صاحبت وصول البشير إلى المطار، أو وصول وزيره أو أحد أعضاء الوفد السوداني المشارك إلى قاعة المركز الإعلامي، حيث علا تصفيق بعض الصحافيين وصيحاتهم، يتراءى أنّ الرئيس السوداني هو ضحية إحدى المؤامرات الدولية، لكونه يتربع على عرش نظام «ممانع» أو مناهض، والواجب يقتضي التصدي لهذه المؤامرة.
لبعض الصحافيين السودانيين المشاركين في القمة رأي آخر، إذ يأخذ أحدهم، رفض الكشف عن هويته، على الزعماء المجتمعين عدم إلقاء الدعم وراء دارفور «الذي عانى من جرائم الرئيس السوداني، وكيف التفوا حوله لمنع وصول الحكم إليهم». ولا يوافق من يدعم رئيس بلاده من زملاء له، وإن كان بحجة ازدواجية المعايير، «فمسألة البشير داخلية سودانية، وغير صحيح ما يشاع عن أنّ تنفيذ المذكرة سيُضعف موقف العرب لجهة المطالبة بمحاكمة قادة إسرائيل. على العكس، إن أُقفل باب البشير، فلن يفتح آخر، ولن يتمكنوا من المطالبة بمحاكمة القادة الإسرائيليين على الجرائم التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين».
ويشير الصحافي إلى أن البشير «لا يحظى بدعم شعبي واسع في السودان ضدّ المحكمة الدولية»، فمن سماها «الغالبية الصامتة» أو «المصمتة» هي مع التخلص من البشير ومحاكمته، «نحن نعاني منذ 1989... لقد تركنا له البلاد برمتها، طبعاً لن ننتظره كي نصفّق له هنا، لقد ارتكب جرائم لا تُغتفر في دارفور».
أما عن التظاهرات التي تقدّمها الرئيس السوداني في الخرطوم وحتى دارفور، والتي هتفت باسمه ونددت بالمحكمة الدولية ومدعيها العام وقراراتها، فرأى أنها منظّمة من الأجهزة «تأتي بالناس، تُركبهم حافلات، تُحملهم لافتات وتهتف أمامهم وليست الواقع الحقيقي الذي يعبّر عنه الشارع السوداني».
يخالف رئيس تحرير جريدة «الحدث»، عادل باز، ما قيل، فهو كان أحد الذين صفقوا لوصول المستشار الرئاسي مصطفى عثمان إسماعيل إلى المركز الإعلامي. ويرى أن قرار المحكمة الجنائية «ليس قانونياً، بل قرار سياسي بامتياز، إذ إنه لم يجر تحقيق داخل السودان للتأكد من ارتكاب الجرائم، وهو تدخل في الشأن الداخلي، إذ وحده النظام القضائي السوداني من يحق له محاسبة البشير أو غيره داخل السودان. والمحاسبة يجب أن تكون شاملة كل من ارتكب جرائم في دارفور، والجميع يجب أن يقدموا للعدالة».
ويقرّ باز بأنّ البشير في النهاية طرف في هذه الحرب «وفي جميع الحروب ترتكب فظائع بحق الإنسانية، الحرب نفسها جريمة، وردّ القوات الحكومية على الفصائل المتمردة كان غير متكافئ وخلّف وراءه الجرائم، لكن هذا لا يعني أن يأتي طرف خارجي، كالأميركيين، لمحاكمته».
ورداً على سؤال عن عدم محاكمة الشعب لرئيسه، يقول باز: «لأنّ السودانيين يريدون السلام قبل العدالة، فليحقق السلام، وبعدها فليحاسب الجميع». وعن وضع دارفور المأساوي وطرد المنظمات الإنسانية عقب صدور مذكرة التوقيف، يشير إلى أن تلك المنظمات «هي في الواقع جهاز استخبارات للغرب، وقدمت المعلومات إلى المحكمة الجنائية». ويتابع: «ارتدت لباس الإنسانية بغرض التجسس»، رغم أنه يعلن عدم تأييده للخطوة التي قامت بها الحكومة لأنها تزيد من الوضع الدارفوري سوءاً.
ورغم غياب واقع دارفور عن مقررات القمة، جرى في المركز الإعلامي توزيع بيان سراً من «التحالف العربي من أجل دارفور»، دعا زعماء الدول العربية إلى التحرك لوقف انهيار مخيمات اللاجئين في دارفور بعد قرار الخرطوم بطرد 13 منظمة إنسانية وحل ثلاث منظمات سودانية محلية، والضغط على الحكومة السودانية للعودة عن قرارها.
وأضاف البيان: «حياة أكثر من مليوني سوداني عرضة للخطر. في ظل غياب هذه المنظمات الإنسانية التي قدمت نحو 50 في المئة من المساعدات الإنسانية في دارفور لنحو 4.6 ملايين دارفوري في السنوات الست الماضية».
ورفع التحالف، الذي يضم أكثر من ستين منظمة من منظمات المجتمع المدني في 15 دولة عربية، توصيات إلى القمة تضمنت «مساندة المطالب التي تدعو إلى المساءلة وتحقيق مبدأ العدالة وحث كل أطراف النزاع على احترام القانون الإنساني الدولي».