مثّلت نتائج عملية شبعا المؤلمة، اسرائيلياً، ارضية خصبة لمنافسي بنيامين نتنياهو من اجل انتقاد سياساته الامنية والعملانية، وخصوصاً أنها انتهت الى المس بقدرة الردع الاسرائيلية بدلاً من تعزيزها كما كان يخطط صانع القرار في تل ابيب.
سياسة التوظيف السياسي والاعلامي، تعدّ أمراً مفهوماً في الوسط الاسرائيلي الذي تتنافس فيه الاحزاب والشخصيات، اذ يحاول كل من المرشحين، اصطياد تعثر هذا الطرف أو ذاك في قضية امنية هنا، واقتصادية أو سياسية هناك... بهدف تسجيل نقاط لصرفها في صناديق الاقتراع، لكن من الخطأ القاتل الحكم على مفاعيل أي انجاز ميداني وردعي، لدى جمهور المقاومة، بمقدار تأثير هذه العملية، أو غيرها، في فرص نتنياهو أو غيره في الانتخابات، وخصوصاً أن هذا الامر ليس من أهداف المقاومة. الى جانب ان من المبكر الحديث عن مفاعيل فشل نتنياهو وكيفية ترجمته في صناديق الاقتراع التي لن تفتح قبل 45 يوماً. الى ذلك الحين، ستشهد اسرائيل والمنطقة الكثير من التطورات المؤثرة في بلورة الرأي العام. والعلاقة بين الاحداث الامنية ونتائجها الانتخابية ليست حتمية أو اوتوماتيكية. ومن أبرز الدلائل على ذلك، الى جانب أمثلة اخرى، فوز ارييل شارون في انتخابات 2003، برغم أن العامين اللذين سبقاها كانا الاشد دموية في الساحة الداخلية الاسرائيلية، وقتل خلالهما المئات من الاسرائيليين، بفعل انتفاضة الاقصى.
ليفني: نتانياهو
أضرّ بقدرة الردع الاسرائيلية وبقدرتها على المناورة


مع ذلك، يصح الاطلال على المفاعيل الداخلية لعملية شبعا، بما فيها التوظيف الانتخابي، كجزء من عملية الاحاطة بالنتائج والتداعيات الداخلية التي يحققها هذا الحدث وكيفية توظيفه من قبل القوى السياسية الاسرائيلية .
برغم فشل تحقيق الاهداف المرسومة من وراء عدوان القنيطرة، واضطرار قادة الدولة العبرية الى الانكفاء وعدم الرد بعمل عسكري مباشر، صاخب أو حتى متدن، كان لا بد لرئيس الوزراء الاسرائيلي من تسجيل موقف في هذا المجال، وخصوصاً أن ساحة الصراع ستبقى مفتوحة الى أمد غير منظور. ولم يكن مفاجئا اتهام نتنياهو ايران بالوقوف وراء الضربة التي تلقتها القافلة الاسرائيلية، اذ إن من ثوابت سياسته، ضرورة توجيه اصبع الاتهام في كل ما تتعرض له اسرائيل للجمهورية الاسلامية، وهو خيار له رؤيته واهدافه المحددة، برغم الدور الايراني الكبير والاساسي في دعم قوى المقاومة في فلسطين ولبنان.
ذكَّر نتنياهو، بأن ايران التي تقف وراء هذا الهجوم، هي نفسها التي تسعى الدول الكبرى لتحقيق اتفاق معها يبقي لديها القدرة على انتاج اسلحة نووية. وكرر موقفه التقليدي بمعارضة أي اتفاق من هذا النوع. وتعهد أن من يقف وراء هذا الهجوم سيدفع ثمنا كاملا. ورأى ايضا أن «الحكومة اللبنانية ونظام (الرئيس بشار) الاسد شريكان في المسؤولية عن اثار الهجمات التي تنطلق من اراضيهما ضد دولة اسرائيل».
وكما هو متوقع، لم يُضع وزير الخارجية الاسرائيلي، رئيس حزب «اسرائيل بيتنا»، افيغدور ليبرمان، فرصة النيل من نتنياهو على خلفية فشل سياسته الامنية والردعية في مواجهة حزب الله. فكرر ما يشبه الانتقادات التي وجهها الى رئيس الوزراء خلال الحرب الاخيرة على قطاع غزة، مشيراً إلى أن معنى عدم مهاجمة حزب الله هو خضوع لـ «قواعد اللعبة» التي املاها الاخير، وأن «من يقول بضرورة احتواء الحادث، في مزارع شبعا، والانتظار يعني أن اسرائيل ستسمح لحزب الله ببناء قوته على حدودنا مع سوريا واحضار مخربين وكميات كبيرة من السلاح الفتاك للعمل ضدنا من هناك في أي وقت يراه». وشدد ليبرمان على أن عملية شبعا «أضرت بشدة بقدرة الردع الاسرائيلية»، وأنه آن الاوان لنزع القفازات في مواجهة «المنظمات الارهابية». وفي محاولة للمزايدة على نتنياهو رأى ان الكلمات «لا تحسم مع الارهاب، بل فقط عبر عمل حازم».
لكن ليبرمان تجاهل حقيقة أن عدم قدرة اسرائيل على الحسم العسكري مع قوى المقاومة بات حقيقة مسلّماً بها لدى كافة، أو اغلب، القادة السياسيين والعسكريين. ولفت ليبرمان الى أن «الرد التناسبي هو بالضبط ما تريده الجهات التي تستهدف اسرائيل، لكونه يجرنا الى حرب استنزاف ويخلد الصراع». ومعنى التناسبية، بحسب ليبرمان، هو أن يتمتع قادة المنظمات «الارهابية» بالحصانة، و«عدم الذهاب لاقتلاع سلطاتهم»، ولكن ليبرمان تجاهل كلفة مثل هذا الخيار مع حزب الله تحديدا.
كلام ليبرمان لم يبق من دون رد، اذ نقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن مصادر في الليكود أن «رئيس الحكومة يدير العمليات الامنية معا مع وزير الامن ورئيس اركان الجيش، بحزم، وبمسؤولية ومن خلال فكر راجح، ولا يتأثر باقتراحات عديمة المسؤولية ومنفلتة».
في المقابل، اختار رئيس المعارضة أن يضع نفسه، في موقع المتضامن مع سياسات الحكومة ضد حزب الله، على أمل أن يساهم ذلك في تعزيز موقعه لدى شريحة معينة من الجمهور، وحاول أن يبدو كالحريص على مصالح الدولة برغم تنافسه مع نتنياهو، موضحا أنه «اذا كان أحد في حزب الله يعتقد بأن من الممكن أن يهدد أو يقسمنا خلال الانتخابات، فهو سيرى أننا اقوياء وموحدون». واضاف إن «مستقبل الجولان واضح، وهو سيبقى بأيدينا ونحن نهتم بأمن سكانه».
من جهتها، اكدت رئيسة حزب «الحركة» تسيبي ليفني أن نتنياهو «أضرّ خلال الاسبوعين الماضيين بقدرة الردع الاسرائيلية وقدرتها على المناورة»، وأن تحركاته في الولايات المتحدة ونشاطاته السياسية غير المسؤولة، اضرت بالعلاقات ايضاً و»بتنا في حاجة الى تعبئة العالم وتجنيده».




إسرائيل تبحث عن «إنجاز»: مغنية كان على وشك تنفيذ عمليات

بعد الضربة التي تلقّاها الجيش الاسرائيلي في مزارع شبعا، لم يبق أمام الطاقم القيادي المسؤول عن بلورة قرار عملية القنيطرة وتنفيذها سوى محاولة تقديم الخسائر التي تعرضت لها إسرائيل، على المستويين الدموي والردعي، كما لو أنها كانت ضرورية مقابل «إنجاز» تم تحقيقه، وذلك في محاولة لاحتواء المفاعيل السلبية الداخلية.
هذه المهمة تولاها وزير الامن الاسرائيلي موشيه يعلون الذي أعلن أمس أن عملية القنيطرة «كانت ضرورية، ولو انتظرنا على جهاد مغنية لنفّذ عمليات نوعية ضد إسرائيل خلال أسابيع». ولمّح خلال مقابلات تلفزيونية الى أن حزب الله بدأ بإقامة بنية تحتية «إرهابية» ضد إسرائيل في الجولان، وكانت «عملية إحباطها ضرورية». وأوضح أن ما «تم إحباطه في هضبة الجولان، قبل أسبوعين (عملية القنيطرة)، كان بنية تحتية لنشاط استراتيجي إرهابي يستهدف تنفيذ عملية إرهابية في الجولان برعاية إيران وسوريا، مع صواريخ مضادة للدبابات...». وأضاف أن العملية «كانت على وشك التنفيذ، ومن هنا تنبع أهميتها». وأضاف: «أقدر أن من اتخذ القرار بالعملية درس كل الاعتبارات». وفي سياق التبرير، قال يعلون إن «المجموعة التي تمت تصفيتها كان لها هدف واضح وفوري، والدورية التي استهدفت كانت لقادة هذه البنية بهدف تنفيذ عملية على المدى الفوري»، موحياً بأن إسرائيل قامت بعملية استباقية في مقابل تهديد كان على وشك التحقق، مع أن كلاماً كهذا كان من المفترض أن يتم في الساعات الاولى التي تلت العملية، بهدف إسباغ قدر من «المشروعية» عليها.
وقال يعلون: «لا أعلم إن كانت إيران قد أنهت المسألة، والجيش جاهز ومستعد، ونحن مستعدون لكل تطور محتمل. وعن عدم تحصين الآليات التي استهدفها حزب الله، بالرغم من التوتر على الحدود الشمالية والقلق من ردّ الحزب، قال يعلون إن من غير الممكن التجوال في كل الشمال بدبابات وآليات مدرعة.