الدوحة ــ الأخبارافتتح الرئيس السوري، بشار الأسد، قمة الدوحة في العاصمة القطرية أمس بصفته رئيساً للقمة السابقة، عارضاً أسس المصالحة لتجنب «المطبات العربية». وتطرّق إلى أفق السلام مع إسرائيل «التي توجهت صوب اليمين»، مشدداً على أن المبادرة العربية «مشروطة بتوافر شريك فعال للسلام». وعرض الرئيس السوري، في مستهل كلمته، مجمل الأوضاع خلال الرئاسة السورية للقمة، قائلاً إن «صفة الخطورة والسلبية طغت على أحداث العام الماضي، لكنها لم تخل من إيجابيات محدودة قد تعطي بعض الأمل بتغير للأفضل»، مشيراً إلى أن ما جمع بين هذه الأحداث هو حالة «العجز الدولي» المتمثل في «احتكار دولي من عدد محدود من الدول للقرارات على مستوى العالم أفضى إلى نتائج كارثية أصابت العالم برمته».
ورأى الرئيس السوري أن «بداية الطريق الصحيح باتجاه المستقبل وتتمة هذا الطريق تكون بامتلاك الإرادة والحماسة، ومن ثم تحقيق التفاهم وتكريس التضامن الذي كان عنواناً لقمة دمشق والذي عملنا لتحقيقه مع عدد من القادة والمسؤولين العرب إلى أن وصلنا إلى ما تحقق من مصالحات ولقاءات أخيراً بين قمة الكويت الاقتصادية وقمتنا الحالية».
وأوضح الأسد أن المصالحة هي الموضوع الأهم في هذه المرحلة، لأنه «في ظل غياب التضامن أو ضعفه يبقى أي اتفاق أو قرار مجرد وهم». ولفت إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة كان «النتاج الطبيعي للعقل الإجرامي الإسرائيلي من جهة والنتاج غير الطبيعي للضعف العربي الناجم عن انقسامنا من جهة أخرى».
وأشار الرئيس السوري إلى المصالحات «التي حصلت في الأسابيع الأخيرة التي تلت قمة الكويت الاقتصادية وأعادت بصيص الأمل إلى إمكان الانتقال بهذه العلاقات باتجاه أفضل»، متسائلاً: «كيف يمكن المسؤولين العرب أن يبقوا هذه الحالة ثابتة لا متغيرة؟». وأضاف: «جوابي هو بالمنهجية والمأسسة، فحتى هذه اللحظة لا تزال علاقاتنا تخضع لنا كأشخاص، لطبائعنا وأمزجتنا، وبالتالي فهي معرضة لاحتمالات سوء الفهم أو التقدير وللانتكاسة في كل مرة تواجهنا مشكلة».
وشدّد الأسد على أن «المشكلة ليست في وجود اختلافات، بل في طريقة إدارتنا للخلاف، الذي لا يمكن أن نديره بصورة سليمة ما لم نبدأ من توحيد رؤيتنا للتضامن العربي، وهو ليس عملية استنساخ للمواقف، بل هو عملية تنسيق بينها».
ودعا الأسد إلى «مناقشة الخلاف وجهاً لوجه، وهي الغاية الأساسية من عقد القمم واللقاءات العربية على مستويات مختلفة». وتابع: «لكن مهما اشتد الخلاف فلا يجوز أن يصبح خارج الإطار العربي، ولا أن يسيء أحدنا للآخر أمام الآخرين».
وبعد عرضه لأسس المصالحة العربية، انتقل الأسد إلى الحديث عن المصالحة الفلسطينية «المانعة والواقية لأي عدوان إسرائيلي محتمل». وأضاف: «إلا أن هذا لا يجعلنا نغفل عن حقيقة إسرائيل دولةً مبنيةً على العدوان والقتل، وعن أنها ترى مستقبلها في تهجير الفلسطينيين إلى وطن بديل»، معرباً عن ارتياحه «لرؤية معظم دول العالم تدرك حقيقة توجهات الحكومة الإسرائيلية المنتخبة والمعادية للسلام». وقال: «هذه الحكومة تعبّر عمّن انتخبها وهي رسالة واضحة غير مفاجئة لنا تعلن أن السلام بالنسبة إلى الإسرائيليين خيار تكتيكي فقط»، مضيفاً أن «ما تغير في إسرائيل هو المظهر فقط، أما المضمون فنفسه».
وقال الأسد إن الخيارات الإسرائيلية «لا تتطلب منا استبدال استراتيجية خيارنا بالنسبة إلى السلام، لكن ينبغي للتكتيك والآليات أن تتغير»، مشيراً إلى أن «إسرائيل هي من قتل المبادرة (العربية)، لا قمة الدوحة كما حاول البعض تسويقه، وهذه المبادرة ليست مرجعية جديدة، بل هي تأطير للمرجعيات التي يتمسك بها العرب لتحقيق السلام». ورأى أن «طرح تعليق المبادرة العربية في قمة الدوحة كان رداً طبيعياً على استهتار إسرائيل بالسلام، الذي بلغ ذروته في العدوان على غزة».
وأضاف الأسد أن «عدم سحب المبادرة من جانبنا يعني أن نتمسك بالمرجعيات المتضمنة فيها، التي تتهرب إسرائيل منها، كذلك فإن تعليقها يعني أن الشروط الضرورية لتفعيلها، وفي مقدمتها وجود طرف إسرائيلي مستعد لقبولها، غير متوافرة، ويعني كذلك أنّ بقاءها مطروح، لكن بصورة شرطية». وشدد على أن «طرق الأبواب لتسويق المبادرة لا جدوى منه، على أمل أن نرى تحولاً إسرائيلياً جدياً، وهو احتمال لا نراه في المدى المنظور».
وبناءً عليه، جدّد الرئيس السوري دعمه لفصائل المقاومة، قائلاً إن «السلام لن يتحقق مع عدو لا يؤمن بالسلام، من دون أن يفرض عليه بالمقاومة، ودعمها هو واجب وطني وقومي وأخلاقي، وخيارنا الوحيد في غياب الخيارات الأخرى، فلنرفعها فوق خلافاتنا الظرفية».
وفي الموضوع السوداني، قال الأسد إن «ما يحصل الآن فيه هو فصل جديد من فصول استضعاف العرب وعدم احترام سيادة دولهم». ورأى أن «إصدار مذكرة بحق البشير مرحلة من مراحل تقسيم السودان لإضعافه والاستيلاء على ثرواته». ودعا إلى رفض مذكرة التوقيف من أساسها. وأضاف: «أما حججهم الواهية في ارتكابات ملفقة ارتكبها السودان فنناقشهم بها بعد أن يقوموا بجلب من ارتكب الفظائع والمجازر في فلسطين ولبنان والعراق إلى المحكمة مدانين بالتهم نفسها، لكن غير الملفقة، بل مثبتة بالوثائق وبالوقائع».