«تظاهرات.. تفجيرات.. أعمال شغب»... حصيلة أحداث 25 يناير الرابعة التي شهدتها مصر، أمس وقبله؛ ففي الوقت الذي خرجت فيه مسيرات معارضة للسلطات الحالية، نظمها أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، في عدة محافظات، بجانب مسيرات لقوى شبابية ويسارية تطالب بإكمال المسيرة الثورية، وفي مقابل أخرى وقفت تساند خريطة الطريق وصاحبها، عبدالفتاح السيسي، شهدت عدة أماكن عدداً من التفجيرات التي استهدفت قوات شرطية، وخدمات ومصالح عامة، فضلاً عن عمليات قطع طرق نفذها مجهولون في شوارع رئيسية.
ومن بين 16 قتلوا، حتى مساء أمس، مجند واحد والباقي مدنيون من شباب وفتيات، فيما أصيب عشرات آخرون (نحو 40)، وذلك جراء قمع قوات الأمن، التي ارتدت الزي الرسمي وحتى المدني، للمحتجين، عبر إطلاق النار والغاز المسيل للدموع. وقالت مصادر أمنية لـ«الأخبار» إنها أحصت أكثر من 33 مسيرة لجماعة الإخوان المسلمين في نحو 15 محافظة، مؤكدة أنها أبطلت مفعول 44 قنبلة فيما انفجرت 17 أخرى مخلفة عشرات الإصابات. لكن الإخوان قالت إنها نظمت 230 تظاهرة، وأضاف المتحدث باسمها، محمد منتصر، في أول خطاب صوتي مسجل منذ إعلان الجماعة تسمية منتصر متحدثاً باسمها، إن «الحراك الثوري في كل ربوع مصر في حالة غليان، وتظاهرات اليوم (أمس) اتسمت بالجرأة والصمود في وجه الآلة القمعية».
حاول السيسي احتواء
الأحداث بكلمة مسبقة، لكنها كانت «شكلية»

ولتلخيص التحركات الميدانية أمس، فإن تحالف دعم الشرعية المؤيد لمرسي أعلن، في الساعات الأولى من صباح أمس، أن «قصر الاتحادية (شرقي القاهرة) وميدان التحرير (وسطها) ومدينة الإنتاج الإعلامي (غربي العاصمة)»، من الأهداف الاستراتيجية للحشد (التظاهري)، إن سمحت الخيارات الميدانية بذلك. وحتى الواحدة بعد الظهر، لم يغامر المحتجون من أنصار مرسي في التوجه إلى ميدان التحرير، مفضّلين التظاهر في أطراف القاهرة، وتحديداً في مناطق المعادي وحلوان (جنوب)، ومدينة نصر (شرق)، والمهندسين ومدينة السادس من أكتوبر (غرب).
أما الحركات الشبابية الأخرى، مثل «6 أبريل والاشتراكيين الثوريين»، فلم تظهر مسيراتها حتى الحادية عشرة صباحاً، مع أنها أعلنت نيتها التظاهر من دون أن تكشف توقيت تظاهراتها وأماكنها، إلى أن حل المساء وبدأت مسيراتها الاحتجاجية. وفي المقابل، نظّم أنصار السلطات الحالية تظاهرة في ميدان عبد المنعم رياض، القريب من ميدان التحرير (وسط). ولم تتمكن هذه التظاهرة من دخول «التحرير» الذي أغلقته قوات الشرطة مدعومة بعناصر من الجيش، فسمح لها بالحضور في ميدان عبدالمنعم رياض من دون التعرض لها.
هكذا بدا المدّ الثوري متراجعاً أمام شدة القمع وتفرق أبناء الثورة عن الإسلاميين. لكن المشهد كان شبيهاً بالذكرى الثالثة في العام الماضي حينما قتل العشرات، فيما سقطت غالبية القتلى أمس في حي المطرية، شمالي شرقي القاهرة، وهي منطقة تعتبرها السلطات معقلاً لجماعة «الإخوان». وقد يكون التشديد الأمني وإغلاق الميادين الكبيرة، وخاصة «التحرير» بما يحمله من رمزية، أهم الأسباب التي منعت الحشود من التجمهر في مكان والبقاء فيه.
ولعل ما زاد الغضب هو مقتل الناشطة شيماء الصباغ التي تنتمي إلى حزب اشتراكي، أول من أمس. وفاقم إعلان وزارة الداخلية فتح تحقيق في مقتلها حدّة الاشتباكات.
وقد استبق الرئيس عبدالفتاح السيسي كل هذه الفوضى بحديث تلفزيوني مساء السبت، أكد فيه أن «تحقيق أهداف ثورة يناير يحتاج إلى ثورة داخل كل شخص مصري». وقدم السيسي «تحية إعزاز وتقدير لكل شهدائنا ومصابينا من ثورة 25 يناير حتى الآن». ولم تغب السعودية ورحيل ملكها عبدالله عن كلمته، إذ أعرب عن تعازيه في رحيل عبدالله، متمنياً أن يستكمل «الملك سلمان المسيرة للمستقبل الذي نتطلع إليه ونتمنى أن نراه»، علماً بأن الحكومة المصرية كانت قد ألغت الاحتفالات الرسمية بذكرى الثورة جراء الحداد المعلن بشأن السعودية.
ولا يخفي قدر كبير من الناس الغضب على إخراج حسني مبارك وابنيه وعدد من رموز نظامهم بالبراءة من قضايا قتل المتظاهرين والفساد. ويبقى وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، المحبوس الوحيد من رجال مبارك، بعدما خرجت البقية إما بأحكام البراءة، وإما بقرارات إخلاء سبيل على ذمة قضايا. وخرج رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، وعدد من الوزراء، بحكم البراءة، وهو ما انطبق على رئيس مجلس الشعب فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف، ومسؤولين آخرين.
ومع بقاء العادلي وحيداً في السجن، يرى بعضهم أنه سيظل «كبش فداء» لثورة 25 يناير. فرغم تبرئته من تهم قتل المتظاهرين إبان أحداث الثورة، لا يزال محبوساً على ذمة قضيتين متعلقتين.
في المقابل، عاد الداعية يوسف القرضاوي إلى واجهة الأحداث المصرية بعد غياب، إذ دعا المصريين، من مقر إقامته في قطر، إلى الخروج في احتجاجات في «ذكرى الانتفاضة»، قائلاً إن مرسي هو الرئيس «الشرعي» للبلاد. وهو تصريح يتوقع أن يعيد قضية القرضاوي الداعم لجماعة «الإخوان» إلى جدول المصالحة المصرية ـ القطرية، فقد كان مساهماً سابقاً في تعميق خلاف دبلوماسي كبير بين الدوحة وعواصم الخليج، وأيضاً القاهرة.
إلى ذلك، أعلنت الحكومة المصرية، أمس، تمديد حالة الطوارئ في مناطق شمالي سيناء لثلاثة أشهر أخرى، في ظل عزل شبه الجزيرة الصحراوية عن مصر طوال الأيام الماضية.
(الأخبار، أ ف ب،
الأناضول، رويترز)