محمد علي شمس الدين *عزيزي أنسي
وأنا أكتب إليك هذه الرسالة سألت نفسي إلى أين أرسلها؟ ما رقم صندوقك البريدي في الآخرة؟ ما رقم هاتفك بين فكي الصخرة؟ أي إنترنت إلهي سيحمل كلماتي إليك؟ هل أقف فوق قبرك وألمس التراب وأتكلم؟ هل أقف فوق قمة جبل الريحان وأوجه وجهي نحو قريتك في لحف جزين، وأصرخ صراخاً ما بعده صراخ؟ أمتشق ميكروفون الأبدية، وأبدأ بهذياناتي وجملي مقطعة الأوصال. كان لم يكن سيكون. مضى إلى أيامه الاَتية. لن وسوف وهيهات هيهات. مات الذي مات وكل ما هو آت آت.

قمر البراري في المحاق والأرض كبالون منفوخ أمام شوكة. وأنا أدور على نفسي دوراناً قاسياً وجميلاً، أتلعثم وأتردد وألتبس. وتلتقي في جسدي الشهوة والموت. فأنا متردد بين ما أراه وبين ما لا أراه، بين ما لا أراه وما يخيفني، بين ما يخيفني وأنتظر بزوغه، بين ما أنتظر بزوغه ويغيب، بين ما يغيب ولا يرحل، بين شبهي ومختلفي، بين اللذة والجنون. فأنا، يا أنسي كما تعلم، يائس من الوردة، وأنا يا أنسي كما تعلم، نازل على الريح كريشة تحت حوافر دواعش الله. لم تعد تزن الأحلام مثلما أملتها، فالكواكب كالأحذية، والدموع كفلوس البخيل، القتيل قتيل القتيل. وأفرك يدي أحياناً وأقول: لقد عرينا الجيفة معاً، وكشفنا المستور عن المقبور معاً. أنت من جهة الغرب وأنا من ناحية الشرق. شددنا اللحاف عن الغيب ولم يكن واحدنا يعرف الآخر. فجميل أن يأتي تعارفنا لحظة الموت لأن المسألة ستكون خطيرة، فما من قصيدة إلا في الموت. وحين تأكل الكائنات بعضها، فإنه لن يسلم النوع البشري إلا في القصيدة.
العرب يا أنسي حرف قاف.
* شاعر لبناني