بعد 45 يوماً على تكليف الرئيس فؤاد السنيورة تأليف الحكومة في 28 أيار، أبصرت أمس النور بعد جهود استثنائية اختلطت فيها التنازلات السياسية بالجهود المحلية والإقليمية عشية سفر رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى باريس للمشاركة في قمة الاتحاد من أجل المتوسط. وتزامن تأليف أولى حكومات العهد الجديد، وثانية حكومات السنيورة، مع لقاء مهم، سيعقد في العاصمة الفرنسية اليوم السبت، يجمع سليمان مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. كذلك سيعقد سليمان والأسد لقاءً ثنائياً، إضافة إلى عدد من اللقاءات والاتصالات سيجريها الرئيس اللبناني على هامش قمة باريس. وأكدت مصادر قصر الإليزيه أمس أن الرؤساء الفرنسي والسوري واللبناني وأمير قطر سيعقدون مؤتمراً صحافياً مشتركاً في قصر الإليزيه مساء السبت، وأن ساركوزي سيستقبل سليمان الثالثة بعد الظهر، ثم الأسد الخامسة، على أن يعود سليمان إلى الإليزيه برفقة أمير قطر السادسة ليعقد الزعماء الأربعة محادثات سريعة قبل أن يتوجهوا معاً إلى الصحافة.
ورحب الإليزيه بتأليف الحكومة اللبنانية، وذكر أن التحضير للقمة الرباعية كان «سهلاً»، ولكن كان من المهم لفرنسا «تأليف الحكومة اللبنانية قبل أن يلتقي الرئيسان السوري واللبناني في باريس». وقالت «هذا يفتح المجال لمناقشة مواضيع كثيرة مطروحة على طاولة البحث منذ فترة طويلة بين بيروت ودمشق، وتتعلق بشكل خاص بالعلاقات السورية ـــــ اللبنانية»، ونوّهت بأهمية حضور أمير قطر «مهندس اتفاق الدوحة».
وانسجاماً مع الرغبتين الفرنسية والقطرية، بذل أكثر من طرف داخلي جهداً في ساعات النهار الأولى أمس لإنقاذ حكومة الوحدة الوطنية بعدما استنزف الوقت خلافات الموالاة والمعارضة على تأليفها، إلى أن أعلنت قرابة الرابعة والنصف بعد الظهر على أثر اجتماع ثلاثي ضم سليمان والسنيورة ورئيس المجلس نبيه بري الذي اطّلع على التركيبة الحكومية وغادر قصر بعبدا.

كيف انتهت تركيبة حكومة الوحدة الوطنية؟

وقد مهّد لتسوية الساعات الأخيرة استقبال السنيورة النائب السابق غطاس خوري الذي أوحى بإخراجه من السباق الوزاري بأن أعلن أنه لن يكون عقبة في طريق تأليف الحكومة، وشنّ حملة على لقاء قرنة شهوان والشعارات الطائفية التي طرحها. خرج خوري وسُمّي النائب السابق نسيب لحود وزيراً ممثلاً للقاء قرنة شهوان بعدما كانت الوزيرة السابقة نايلة معوّض قد جهدت لإبعاد خوري والحلول مكانه. كذلك تخلى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط عن مرشحه الوزير السابق نعمة طعمة مع تخلي رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري عن الكاثوليكي الآخر ميشال فرعون، فوقع الاختيار بعد التشاور مع الرئيس أمين الجميّل ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع على المصرفي المعروف ريمون عودة. في المقابل، قطف جنبلاط مقابل تخليه عن حقيبة الإعلام حقيبة الأشغال العامة، إلا أنه اكتفى بوزيرين درزيين هما غازي العريضي وزيراً للأشغال العامة والنقل ووائل أبو فاعور وزير دولة.
أما العقدة التي أثارها السنيورة والقاضية برفضه توزير الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو، فقد تمّ تذليلها بعدما مارس الرئيس سليمان ضغوطاً كبيرة على السنيورة والحريري. وكان أن وفّر الحريري المخرج الملائم للسنيورة للقبول بتوزير قانصو، فأعلن بعد مقابلته الرئيس المكلف أنهما لم يكونا ليرضيا بقانصو، إلا أن الحريري انطلاقاً من تحمّله المسؤولية تحدث عن تضحيات قدّمها تيار المستقبل دائماً، وأنه نصح السنيورة بتوزيره استجابة لمصلحة البلد. وهو بذلك عنى أمرين: التخلي عن توزير غطاس خوري وتوزير قانصو.
بدوره حصل الرئيس أمين الجميّل على حقيبة السياحة وجعجع على حقيبتي البيئة والعدل، وتولى الثانية الدكتور إبراهيم نجار وهو محام وأستاذ جامعي قريب من جعجع وعضو سابق في المكتب السياسي الكتائبي. واستقرت حصة رئيس الجمهورية على حقيبتي الداخلية والبلديات والدفاع، الى وزير دولة يوزّر للمرة الأولى هو يوسف تقلا نجل الوزير الأسبق الراحل سليم تقلا وابن شقيق الوزير الراحل فيليب تقلا.
وكانت حكومة الوحدة الوطنية التي أطلق عليها السنيورة عنوان «حكومة كل لبنان» وعدّد لها مهمتين هما إدارة الخلافات الداخلية بالحوار لا بالفرض والإكراه، وإجراء انتخابات نيابية نزيهة وشفافة، قد ضمّت بحسب المرسوم الرقم 18 الذي وقّعه سليمان والسنيورة: السنيورة رئيساً لمجلس الوزراء، عصام أبو جمرا نائباً لرئيس مجلس الوزراء، الياس المر وزيراً للدفاع الوطني، طلال أرسلان وزيراً للشباب والرياضة، غازي زعيتر وزيراً للصناعة، غازي العريضي وزيراً للأشغال العامة والنقل، علي قانصو وزير دولة، الياس سكاف وزيراً للزراعة، محمد جواد خليفة وزيراً للصحة العامة، آلان طابوريان وزيراً للطاقة والمياه، خالد قباني وزير دولة، طارق متري وزيراً للإعلام، محمد الصفدي وزيراً للاقتصاد والتجارة، محمد فنيش وزيراً للعمل، جان أوغاسبيان وزير دولة، فوزي صلوخ وزيراً للخارجية والمغتربين، بهية الحريري وزيرة للتربية والتعليم العالي، وائل أبو فاعور وزير دولة، نسيب لحود وزير دولة، تمام سلام وزيراً للثقافة، ريمون عودة وزيراً للمهجرين، يوسف تقلا وزير دولة، إبراهيم نجار وزيراً للعدل، محمد شطح وزيراً للمال، ماريو عون وزيراً للشؤون الاجتماعية، أنطوان كرم وزيراً للبيئة، إبراهيم شمس الدين وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية، إيلي ماروني وزيراً للسياحة، زياد بارود وزيراً للداخلية والبلديات، جبران باسيل وزيراً للاتصالات.
وأكد السنيورة بعد إعلان التشكيلة الحكومية أن «الحكومة الجديدة ستشكل مجموعة ستعمل معاً من أجل مواجهة كل التحديات، سنعمل على تخفيف الأعباء وتعزيز الاستقرار الأمني والاجتماعي»، وأن «الكل يريد العودة للعمل من أجل الحاضر والمستقبل، وما هو أكيد أن تباينات آرائنا والاختلافات بيننا لن تزول بين ليلة وضحاها، لكن الأساس هو كيفية إدارة التباينات والعمل على تذليلها». وعن العلاقة بين لبنان وسوريا، قال السنيورة: «أؤمن بالعلاقة الثابتة والأكيدة بين لبنان وسوريا وأؤمن بأن لا مستقبل حقيقياً للبلدين دون علاقة مبنية على الثقة. نحن حريصون على هذه العلاقة لكن نريد التعامل على أساس أننا راشدون وليس أحدنا قاصراً والآخر راشداً».
وفي حصيلة خريطة الحكومة الجديدة، فإن لبرّي ثلاثة وزراء هم صلوخ وزعيتر وخليفة، ولحزب الله وزير واحد هو فنيش، وللرئيس ميشال عون وحلفائه خمسة وزراء هم باسيل وعون وأبو جمرا وطابوريان وسكاف، ولرئيس الجمهورية ثلاثة وزراء هم المر وبارود وتقلا، ولجنبلاط وزيران هما العريضي وأبو فاعور، وللمعارضة من خارج الحكم وزيران هما ارسلان وقانصو، وللجميّل وزير هو ماروني، ولجعجع اثنان هما نجار وكرم، وللحريري اثنان هما الحريري وأوغاسبيان، وللسنيورة اثنان هما شطح وقباني، وللقاء قرنة شهوان وزير هو لحود، الى حلفاء للموالاة كالصفدي وعودة ومتري وسلام وشمس الدين وهو شيعي مناوئ لحزب الله وحركة أمل وقريب من تيار المستقبل.