انتهت قمة الدوحة على ودّ. هذه المحصّلة للقمة العربية العادية الحادية والعشرين، التي اقتصرت أعمالها على يوم واحد نتيجة حال التوافق التي سادت المجتمعين قبل الدخول إلى قاعة الاجتماعات
الدوحة ـ حسام كنفاني ـ شهيرة سلوم
اختصرت قمّة الدوحة، أمس، أعمالها لتختتم باكراً على نجاح. نجاح تمثّل خصوصاً باستكمالها لمشهد المصالحات في قمّة الكويت الاقتصادية وما تلاها، عبر لقاء جمع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والزعيم الليبي معمر القذافي، لتنهي حوالى ست سنوات من القطيعة في أعقاب سجال قمة شرم الشيخ الشهير في عام 2003. غير أن نهاية الخلاف لم تخلُ من إثارة على طريقة القذافي، بعد المداخلة التي قدمها في الجلسة الافتتاحية واللغط الذي دار حول محتواها.
أجواء المصالحات رافقت القمة من بدايتها حتى نهايتها، مع توقيع القادة أو من يمثّلهم على «وثيقة تعزيز المصالحة والتضامن العربي»، وهي الوثيقة السعودية المكوّنة من ست نقاط، والتي كانت قد قدّمت إلى وزراء الخارجية في الاجتماع التحضيري يوم السبت الماضي. وتشير النقاط الست إلى «الالتزام بميثاق الجامعة العربية باعتبار الجامعة مرجعية العمل المشترك، والتوجّه الجاد والمخلص نحو تنفيذ ما سبق من تعهدات أُقرّت في وثيقة العهد والوفاق والتضامن» في قمة تونس عام 2004. النقطة الثالثة تشدّد على «انتهاج أسلوب المصارحة والشفافية والحوار والتشاور»، ثم تنتقل الوثيقة إلى بلورة رؤية استراتيجية موحّدة للتعامل مع التحديات السياسية والأمنية.
ولفلسطين أهمية في المصالحة العربية، إذ نصّ البند الخامس في الوثيقة على تأكيد محورية القضية الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وأهمية الالتزام بالاستراتيجية العربية المتفق عليها لتحقيق السلام العادل والشامل. وختمت بإعلان تفعيل آليات العمل العربي المشترك لفضّ المنازعات.
الوثيقة تمثّل آلية لحل النزاعات، وهو ما تفتقده العلاقات العربية المشتركة، ولا سيما أنّ وثيقة العهد لم توضع حيّز التنفيذ ودخلت في المجهول بعد إقرارها، مع انطلاق الخلافات العميقة عام 2005.
الأجواء التصالحية في القمة العربية لم تمنع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من مقاطعة الجلستين الثانية والختامية للقمة، احتجاجاً على «عدم إعطاء اليمن الفرصة لعرض رؤيته لتفعيل العمل العربي المشترك». وقالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، في بيان مقتضب، إن انسحاب صالح جاء «احتجاجاً على عدم إتاحة الفرصة لقراءة الرؤية اليمنية حول تفعيل آليات العمل العربي المشترك وإقامة اتحاد عربي، التي سبق للبرلمان العربي أن أقرّ رفعها إلى القمة العربية لوضعها على جدول أعمال القمة».
وكان صالح قد أعلن قبل توجّهه إلى الدوحة أن الوساطة القطرية بين الحكومة وأتباع الزعيم الديني المتمرّد عبد الملك الحوثي قد انتهت، وأنها أسهمت بتمادي الحوثي في التمرّد على الدولة.

حصانة البشير

بعد المصالحات، كان السودان البند الأبرز على جدول أعمال القمة، التي أعلنت التضامن الكامل مع الرئيس عمر البشير في وجه مذكّرة التوقيف الصادرة في حقه عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور.
وشدد القادة العرب، في بيان، على «دعمهم وتضامنهم الكامل مع السودان في رفض قرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية في حق البشير». ورأى البيان أن المذكرة تهدف إلى النيل من «قيادته (البشير) الشرعية المنتخبة». وأكدوا رفضهم القاطع التعامل مع هذا القرار «الذي من شأنه أن يؤثّر سلباً على وحدة السودان وأمنه واستقراره وسيادته». ورأى القادة العرب أن قرار المحكمة الجنائية الدولية يعد «سابقة خطيرة تستهدف رئيس دولة لا يزال يمارس مهمات منصبه، ويعد خرقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية». ودعوا مجلس الأمن إلى تحمّل مسؤولياته في إقرار السلام والاستقرار في السودان.

«المبادرة لن تبقى طويلاً»

مبادرة السلام العربية والصراع العربي الإسرائيلي كان لهما بيان خاص أيضاً. بيان لم يخرج عن التقليد العربي في المناسبات الرسمية، فالسلام بقي خياراً استراتيجياً ولكن «ليس لوقت طويل». فقد أكد القادة العرب، في بيانهم، أن «السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، بما فيها الجولان السوري المحتل وما بقي من أراض محتلة في جنوب لبنان، والتوصل إلى حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ورفض كل أشكال التوطين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف». وطالب الرئيس ميشال سليمان بإضافة «تلال كفرشوبا ومزارع شبعا والجزء الشمالي من قرية الغجر».
وفي فقرة مستحدثة على بيانات الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي في المؤتمرات السابقة، أكد القادة العرب ضرورة «تحديد إطار زمني محدد لقيام إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها تجاه عملية السلام، وفي مقدمتها الوقف الفوري لعمليات الاستيطان والتحرك بخطوات واضحة ومحددة نحو تنفيذ استحقاقات عملية السلام القائمة على المرجعيات المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة ومبدأ الأرض مقابل السلام». وفي رد على أطروحات رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو، رفض القادة العرب «التوجهات الإسرائيلية الهادفة إلى تحويل مسار عملية السلام واستحقاقاتها السياسية إلى مسار يقتصر على مقاربة اقتصادية وأمنية تكرّس الاحتلال وتدفع بالمنطقة إلى المزيد من التوتر وعدم الاستقرار».
كذلك كلف القادة اللجنة الوزارية الخاصة بمبادرة السلام العربية بمواصلة الجهود مع الأطراف المعنية في مجريات عملية السلام، كما قرروا تكليف مجلس الجامعة الوزاري بإجراء تقويم ومراجعة لخطة التحرك العربي إزاء جهود تحقيق السلام في المنطقة.
وفيما لم يتطرق البيان إلى موعد المراجعة، أشار الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، في المؤتمر الصحافي المشترك في ختام القمة، إلى أن الموعد هو نهاية عام 2009، موضحاً أن التقويم «ليس بالضرورة قيام دولة فلسطينية، ولكن مراجعة ما أحرز خلال هذه الفترة».
وأكد موسى أنه «لا يصح أن تظل مبادرة السلام مطروحة حتى ترضى عنها إسرائيل، فبعد الأضرار البالغة التي لحقت بنا من السياسة الأميركية السابقة جعلتنا نؤمن بأنه لا طرح لعملية السلام من دون نهاية».

المصالحة الفلسطينية

وكان لافتاً أن البيان الخاص بالشأن الفلسطيني لم يتطرق باستفاضة إلى المصالحة الفلسطينية، المقرر أن تنطلق غداً في القاهرة. إذ دعا الفصائل إلى الإسراع في تحقيق المصالحة بما يحقق مصلحة القضية الفلسطينية. وطالب البيان المجتمع الدولي والأطراف المعنية باحترام ما يتفق عليه الفلسطينيون وعدم فرض أي شروط على ذلك.
وقد أكد رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم، في المؤتمر الصحافي الذي تلى القمة، أن بلاده تدعم الجهود المصرية لرعاية المصالحة الفلسطينية. وقال إن «مصر تتولى الموضوع ونحن ندعم التوجه المصري، ونأمل بنجاح هذه الجهود». وطالب «بتحرك عربي داعم للقضية الفلسطينية للقيام بأعمال على أرض الواقع تؤدي إلى فتح المعابر وإدخال ما يحتاج إليه الفلسطينيون للمعاونة في عملية إعمار غزة»، موضحاً أن على «الفلسطينيين أن يتفقوا معاً ويسعوا لتسوية الخلافات في ما بينهم حتى لا تستغلها إسرائيل لمصلحتها».
وفي ما يتعلق بالعلاقات المصرية ـــــ القطرية، أكد بن جاسم أن «الخلاف بين قطر ومصر ليس بالأمر الكبير، فالمصلحة العربية تغلب على كل المصالح ونتمنى أن يحل الخلاف بين الدولتين في القريب العاجل على أسس سليمة بما يزيد العلاقات العربية قوة»، مشيراً إلى أن الخلافات بين الدول تقوم على أساس سياسي أو اجتماعي لا على أساس ما يتردّد في وسائل الإعلام، في إشارة إلى قناة «الجزيرة». وفي ما يتعلق باحتكار قطر للمصالحات، قال الشيخ حمد ممازحاً «سنترك بعض المصالحات إلى قمم أخرى، لأن هذه الأمور فيها زعل أيضاً».

إعلان الدوحة

أصدرت القمة العربية في ختام اجتماعها إعلان الدوحة الذي أكد على التضامن العربي وصون سلامة الدول العربية واحترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وشدد الإعلان على تسوية الخلافات العربية بالحوار الهادف والبناء، والعمل على تعزيز العلاقات العربية وتمتين عراها ووشائجها والحفاظ على المصالح القومية العليا.
ثم وجه تحية إلى «الشعب الفلسطيني في مقاومته الباسلة لمواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة»، مؤكداً دعم صموده ومقاومته، ومديناً العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة. وطالب «بوقف الاعتداءات الإسرائيلية وتثبيت وقف إطلاق النار ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة وفتح المعابر كافة والتأكيد على تحميل إسرائيل المسؤولية القانونية والمادية عما ارتكبته من جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومطالبة المجتمع الدولي بملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم وإحالتهم إلى المحاكم الدولية».
كذلك أعرب الإعلان عن دعمه «للجهود العربية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية، بما يضمن وحدة الأراضي الفلسطينية جغرافياً وسياسياً»، مجدّداً دعمه «للسلطة الوطنية الفلسطينية».
وفي أعقاب اعتذار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، عن استضافة العراق للقمة المقبلة، أعلن أمير قطر أن ليبيا ستستضيف القمة العربية في دورتها الثانية والعشرين.


واشنطن تطالب بالتركيز على دارفور



واشنطن ــ محمد سعيد
أبت الولايات المتحدة إلّا أن تكون لها مطالب أو أمنيات من القمة العربية التي استضافتها الدوحة أمس؛ فقد أعربت الإدارة الأميركية عن أملها أن تستغلّ هذه القمة مشاركة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لبحث الوضع الإنساني في إقليم دارفور. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية غوردن دوغويد، أمس، «نأمل أن تركّز قمة جامعة الدول العربية في الدوحة، خلال وجود البشير، على الحاجة العاجلة والفورية لشعب السودان ومعالجة الوضع الإنساني الخطير في دارفور، إضافة إلى الحاجة إلى إقامة سلام في الإقليم وتلبية أولويات متطلّبات اتفاق سلام شامل».
وطالب غوردن الزعماء العرب بمناقشة موضوع «كيفية وقف العنف ودعم الشعب (السوداني) وإقامة السلام». كذلك دعا القمة العربية إلى ضرورة استخدام حضور الرئيس السوداني «كمناسبة لجذب الانتباه الدولي» إزاء ما سمّاه «السلوك المخزي في دار فور وجنوب السودان».


سليمان يطالب في الدوحة بـ«استراتيجيّة عربيّة شاملة»

طالب الرئيس ميشال سليمان، في كلمته أمام قمة الدوحة، بـ«استراتيجية عربية شاملة» لمواجهة التحديات، مؤكداً ضرورة الحفاظ على المقاومة.
وقال سليمان «يختلجنا شعور مزدوج بالقلق والارتياح؛ ارتياح ناتج من دينامية الدعوة إلى المصالحة التي أطلقها الملك السعودي... وما تبع ذلك من لقاءات أحيت الأمل بإمكان تنقية الأجواء العربية، أما القلق فمن استمرار التوترات، وبصورة خاصة على الساحة الفلسطينية».
ولفت سليمان إلى «أنّ المصالحة العربية ـــــ العربية التي راهن عليها لبنان حاجة ملحّة، ولا بد تالياً من التوصل إلى تفاهم عميق على استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية المطروحة، وفي طليعتها التحدّي الإسرائيلي، مع الحفاظ على المقاومة كحق معترف به دولياً في وجه الاحتلال».
و«على الرغم من تحرير معظم الأرض عام 2000، بفضل تضامن الجيش والمقاومة والشعب، والنجاح في صدّ العدوان الإسرائيلي عام 2006»، قال سليمان «لا يزال يواجهنا تحدي استرجاع الأراضي التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، والخروق والتهديدات الإسرائيلية وتأكيد حق العودة، ورفض التوطين، وانطلاق المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان».
وشدد سليمان على أن «الأشقاء العرب الذين طالما وقفوا إلى جانبنا، لن يتأخروا في مواصلة دعمهم الأخوي للبنان في مختلف الميادين»، داعياً إياهم إلى زيادة الاستثمارات العربية في لبنان. وتوجّه الرئيس اللبناني في نهاية كلمته بالشكر إلى أمير قطر وجامعة الدول العربية، «لنجاحهما في وضع حدّ لحال التوتر التي كانت سائدة على الساحة اللبنانية، الأمر الذي تمثّل في التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتأليف حكومة وحدة وطنية، وعودة العلاقات اللبنانية ـــــ السورية إلى مسارها الصحيح، والتي تُوّجت بإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين».