صراع الحقائب مستمرّ داخل فريق الموالاة وإلياس المرّ قد ينسحب منعاً لإحراج سليمان
استمرّت أمس المشاورات البعيدة عن الأضواء بين المسؤولين سعياً الى تخطّي عقبات التوزير في أولى حكومات عهد الرئيس ميشال سليمان. وبدا المسؤولون في سباق مع الوقت بغية إخراج التشكيلة الحكومية قبل وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى بيروت صباح السبت للإيحاء بنجاح الخطوة الثانية من تنفيذ اتفاق الدوحة. ذلك أن ساركوزي، بحسب مصادر دبلوماسية معنية بالزيارة، سيلقي كلمة في المطار لدى وصوله في العاشرة والربع يؤكد فيها دعمه انتخاب سليمان، وتأييد اتفاق الدوحة ودعوة الأفرقاء اللبنانيين الى التشبث به وتشجيعهم على وضعه بكل بنوده موضع التنفيذ، نظراً الى الدعم العربي والدولي له ولكونه يحظى بإجماع الأطراف اللبنانيين.
وتبعاً لبرنامج الرئيس الفرنسي الذي سيكون سليمان على رأس مستقبليه في المطار، فهو سيلقي كلمة مقتضبة فور وصوله من غير أن يجيب عن أسئلة الصحافيين ويعلن سياسة بلاده تجاه لبنان ووقوفها الى جانب الرئيس اللبناني وتأييده، وتقديم كل المساعدة اللازمة للحكومة اللبنانية التي تمثل كل أفرقاء النزاع، مع تشديده أيضاً على دعمه الشخصي لسليمان. وبعد مراسم استقبال رسمي حافل، ينتقل ساركوزي وسليمان الى قصر بعبدا ويجريان محادثات، ثم ينتقل الرئيس الزائر الى قصر الصنوبر للقاء الجالية الفرنسية في لبنان، قبل أن يتوجه الى الجنوب لتفقد الكتيبة الفرنسية العاملة في القوة الدولية. وفي الرابعة والنصف يغادر بيروت بعد زيارة الساعات القليلة. ويرافق ساركوزي وفد وزاري ونيابي فرنسي كبير. ومن غير المؤكد أن يلتقي ساركوزي رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة خارج نطاق الاستقبال في المطار، إلا إذا طرأ تغيير في البرنامج على نحو ما يجري تداوله، وهو مشاركته في غداء تكريمي في قصر بعبدا يقيمه له سليمان ويحضره عدد محدود من المسؤولين والشخصيات الرسمية.

التشكيلة الحكومية

وفي سياق استعجال إنجاز التشكيلة الحكومية، عقد مساء امس لقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، هو الأول بينهما مذ أطلع الأخير سليمان على نتائج الاستشارات التي أجراها مع النواب الجمعة الفائت توطئة لتأليف الحكومة الجديدة. وقالت مصادر رسمية إن الاجتماع لم يخلص الى نتيجة ملموسة على صعيد تأليف الحكومة بعدما أبلغ السنيورة سليمان تأخّر الحلحلة، وهو أكد على الأثر أنه واثق من التقدم في موضوع تشكيل الحكومة الذي يسير في رأيه على الطريق الصحيح، ولم يشأ تحديد موعد لذلك، قائلاً إن من الطبيعي أن تحتاج الحكومة الى وقت كي تُشكل.
وقالت مصادر مطلعة على الاتصالات والمشاورات الجارية، إن الموالاة والمعارضة لا تزالان تتبادلان الشروط للحصول على الحقائب السيادية والخدماتية، إضافة إلى تسابقهما للحصول على المقاعد الوزارية. ومع أن بعض المعطيات بدا واضحاً لجهة ما قد تكون عليه الحكومة الجديدة التي سيحصل رئيس الجمهورية فيها على ثلاثة وزراء مسيحيين، ماروني للداخلية وأرثوذكسي للدفاع الوطني وكاثوليكي، ويحصل رئيس الحكومة على حقيبة المال التي يتشبّث بها، فإن هذه المعطيات تشير أيضاً الى تمثّل حركة امل وحزب الله بخمسة وزراء شيعة ووزير درزي هو طلال ارسلان، بينما يحصل الفريق السنّي على المقاعد الستّة للطائفة من تيار المستقبل عدا عن وزراء كاثوليك وأرثوذكس، ويذهب المقعدان الأرمنيان مناصفة بين الموالاة والمعارضة. أما المقاعد المارونية الستة، فسيذهب اثنان منها الى النائب ميشال عون وثلاثة الى الرئيس أمين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع وقرنة شهوان، وقيل إن هذه الاخيرة توافقت على النائب السابق منصور غانم البون كي يمثلها في الحكومة خلفاً للوزيرة نايلة معوض، علماً بأن الماروني السادس سيكون لرئيس الجمهورية.
ووفق مصادر قريبة من قصر بعبدا، فإن الحقائب السيادية أوشكت على الوصول الى تسوية من خلال حصول الرئيس على اثنتين، الداخلية والدفاع الوطني، والغالبية على المال، والمعارضة على الخارجية والمغتربين التي يتشبّث بها رئيس المجلس، إلا أن ذلك أفضى الى حرمان عون من حقيبة سيادية ستعوّض بحقيبة العدل وأخرى خدماتية. كذلك ذُكر أن من العراقيل القائمة توزيع وزراء الدولة الذين سيبلغ عددهم ثمانية وزراء بفعل وجود 22 حقيبة. ويدور خلاف بين الموالاة والمعارضة لجهة رفض كل منهما مقاعد وزراء دولة متمسكين بأحد نوعي الحقائب السيادية والخدماتية، علماً بأن سليمان أبدى استعداده لتسهيل الحل بتعيينه وزير دولة من حصته. لكن مصادر في المعارضة تحدثت عن رسائل بعثت بها قوى المعارضة الرئيسية الى رئيس الجمهورية تبلغه فيها معارضتها بقاء المر في وزارة الدفاع أو توليه حقيبة سيادية، وقالت هذه المصادر إن المر قد يبادر من تلقاء نفسه الى إعفاء الرئيس من أي إحراج بإعلانه الانسحاب من معركة التوزير، الأمر الذي يعارضه والده.

الجولة العربيّة

ومع أن تأليف الحكومة الجديدة يتقدّم أولويات العهد، فإن الجولة العربية المرتقبة لرئيس الجمهورية تصبّ بدورها في نطاق الجهود المبذولة لإعادة لبنان الى الخريطة الاقتصادية بعدما طوى اتفاق الدوحة الحوادث الأخيرة. وبحسب مصادر رسمية، فإن الجولة المقررة لسليمان ستعيد تأكيد تمسّك لبنان بالغطاء العربي لمعالجة أزمته.
ووفق مطلعين عن كثب على الموقف السوري، فإن دمشق قللت من جدية ما تردّد عن زيارة وشيكة سيقوم بها الرئيس بشار الأسد للبنان منتصف هذا الشهر. وقال المطلعون أنفسهم إن الأسد، بعد زيارته الكويت سيعود الى بلاده، على أن يستكمل جولته العربية بصفته رئيساً للقمّة العربية بعد أيام، ويزور تونس والجزائر وليبيا والمغرب الذي كان قد تمثّل في قمّة دمشق بشقيق الملك محمد السادس. وتبدو زيارة الأسد لبيروت مستبعدة في المدى القريب لأسباب شتى، منها عدم ملاءمة الظروف لبنانياً وسورياً لتحقيق هذه الزيارة، وأن ترحيب الأسد بعلاقات دبلوماسية وتبادل للسفراء ينبغي أن يدرج في نطاقه الواقعي، وهو أن الأسد رحّب بالفكرة ومبدأها لا بوضعها موضع التنفيذ الفوري قبل جلاء الخلافات بين البلدين وعودة علاقاتهما الى طبيعتها، وفق آلية تستغرق بعض الوقت من أجل إعادة الثقة بين الطرفين ووقف الحملات السياسية والاعلامية.
كذلك فإن زيارة محتملة للرئيس السوري لبيروت في ظل التشنج والخلافات السياسية القائمة بين الموالاة والمعارضة تعرّض الوضع الداخلي برمّته لأزمة، وربما لمشكلة تتجاوز الخلاف السياسي الى الشارع بسبب وجود مرحّب بالزيارة ومعارض لها. ويقول المطلعون على الموقف السوري إن دمشق التي أيّدت التبادل الدبلوماسي بين البلدين ترى إنجازه آخر سلسلة في تطبيع علاقات البلدين، وتتويجاً لتفاهمهما على مرحلة سياسية جديدة تزيل التشنّج من طريقهما. وقد يكون أول هذه السلسلة، بحسب المطلعين أنفسهم، تلبية الرئيس اللبناني دعوة نظيره السوري لزيارة دمشق رسمياً في مستهلّ الجولة العربية لسليمان.