(قتل حبيبها التنّين)
قالت للتنّين
- إرم الجبل
فرمى التنّين الجبل.
وقالت للتنّين.
- إبلع المدينة
فبلع التنّين المدينة.
وقالت للتنّين
- ليقتلْك حبيبي
فقتل حبيبها التنّين.
وما زلت أنسى أنّي
قتلتُ التنّين
لأن حبيبتي أوصَته
أنْ يُقتل...

(تحت جفنيها)

تُحبُّ الألوان، ولا أعرف لماذا الضجر، مرّات، على
كتفيها.
إذا حنت رأسها فلأنّها أعمق الأوتار. ومرّات، لا أعرف
لماذا مرّات، هي لا تسمع.
أين حبيبتي أين، أسأل، مرّات، وحبيبتي أمامي!
كلّ يوم يأتي، يغيب.
كلّ يوم لا يأتي، يغيب أيضاً!
...
لن أُغادر الحُبّ لن أُغادر حَرْبي. وإذا حبيبتي تُشاهد
الألوان ستُشاهد كم أحميها وأسير فيها.
فأنا اللون الفاتح الذي تُحبّه واللّون الغامق الذي
ستُحبّه.
أنا المُغمَضُ تحت جفنيها.

(حوار)

I
قولي: بماذا تُفكّرين؟
أُفكّر في شمسكَ الّتي لا تُنيرني يا عاشقي.
قولي: بماذا تُفكّرين؟
أُفكّر فيك، كيف تستطيع أنْ تصبر على برودة
قلبي.
قولي: بماذا تُفكّرين؟
أُفكّر يا عاشقي في جبروتك، كيف أنّك تُحبّني
ولا أُحبّك.

II
قُل: بماذا تُفكّر؟
أُفكّر كيف كنتُ، وأحزن من أجلكِ يا حبيبتي.
أُفكّر في شمسي الّتي أذابتكِ ، وفي جَلَدي الّذي
خضّعكِ، أُفكّر في حُبّي الّذي ركّعكِ، ثمّ مَلّكِ
يا حبيبتي.
أُفكّرُ في المراثي يا حبيبتي.
أُفكّرُ في القتل.

(عودوا أيُّها الأعزّاء)

المَيتُ ، بعد قليل، أيرجع؟
أليس كلّ ما على الأرض يتغيّر؟
الميت، بعد قليل، أيرجع؟
لعلّه انتهى سبب الضحك وما زلنا نضحك. لعلّه انتهى
سبب البكاء ولا نزال نبكي.
هل يرجع الذاهب؟
كلّ ما على الأرض يتغيّر، فلتتغيّر الأرض!
ليعدْ ليعدْ أولئك الشجعان الذين اجتاحوا
الصمت الأسْوَد. عودوا أيُّها الأعزّاء لقد حضر
المستقبل!
... لكنّه الأمل أنْ يكون ساحر موجوداً وراء
القوانين.
فهل يرجع الميت بعد قليل؟

(لأبقى)

أصدقاؤكِ هيّأوك لعهدي
أحبّاؤكِ عتّقوك لأنتشر فيك
لآكلك عشّاقك أنضجوك
ها أنا!

■ ■ ■


- حين أسترخي جواركَ لمّ لا تأكلني يا سيّدي؟
هذي ليلتي الثانية، للآن لم تلمسني. أما أفتنك، آه!
لماذا لا تأكلني؟
- لأبقى في انتظاركِ. إبعدي.

(تحت حطب الغضب)

ما عُدتُ أحتمل الأرض
فالأكبر من الأرض لا يحتملها.
ما عُدت أحتمل الأجيال
فالأعرف من الأجيال يضيق بها.
ما عُدت أحتمل الجالسين
فالجالسون دُفنوا.
ريشة صغيرة تهبط من عصفور
في اللّطيف الربيع
تَقْطع رأسي.
مُتعَب ومليء مُتعب وجميل مُتعب تحت حطب
الغضب.
لأنّي بلغتُ المُختار
لأنّ امرأة ربّتني على تُراب شفّاف
لأنّي عثرت على الحدود
فتحتُ الحدود.
لأنّي وجدتُها وألغيتُ الحدود.
لم يعد لي صبر على مَن ورائي
ولا على الأحبّاء السابقين.
عندما حصلتُ على الأكثر من أحلامي حصلتُ على
الأكثر من الصحراء
وبعدما صعدتُ العرش والشجر الخالية منه الدنيا
حواني شجرُ البَرْد
ولم أتحطّم لكنّي تعبت.
ولن يبكيني أحد
حقّاً
ولن يرتعشوا لغيابي
حقّاً كما كُنت حاضراً
ولن يستوحشوا مثل بُرج
ولن يموتوا عليَّ موتاً يُضاهي حياتي.
...
أخذتُ ما يُؤخذ وما لا يُؤخذ وتركتُ ما يُترك
وما لا يُترك
وإنّي خرَجْتُ
وامرأة باقية بعيدة
تُكلّمني تُلامسني
وكم أرغبها وكم أيضاً وراء الموت!
وإلى المُهتمّين:
أنا أعظم من عاش
لأنّي أعظمكم في الأُنس والمنفى
بل لأنّي أعظم كائن عاش
كالنسر في البَصَر كالحبر في العمى
عظيماً في الصيد وفي الغَفْلة
وشاهدتُ نجمتي فأخبرتُكم خُلاصتها
بسرعة النمر وبياض الحمام
حتّى تعبتُ وغضبت
لأنّي تجاوزت الفنون والعلوم
واختصرتُ ظاهر العقل وباطنه
وملكتُ العَصَب وبدّدتُه
وكسرت الصاروخ والروح
ثمّ اقترفت بكلامي ذنب التواضع
لأنّي فكّرت أنّه العالم يستحقّ التواضع.
ووقع كلامي في شلّال
وهو نادم غير نادم
لكنّه يُعلن لكم
كلامي يُعلن أنا الكلام
مُنذُ قليل ومُنذُ كثير
أنا الكلام وآخر الكلام
وأوّل ضرب على صدر الحياة
وسوف تفتح لكم الحياة
سوف تفتح الخزائن
سوف تفتح الحياة
ولن أكون بينكم
لأنّ ريشة صغيرة من عصفور
في اللّطيف الربيع
ستُكلّل رأسي
وشجرَ البَرْد سيحويني
وامرأة باقية بعيدة ستبكيني
وبُكاؤها كحياتي جميل.

(أخافُ أن أعرف)

أجمْلُه ما بين الجهل والمعرفة. أكثرُه ألَماً وأشدُّه اعتصاراً.
لا أعرف ما ستقرّرين. عيناكِ اللتان في لون ثيابكِ ثابتتان في دوختي ثباتَ الحَيرة المنقِذة في العذاب.
كذابٌ هذا الصقيع، كذابٌ ذلك البحرالتافه، كذابٌ أيُّ انهماكٍ كان: سوف أنساك. كذابٌ أنا، لو كان لي أنْ أنساكِ لما فعلتُ لأنّكِ، أنتِ أيضاً، لستِ لي. وكيف أنسى من ليست لي!
كان يكون مريحاً لو.
لكنّي كذابٌ أيضاً. أرْفُضُ هذه الراحة. يَحْدث ما يحدث وما لا يجب أن يحدث وما لا يحدث. أحبّيني لا لأني أُحَبّ، بل لأن عينيكِ تُحبّان طريقتهما في إحراقي.
يوم ولدتِ كنتُ كبيراً. أمسِ كنت صغيراً يومَ كبَرتِ. ولولا الضوء لما رأيتُ من عمري سوى الرعشة. صغيراً كالبداية، وأنتِ كبيرةٌ ككلّ ما يجعل النهايات تبدأ من جديد.
أنتِ لسوايَ، ككلّ مَنْ أحْبَبْتُ. لسوايَ، ككلّ ما هو لي.
قَدَر المشتهي مُقتنى غيرِه، قَدَرُحامل الفتنة، قَدرُ الزائرِ الغريب، قَدَرُ ناشرِ الاضطراب والحريّة، قَدَرٌ جميلٌ هو
قَدَري.
وبين الجهل والمعرفة مصيري وأخاف أن أعرف ما سيصير.
أجْمَلُه ما بين الجهل والمعرفة، تُدلّلُكَ أحلام القَلَق وتغدر بك.
والويل لك من جمال تنكيل تلك الحَيرة، والويل لك من اليقين!
فأنتَ مولودٌ تحت التاج والسُمّ.

(مرَّ إعصار فلم يقتلع شجرة)

لو أخذتُ ورقة وقلماً
وسعيت إلى الرزق
لو تذكّرت الله أو نسيته
وضربت بالمعول
لو غرقتُ في الأحراج
وتصيّدت في الغيوم
لما استطعت أنْ أفعل غير الحبّ
فإنّي لا أُخطئ ولا أُصيب إلا فيه.
وحين أكبر أو أصغر
وتخطبني المسرّات أو السأم
ويُمسك بخناقي حادث
أجلس
آخذ ورقة وقلماً
إلى آخره.
...
أحببتُ
ومرّ إعصار فلم يقتلع شجرة
لذلك عدت فأحببت
ولم أنصب فوق رأسي خيمة
ولا حاولت أن أفصل بين الأرض الصخرية والأرض
الزراعية
لأنّه
إذا كانت الطبيعة تحتاج إلى آلاف السنين لتُحوّل
الصخر أرضاً زراعيّة
فالحُبّ يحتاج إلى لحظة وإنسان ليُحوّل
لحظة أُخرى وإنساناً
إلى السعادة.
وأُضيف أنّي على رغم آلامي كُنت سعيداً
فلن أنسى كيف وَهَبَتُني
فمَها الذي يمتصّ الروح ليُجدّدها.
...
أُحبّ كلمة «مُحرّض» وتُحبّني
ولكنْ لا أسمع في الأخبار عن الحُبّ
لأنّ الحُبّ يُحرّضني كثائر يُحرّض الجماعة
والأخبار لا تُذيع عن الحُبّ
كي لا تُذيع عنّي.
وإنّي مُغتبط بهذه المُعاملة السيّئة
فهي تُعطيني غذاء للحقد على البؤس العامّ.
ولهذا
عندما أجلس أمام ورقة وقلم
كما قُلت
دائماً...

(أجمل القارئات)

I
تجلسين على حافّة السرير، بالك في الريح وقدماك
في العاصفة.

II
تتحرّك يداك مَوجتَيْن. ويبدأ السرير إلى الجنوب.

III
تمرّ الحروف. تحسبين أنّك هرّة. تنامين بين
الحروف.
ينقلك النوم إلى المَلك.

IV
ترحلين على الكلمات إلى الأحراج. تقتربين
من الصخور فتُصبح مرايا. يصير الندى جداول،
النقاطُ عصافير، الفواصل فراشات، الأرقام
أشجاراً.
وينتظرك السرير عند غدير.

V
الصفحة السوداء جنّيّة تُؤجّل عمل اليوم إلى
الغد. تستحضر روح اللّذّة إلى نهديك الطافرين في
عطلة.
لا أحد يحزر كم تشتهين وماذا تتخيّلين.

VI
أعجز عن حماية نفسي من أحلامك. أعرفك قليلاً
أيّتها القارئة الجميلة، أنت خليلتي وأُختي. أعرف قليلاً
كيف تُمسكين الكلمات من خصرها، وتعصرين،
تعصرين.

VII
يُضيء وجهُك فتخفضين الضوء.
العَتم المثاليّ هو الذي يعتقد أنّ أحلى ما فيه عُريُ
الجسد الأبيض.

VIII
تنفصل الغُرفة بضحكة. تطير على تنفُّض نهديك.

IX
تتربّص بك أحراج جديدة عند كُلّ نزول إلى
السطر. تلتمسين جِلْد الكتاب فتخفضين الضوء
أكثر.

X
سريرك مَرْكب وهودج.
تشتدّ الريح. تُجَنّ حول قدميك العاصفة.
أنت، أجمل القارئات، على حافّة السرير، تذهبين،
تذهبين...
تصعد الكلمات إلى السرير تنتظر عودتك.

XI
حين تعودين وقد انطفأ الضوء، ترتمي عليك
الكلمات فرحة، ويتفجّر وجهك بالنور، وتُمسكك
الكلمات من خصرك تعصرك، تعصرك...

(زُجاج الذّاكرة المُهَشَّم)

الجوقةُ جَرَفَتْني.
يتذاكرون سطراً لسطر. نظرَتُكِ الآليَّة تُبعثر
الكامن والطافح،
فراغ وغابتي.
الرملة المفتوحة الصَّمّاء، الخَشَبة، الغابةُ الذائعةُ في
الخشبة، وكلُّ شيء رائج هناك
وقلبي المقلوب.
للموج ملحُهُ
للموت لحمه
وللبراكين خيبتُها.
أنهضُ من زجاج الذاكرة المُهَشَّم ينطلق عصفور
مشلول. أنذرتُكِ العاشقُ يصمد!
المجمرة تكتظّ. المجمرة ربيع. المجمرة
مكفوفة. المجمرة تُفلس في يديكِ.
يتذاكرون فحمة لفحمة.
حَجَرُكِ وجَمرُكِ.
أخَذَني النهرُ ولم تَرَوْني.

(كنا نحسب الفراغ نبيذاً)

كان صوتك هضبة تُغطّيها المياه
وكانت مراكبنا سوداً
أراضينا بوراً
شموعنا صخوراً.
كُنّا نُخطئ بالصغيرة والكبيرة
نحسب الفراغ نبيذاً
والرملَ على الرمل: القمحَ والذهب.
وكُنّا نَحفظ الأوراق لنَحفظ
ونَعبد الآثار لنعبد
ونُخبّئ لنُخبّئ،
حتّى جئت
فلم ننظر إلى ما كان
غير نظرة!
ولمّا البحارُ تشقّقت
وأشَعَّ صوتك
هَوَينا إليه كمياه.
صرت المياه
صرت المطر
ونزل الوقت
نُزول الرعاة من الهضبة.

(الضّاحكة الضّاحكة الضّاحكة)

يا جواب جَسَدي
يا شجرة البيوت المهجورة
التي تختار من كلامي الكلام الذي أنا أختاره أيضاً
التي أنسى على اسمها الكلام
حسْرتي ومعرفتي
يا عروس الروح والغرائز
يا أُمّ الشهوات
يا صُراخيَ الأخرس، يا مُهرتي البيضاء الناهبة نجومَ
ليلي
يا من تحمل سيفي وحُطامه
المروّضة
يا مَن تفوّقت على زهر البساتين وفازت على
الفواكه الوحشيّة
زنبقة الكآبة الزرقاء الضاحكة الضاحكة
الضاحكة.