يبدو أنّ رئيس الحكومة العراقيّة نوري المالكي بات متخصّصاً في اقتناص مناسبات زياراته الخارجيّة، ليطلق مواقف غريبة عن حكّام بغداد ما بعد الاحتلال. ففي الشهر الماضي، استغلّ زيارته الأردنيّة الأولى له، ليعلن من عمّان أنّ المفاوضات بين وفد بلاده والطرف الأميركي بشأن «الاتفاقيّة الطويلة الأمد»، وصلت إلى «حائط مسدود». موقف أثار ولا يزال، تكذيباً من شركائه في الحكومة، وفي مقدّمتهم وزير الخارجيّة هوشيار زيباري، ومفاجأة في واشنطن.أمّا أمس، فقد أطلق المالكي من الإمارات، التي يزورها منذ يومين، موقفاً يُعَدّ الأوّل لمسؤول عراقي بمستواه منذ عام 2003، أكّد فيه أنّ «التوجّه الحالي» بالنسبة للمفاوضات مع الأميركيّين، يقضي بالتوصل إلى «مذكرة تفاهم، إما لجلاء القوات الأجنبية أو لجدولة انسحابها، وذلك بدلاً من الاتفاقية» الأمنية طويلة الأمد.
وأبرز ما أوضحه رئيس الوزراء أنّ «الهدف (من المذكّرة) هو إنهاء وجود القوات الأجنبيّة»، من دون أن يعطي تفاصيل عن الآليّة التي ستتضمّنها لإنهاء الاحتلال.
وجاء كلام المالكي أمام السفراء العرب المعتمدين في أبو ظبي، حيث رأى أنه «في كل الأحوال، فإنّ قاعدة أيّ اتفاق هو الاحترام الكامل للسيادة العراقية»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ «المفاوضات ما تزال مستمرة مع الجانب الأميركي».
موقف رئيس الحكومة قد يحمل تداعيات قانونيّة إلى جانب الأبعاد السياسيّة بالنسبة لحكومة بغداد، الحليفة لكل من واشنطن وإيران. أوّلاً، إنها المرة الأولى التي يتحدّث فيها المالكي عن وضع جدول زمني لجلاء قوات الاحتلال من بلاده، أو انسحابها الكامل، وهو الشرط الذي بنى جورج بوش مشروعه العراقي على رفضه بشكل قاطع، رغم أنّ هذا الرفض كلّفه خسارات شعبيّة وسياسيّة يستعدّ لتوريثها إلى المرشّح جون ماكاين في حملته الرئاسيّة.
ثانياً، يثير هذا الموقف الجديد نقطة قانونيّة، فمن المعروف أنّ الفارق بين «المعاهدة» و«مذكّرة التفاهم» كبير، فالأولى لا تصبح نافذة إلا بعد أن تقرّها السلطتان التشريعيتان الأميركية والعراقيّة، وهو ما يُعَدّ شبه مستحيل بالنسبة للاتفاقيّة الأميركية ــــ العراقيّة، إذ تلقى معارضة ساحقة في كل من الكونغرس ومجلس النواب العراقي. أمّا في ما يتعلّق بـ«المذكّرة»، فيكفي أن تُقرّ على صعيد السلطة التنفيذيّة.
وقد يكون التهرّب من الرفض البرلماني للاتفاقية مع واشنطن، هو ما دفع المالكي إلى الحديث عن «المذكّرة»، إذ كان قد تعهّد سابقاً ألا يمرّر أي اتفاق مع الأميركيين، إلا بعد نيل موافقة السلطة التشريعيّة.
وفي السياق، سارع المتحدّث باسم الحكومة علي الدباغ، في حديث لوكالة «أسوشييتد برس»، إلى الجزم بأنّه «يعود للحكومة فقط أن توقّع أو لا على التفاهم من دون العودة إلى البرلمان».
وفي ظلّ غياب أي تعليق أميركي على إعلان المالكي، وجد موقفه التفافاً من ألدّ خصومه، أي التيار الصدري. فقد رحّب كل من مساعد مقتدى الصدر الشيخ صلاح عبيدي، ورئيس اللجنة السياسية للتيار لواء سميسم، بهذه التصريحات. وتعهّد الرجلان بدعم رئيس الوزراء وحكومته ومساندتهما في هذه النقطة، مشيرين إلى أنّ «هذه خطوة في الاتجاه الصحيح».
وربط بعض المراقبين بين إعلان المالكي وما ألمح إليه زيباري قبل أيام، عندما تحدّث عن وجود «خيارات بديلة» إذا لم يُتوصل إلى اتفاقية أمنية قائلاً «لدينا بدائل نستعين بها في حال التأخر أو عدم التوصل إلى اتفاق أمني، منها اتفاقية ثنائية بديلة، أو نذهب إلى مجلس الأمن ونطلب منهم تمديد تفويضهم سنة أخرى».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب)