قطر تستطلع الأجواء ولا تتدخّل والسرايا ترى في كلام نصر اللّه «كوّة للحوار» لم تؤدِّ عودة الاتصالات بين الرئيس المكلف فؤاد السنيورة وتكتل التغيير والإصلاح من خلال مسؤول العلاقات السياسية جبران باسيل أول من أمس، إلى تقدم ملحوظ في اتجاه تأليف حكومة الوحدة الوطنية، وظلت العروض القائمة لا تتعدى جس النبض، كما يصف مصدر واسع الاطلاع في التكتل، ملاحظاً أن السنيورة لا يتصرف بالحماسة الكافية لإظهار رغبته في استعجال التأليف.
وقال المصدر نفسه إن «الرئيس المكلف لا يزال يتقدم بالعروض التي تجعله يتيقن من أن الفريق الآخر سيرفضها حكماً، وهو لا يزال يقارب حصة التكتل في الحكومة الجديدة بطريقة تفتقر الى الجدية».
وقال الرئيس ميشال عون، رداً على سؤال لـ«الأخبار» عن رأيه في الجولة الجديدة من الحوار والمشاورات، إن «التقدم بسيط في هذا الحوار. من المؤكد أن كل الاطراف يظهرون النية الحسنة، لكن لا يمكن الحكم على المواقف من هذا الجانب فقط. هناك محاولات للتوفيق بين القوى الرئيسية من أجل توزيع الحقائب الوزارية على نحو عادل وتبعاً للحجم السياسي والتمثيلي والشعبي لكل فريق. المطلوب في نهاية المطاف تأليف حكومة لا يموت فيها «الديب» ولا يفنى الغنم».
وأضاف عون، رداً على سؤال عما إن كان يرى أن الأفكار الجديدة المتداولة تعكس رغبة في تعاون الرئيس المكلف معه، «أشعر بأن لدى الفريق الآخر حدوداً وضعوها لأنفسهم. وهي في الإجمال حدود مصطنعة. سمعنا في أحد التصريحات أنه يجب أن يكون هناك توازن بين ثلاثة أطراف مسيحيين هم في الأساس غير متوازنين. ماذا يعني كلام كهذا؟ أكيد يعني كسر الميزان». وتابع «لا، ليس صحيحاً أن الأزمة مفتوحة بلا سقف. هناك حد تقف عنده».
وتعبّر سلسلة مواقف عون عن مناخ يسود نتائج الحوار الأخير بين السنيورة وباسيل. ذلك أن الاجتماع لم يفض الى موافقة تكتل التغيير والإصلاح على الصيغة الجديدة والأخيرة التي اقترحها الرئيس المكلف، والتي لا تعطي الجنرال إلا حقيبة خدماتية فاعلة واحدة هي الأشغال العامة والنقل، وتحجب عنه حقيبة الاتصالات التي كانت الغالبية قد أبدت استعدادها سابقاً للتخلي عنها، ثم راحت تشترط إحدى هاتين الحقيبتين، الأمر الذي رفضه عون. إلا أن استمرار الحوار بين الطرفين أبقى الاتصالات متحركة، بعدما كان السنيورة قد قطعها قبل خمسة أيام بذريعة عدم التوافق على طريقة تمثيل عون في الحكومة الجديدة وبسبب إصراره وفريق الغالبية على أن يحتسب الجنرال أي إضافة الى الحصة التي يقترحها عليه السنيورة من حلفائه في المعارضة، بينما يتمسك رئيس تكتل التغيير والإصلاح بالحصة التي يرى أنها تعكس تمثيله السياسي والشعبي لكونه رئيس ثاني أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب، ورئيس أكبر كتلة مسيحية فيه.
ورغم أن الآمال لم تتبخر تماماً بتأليف الحكومة الجديدة قبل 12 تموز الجاري، وهو موعد زيارة الرئيس ميشال سليمان لباريس للمشاركة في قمة الاتحاد من أجل المتوسط ولقاء نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، لا تزال العقبات تحيط بهذا التأليف في ظل ما تعتبره الغالبية سقفاً لا تستطيع تجاوزه في توزّع الحصص الوزارية على القوى المشاركة في الحكومة. وبحسب مصدر في هذه الغالبية تحدث لـ«الأخبار»، فإن «ما يتعيّن أن تقرّ به المعارضة حيال حكومة الوحدة الوطنية هو أن قوى 14 آذار لا تزال تمثل الاكثرية النيابية والحكومية، وهي تتمسك بحصتها استناداً الى هذا التمثيل الذي يقتضي ألا يتجاهله التقاء الموالاة والمعارضة في حكومة واحدة». وهذا يعني، بحسب المصدر نفسه، أنه «ينبغي عدم توزيع الحقائب مناصفة بين الطرفين لأن تأليف الحكومة الجديدة، كما حدده اتفاق الدوحة، لا يساوي بين عدد وزراء الأكثرية وعدد وزراء المعارضة، والأمر نفسه بالنسبة الى توزيع الحقائب».
وفيما تحدثت معلومات عن جهود بدأت قطر تبذلها في الساعات الاخيرة لم تتخذ بعد صيغة المبادرة بل استطلاع الأجواء والمواقف الدائرة في فلك تأليف الحكومة الجديدة، قالت معلومات أخرى إن المكالمة التي أجراها سليمان مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رمت الى ملاقاة الجهود التي كان قد بذلها رئيس الجمهورية قبل ثلاثة أيام، وهي تحريك الحوار الراكد بين السرايا والرابية، الأمر الذي تحقق جزئياً. إلا أن المعلومات لم تشر الى حدود التحرك القطري الجديد وأبعاده سوى القول إن مسؤولين قطريين أجروا اتصالات بسياسيين لبنانيين سعياً الى استمرار الحوار قائماً بين الاطراف المتخاصمة والتوصل الى تأليف حكومة الوحدة الوطنية. ذلك أن قطر تحرص، بحسب مصادر مطلعة على هذا التحرك، على الابتعاد عن التدخل المباشر في الشأن اللبناني، والحكومي خصوصاً، وتجهد لدى الأفرقاء لحضّهم على الاتفاق على تأليف الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن.
على صعيد آخر، وزعت السرايا رداً نسبته الى مصادر حكومية بارزة على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تضمّن جملة نقاط قال الرد إنه ينبغي التوقف عندها «أبرزها الحديث عن دور الأمم المتحدة في تحرير مزارع شبعا وموضوع سلاح حزب الله وطرق التعاطي معه وإشارته إلى الانفتاح على لقاءات مع كل الأطراف والقوى السياسية». وقالت المصادر الحكومية «إن الواقعية هي الطريق الأسلم للتعاطي مع الأمور ومعالجتها، ففي النهاية هناك اختلاف في وجهات النظر مع حزب الله في قضايا متعددة والمهم أن يكون هناك استعداد لبحث هذه القضايا المختلف عليها بعيداً عن لغة التهديد والإرغام وبجوّ من الانفتاح والرغبة في التوصل الى تفاهم بشأنها». وأضافت «من هذا المنظور، قد يكون كلام السيد نصر الله قد فتح كوة كبيرة للولوج منها الى الحوار بشأن المسائل الجوهرية في جو رحب ومتعاون».